فاعتبروا يا أولي الأبصار.. رسالة من كورونا ..خميس النقيب
الفريق العلمي
المؤمن يقوي بإيمانه ويفرح بإسلامه فيفعل المأمور ويترك المحظور ويرضي بالمقدور.
إذا أصيب بنقمة صبر، وإذا كان في نعمة شكر.. يعلم أن كل أمره خير، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
لذلك لا يفزع عند الكوارث ولا يضطرب عند الشدائد وإنما يردد ما أمره نبيه -صلى الله عليه وسلم- عند الملمات: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ويستعيذ بالله من شر كل ما يخشاه: "اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، وأعوذ بالله من سيء الأسقام".
والإنسان مؤمن أو كافر، جاحد أو شاكر، مقيم أو مسافر، إذا اعتد بقوته فهو مهزوم مهما تحصن بالحصون، أو كان وراء جدر أو في بروج مشيدة، لا تمنعه قوة ولا يحفظه حصن مالم يكن معه الله القوي القادر، الغالب القاهر، المعز المذل، المانح المانع -سبحانه وتعالى-.
يهود يثرب شيدوا أبنيتهم، واستقووا بحصونهم، وظنوا أنها -من الله- مانعتهم، فقالوا: من يصل إلينا؟ من يخرجنا؟ من يحطم قواعدنا؟ من يهدم بيوتنا؟
خدعهم ظنهم، وغشهم يقينهم، وغرهم كبرهم (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)[الحشر:2]، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[المدثر:31]؛ (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بعد ما ارتعبوا واهتزوا فراحوا (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) وصدق الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ)[الحشر:1-2].
سجل القرآن هذا الحدث ليستقيم الناس إذا أصابهم انحراف، ويتوبوا إذا غرتهم دنيا، ويعودوا إذا تعدوا أو ظلموا، فلما انتشر الظلم وغاب العدل وظُلم الناس، ورأيت القوي يأكل الضعيف، والغني يلتهم الفقير، والصغير لا يوقر الكبير، وكأنها غابة ليس لها حدود ولا تحكمها أعراف، جاءت رسالة من كورونا؛ لتعيدهم إلى الصواب وتذكرهم بقوة رب الأرباب؛ فالذين لهم أبصار أو ألباب عليهم أن يعتبروا فلا يظلموا، ويتعظوا؛ فلا يتكبروا، ويتضرعوا فلا يتجبروا..
فلله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما كيف "يا عبادي: إني قد حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا" صحيح.
رسالة كورونا جاءت لتوقظ الضمير النائم، وتحيي القلب الميت، وتنهي الغفلة الجاثمة على الصدور، جرثومة لا ترى بالعين المجردة، بين عشية وضحاها ملأت الكون رعبا وفزعا وقلقا، أغلقت المدارس والمطاعم والكافيات، وأوقفت الدوريات والمطارات والشركات، وقيدت كل شيء تقريبا، فيورس ابتلي به أقوام لم يعرفوا الإيمان والتوكل على الله، افتروا بقوتهم وتسلطوا على الأقلية المسلمة في بلادهم فأرسل الله جندا من جنوده الذي لا يعلمها إلا هو أوقفت على إثرها معابدهم ومصانعهم، حتى شل اقتصادها تقريبا، كما أوقفت كورونا كذلك أقدس مقدسات الأرض وأطهر بقاع الأرض في ظاهرة قلما تحدث في التاريخ، في رسالة حتى للمسلمين حتى لا يفرطوا في دينهم ولا يظنوا أنهم في مأمن (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال:25].
إنها رسالة للذين مرروا العري والخلاعة والميوعة!!
إنها رسالة للذين حاربوا الدين والعلم وأهانوا العلماء!!
إنها رسالة للذين أفسدوا في البلاد وهتكوا الأعراض وظلموا العباد!!
إنها رسالة للذين أضاعوا القيم وأهانوا القمم ودمروا الهمم!!
إنها رسالة للذين يستقبلون بأس الله بمزيد من التهريج والمزاح بأن يكفوا ويتضرعوا لأنه مخالف لقوله تعالى (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[الأنعام:43].
إنها رسالة لأولي الألباب أن يتعظوا ولأولي الأبصار أن يعتبروا..
(فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ).