فاستقم كما أمرت
سعيد محمد آل هادي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب...أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب...وأتمَّ نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب...وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب . غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب خلق الموت والحياة ليبلونا وإليه المآب فمن عمل صالحًا فلنفسه، والله عنده حسن الثواب...ومن أساء فعليها، وما متاع الدنيا إلا سراب...وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المستغفِر التواب المعصوم صلى الله عليه وسلم في الشيبة والشباب خُلُقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب...قدوة الأمم، وقمة الهِمَم، ودرة المقربين والأحباب اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب .ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب .وكلما نبت من الأرض زرع، أو أينع ثمر وطاب...
وقفة حول قوله تعالى ( فاستقم كما أمرت )
- لأن الاستقامة استجابة لأمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه و سلمفقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ..
و أمر عز و جل بالاستقامة فقال : ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال:قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً بعدك قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) رواه مسلم .
فاستقامتك أخي الحبيب استجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم و الاستجابة لله - لأن الاستقامة موافقة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قال تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قال السعدي رحمه : الفطرة هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها و جعلهم مفطورين على محبة الخير و إيثاره و كراهة الشر و دفعه و فطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير و الإخلاص لله و التقرب إليه 0 ففي الحديث القدسي : ( و إني خلقت عبادي حنفاء كلهم و إنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ) ...
- لأن الاستقامة موافقة للعقل السليم الذي وهبك الله إياه فالعاقل لو خير بين طريقين أحدهما مستقيم معبّد واضح بيّن سهل و الآخر متشعب وعر معوج فلاشك أنه بعقله السليم يختار الطريق المستقيم فما بالك بطريقين أحدهما يوصل إلى رضوان الله و الجنة و الآخر يوصل إلى سخط الله و النار فماذا يختار العاقل اللبيب قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)>>
و قال سبحانه: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .. قال السعدي رحمه الله : [ أي الرجلين أهدى ؟ من كان تائهاً في الضلال غارقاً في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلاً و الباطل حقاً ؟ ومن كان عالماً بالحق مؤثراً له عاملاً به يمشي على الصراط المستقيم في أقواله و أعماله و جميع أحواله ؟ ). - لأنها موافقة للكون من حولك فالكون كله مستقيم على أمر الله أرضه و سماءه جباله و بحاره وديانه و أنهاره دوابه و أشجاره كواكبه و نجومه الكون بأسره عابد لله عز وجل مطيع لسيده و مولاه قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
لشمس و البدر من أنوار حكمته * و البر و البحر فيض من عطاياه
الحوت سبحه و الوحش مجده * و الطير عظمه و الكل ناداه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه * والنحل يهتف حمدا في خلاياه
و الناس يعصونه جهراً و يسترهم * و العبد ينسى و ربي ليس ينساه
- لأن الاستقامة سبب للفوز بولاية الله عز و جل قال تعالى :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ..سئل شيخ الإسلام رحمه الله هذا السؤال : من هم أولياء الله تعالى فأجاب رحمه الله بقوله : من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً..
- لأنها سبب لنصر الإسلام و المسلمين و عزهم و علوهم فإن استقامة العباد و نصرهم لله عل أنفسهم سبب لنصرهم عل أعدائهم قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )
و استقامة الأفراد صلاح للمجتمع و قيام بما أمر الله من المعروف و تغير للحال من المعصية إلى الطاعة و من الضلال إلى الهدى و عندما يحدث هذا التغير يغير الله حال الأمة من الذل إلى العز و من الهوان إلى الكرامة قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا أخا الإسلام يا فوزاً *** به الآمال تُختَتَمُ
قلوب النّاس ظامئةٌ *** وفي يمناك ريُّهُمُ
عيونُ النّاس في أرقٍ *** وأنت النّوم والحُلُمُ
وأنت أحبُّ أمنيةٍ *** تمنَّتْ نيْلَها الأممُ
فكن للنّاس كلِّهِمِ *** فأنت المُرتَجَى لهمُ - لأنها الاستقامة على أمر الله عز و جل و الصبر عليها في هذه الأزمان سبب للحصول على أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهنّ كقبض على الجمر ، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم ) قالوا يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : ( بل أجر خمسين منكم ) .
- الاستقامة سبب لحسن الخاتمة التي ترضي الله عن العبد .
- أستقم لتكسب أعظم الثمرات ( ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة .... )