فاتحة القرآن ويقضة الأمة
محمد الربيعة
1434/01/01 - 2012/11/15 20:18PM
فاتحة القرآن . ويقضة الأمة
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، نحمده سبحانه أعظم الحمد على أعظم نعمة أنعم بها علينا نعمة القرآن ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أنزل عليه نوره وهداه كتابه ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمان كثيراً .
أما بعد
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
معشر المسلمين /
نفتتح حديثنا معكم هذا العام بخير فاتحة ، فاتحة تملأ القلوب معرفة بالله تعالى ، وتجدد في نفس المؤمن عبوديته لربه ، وتنير له طريقه المستقيم إلى مرضاته وجنته ، إنها فاتحة الكتاب . نفتتح بها خطبا قرآنية مباركة بإذن الله ، نتفيأ خلالها في ظلال القرآن ، ونقتبس من نوره ، ونستنهض هممنا إلى حياة قرآنية تملأها السعادة والطمأنينة . وإلى منهج قويم نقوم به سلوكنا ونحل به مشكلاتنا ونصلح به أحوانا { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين } ما أعظمها من هداية ، وما أجملها وأكملها من بشرى .
دعونا نتذوق مقاصد ومعانيها وهدايات هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة في رحلة تدبرية مباركة .
وأول وقفات رحلتنا مع فضائل هذه السورة العظيم ، لندرك عظمها وفضلها على سائر السور :
معشر الأحبة :
سورة الفاتحة هي أعظم سورة في كتاب الله تعالى ، أخرج البخاري عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أُجِبْه حتى صليت، قال: فأتيته، فقال: "ما منعك أن تأتيني" ؟ قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي. قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24] ثم قال: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله، إنك قلت: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن"! قال: "نعم، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته"( 1).
سورة الفاتحة : هي نور أنزله الله على محمد لم يؤته نبي قبله ، أخرج مسلم عن ابن عباسرضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل، إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: " هذا باب قد فُتِحَ من السماء ما فُتِحَ قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أبشِرْ بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته"( 2).
سورة الفاتحة يارعاكم الله لم يُنزِل الله تعالى في الكتب السماوية كلها مثلها ، بل هي القرآن كله ، قال النبيصلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ( 3).
سورة الفاتحة هي سورة الصلاة ، قسمها الله بينه وبين عبده حين يقرأوها فأولها ثناء على الله وآخرها سؤال هو أعظم سؤال يسأله العبد ربه . أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله :"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل..."( 4).
سورة الفاتحة - أيها المتدبرون - هي السورة الوحيدة التي فرض الله على كل مسلم قراءتها في كل صلاة بل في كل ركعة ، نقرؤها في اليوم أكثر من ثلاثين مرة فرضا ونفلا. كما أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام" فقيل لأبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك"( 5).
أرأيتم أيها المؤمنون عظم فضل هذه السورة ، ولعظمها إخوة الإسلام كثرت أسماؤها حتى أوصلها بعض المفسرين إلى عشرين اسما ، فهي الحمد ، وهي الأساس ، وهي أم القرآن ، وأم الكتاب ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي الكافية والوافية والرقية ، فحق لها أن تكون أعظم سورة في القرآن .
معشر الأخوة : إن هذا الفضل العظيم الذي سمعتموه لينبئ عن مقصد عظيم تضمنته هذه السورة ، إنها قد جمعت لنا مقاصد القرآن كلها ومعانيه ، فتضمنت أعظم وصف لله تعالى ينبئك عن حقيقة الكمال لله تعالى ، وأعظم مقام للعبد ألا وهو مقام العبودية ينبئك عن حقيق الكمال البشري ، وأعظم سؤال يسأله العبد ربه لبلوغ مرضاته وجنته يُنبئك عن أعظم منهج للإنسان في الحياة ، فإذا عرف العبد ربه ، وحقق مقام العبودية له ، وسار على صراط المنعم عليهم من ربهم ، وسلم من طريق المخالفين له ، فقد بلغ من الكمال مبتغاه .
قال ابن القيم رحمه الله : "اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، وهي (الله، والرب، والرحمن)، وبنيت السورة على الألوهية والربوبية والرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة.. " ( 6).
وهنا إخوة الإسلام همسة أخيرة في أذن كل مسلم نختم بهذا حديثنا اليوم عن هذه السورة .
إن هذه السورة العظيم تجدد لك أيها القارئ المتدبر بوصلة الطريق ، وهدف الحياة إنها تدلك على هدفك الذي يجب أن تتوجه إليه بكليتك في جميع أحوالك وأعمالك ، إنه تحقيق العبودية لله تعالى ، فكيف لو استحضرت هذا الهدف العظيم في كل ركعة تقرأ فيها هذه السورة ، فتجدد عبوديتك لربك ، وتوثق العهد الذي بينك وبينه ، إنها حقا صلة بين العبد وربه إلى بلوغ الكمال البشري ، فهل يعي القارئ المتدبر منا لهذه السورة هذا المقصد العظيم ، فيزداد به قربا وصلة وعبودية لربه . هذا مانرجوه لأنفسنا جميعاً .
معشر الأحبة : نواصل معكم رحلتنا التدبرية عن هذه السورة في خطب أخرى بإذن الله تعالى .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل هذه السورة علما وإيمانا وعملاً ، وأن يملأ بها قلوبنا معرفة وهديا ، وأن يجعلها نوراً لنا وفتحا في الدنيا والآخرة .
بارك الله لي ولكم .
الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين ...
وبعد :
أمة الإسلام / إن فاتحة الكتاب التي تحدثنا عنا لتجدد في نفوسنا حقيقة الولاء والبراء ، الولاء لعباد الله ، والبراء من أعدائه المغضوب عليهم والضالين ، ولو أننا ونحن نقرأ خاتمة هذه السورة ونستحضر هذا المعنى في نفسنا كل ركعة لتجدد الولاء والبراء في نفوسنا ، ولأحيا في نفوسنا معرفة أشد أعدائنا اليهود المغضوب عليهم من ربنا ، والضالين المناصرين لهم . فكان موقفنا معهم موقف القوة والجهاد.
معشر المسلمين : يتجدد كيد عدونا المتربصين بنا من اليهود والنصارى ، وقد سمعتم وشاهدتم مماقام به اليهود الصهاينة من مجازر وانتهاكات في حق إخواننا في غزة الأبية يوم أمس ، وإن هذه المجازر حقيقة ماهي إلا محاولة يائسة لإخضاع أهل غزة الأعزة وأبطالها الصامدين الذين أرعبوا اليهود بصواريخهم صواريخ القسام ، فألقت في نفوسهم الهلع والرعب ، فأرادوا أن يقفوا في وجه هذه الصواريخ ، فاستهدفوا بعض القيادات الإسلامية هناك ، وهم يحسبون أنهم سيطفؤون نور الله وناره في نفوس أبطال غزة الأعزة كلا وربي ، بل إن هذه المجزرة اليهودية قد جددت في نفوسنا ونفوس أبطال غزة العزة ،فأطلقوا ليلة البارحة عشرة صواريخ أرعبت اليهود ، ونسأل الله تعالى أن يملأ قلوب اليهود رعبا وهلعا . كما جددت هذه المجازر العزة والغيرة في نفوس أبناء الأمة وشبابها الناهض ، فرأينا غيرة أهل مصر بما لم نكن نراه من قبل ، ورأينا هما يتحرك في نفوس الناس الغيورين هنا وهناك .
معشر المسلمين / إننا نتفاءل بإذن الله أن يكون هذا العام عام ثورة إسلامية على اليهود ، فتحيا الأمة لقضيتها الأولى وهي تعيش هم المسلمين في سوريا الشام ، وإن هذه الأرض المبارك أرض الشام وفلسطين لابد لها وأن تعود لعزة الإسلام ، ولن تعود إلا إذا عاد أبناء الأمة لنصرة دينهم وتحرير أرضهم المقدسة .
والواجب على الأمة في هذا الوقت الذي تعيش فيه الأمة مواجهتها مع عدوها مع تخلي العالم كله عن قضاياها ، الواجب هو إحياء روح الجهاد في سبيل الله تعالى في نفوس أبناء الأمة ، مع بذل الأسباب التي أمر الله تعالى بها كالدعاء والإعداد، وقد قال الله تعالى في وجوب الإعداد:" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ.." (الأنفال60).
فحري بنا إخوة الإسلام أن نستيقظ لعدونا قبل أن يلتف علينا ونحن منهمكون في شؤون دنيانا وملذاتنا ، ليس والله من العقل والحكمة ولا الدين أن نرى كيد عدونا ثم لا يحرك في نفوسنا يقظة وهما وتحركا وإعداداً . هل رأيتم رجلا يرى عدوه في بيت جاره ينتهك عرضه ويسرق ماله ويخرجه من بيته ، ثم يهنأ لجاره العيش والنوم في بيته . لا والله ، إذن فما بالنا ياأمة الإسلام يهنأ عيشنا ورقادنا ونحن نرى مايجري لجيراننا وإخواننا في فلسطين وسوريا .
اللهم أيقض في قلوبنا الغيرة لدينك ، واجعلنا من أنصار دينك .
اللهم أقم علم الجهاد في الأمة ، واقمع أهل الظلم والعدوان على الأمة
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ..
1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 4334.
2) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1339 .
3) أخرجه الترمذي في سننه برقم 2800، وأحمد في مسنده برقم 8328 .
4) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 598 .
5) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 904 .
6 ) انظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 7) ، ((بدائع التفسير)) (1/114).
[/size][/size][/font][/font][/font][/SIZE][/FONT][/FONT][/SIZE]
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، نحمده سبحانه أعظم الحمد على أعظم نعمة أنعم بها علينا نعمة القرآن ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أنزل عليه نوره وهداه كتابه ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمان كثيراً .
أما بعد
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
معشر المسلمين /
نفتتح حديثنا معكم هذا العام بخير فاتحة ، فاتحة تملأ القلوب معرفة بالله تعالى ، وتجدد في نفس المؤمن عبوديته لربه ، وتنير له طريقه المستقيم إلى مرضاته وجنته ، إنها فاتحة الكتاب . نفتتح بها خطبا قرآنية مباركة بإذن الله ، نتفيأ خلالها في ظلال القرآن ، ونقتبس من نوره ، ونستنهض هممنا إلى حياة قرآنية تملأها السعادة والطمأنينة . وإلى منهج قويم نقوم به سلوكنا ونحل به مشكلاتنا ونصلح به أحوانا { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين } ما أعظمها من هداية ، وما أجملها وأكملها من بشرى .
دعونا نتذوق مقاصد ومعانيها وهدايات هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة في رحلة تدبرية مباركة .
وأول وقفات رحلتنا مع فضائل هذه السورة العظيم ، لندرك عظمها وفضلها على سائر السور :
معشر الأحبة :
سورة الفاتحة هي أعظم سورة في كتاب الله تعالى ، أخرج البخاري عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أُجِبْه حتى صليت، قال: فأتيته، فقال: "ما منعك أن تأتيني" ؟ قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي. قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24] ثم قال: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله، إنك قلت: "لأعلمنك أعظم سورة في القرآن"! قال: "نعم، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته"( 1).
سورة الفاتحة : هي نور أنزله الله على محمد لم يؤته نبي قبله ، أخرج مسلم عن ابن عباسرضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل، إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: " هذا باب قد فُتِحَ من السماء ما فُتِحَ قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أبشِرْ بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته"( 2).
سورة الفاتحة يارعاكم الله لم يُنزِل الله تعالى في الكتب السماوية كلها مثلها ، بل هي القرآن كله ، قال النبيصلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ( 3).
سورة الفاتحة هي سورة الصلاة ، قسمها الله بينه وبين عبده حين يقرأوها فأولها ثناء على الله وآخرها سؤال هو أعظم سؤال يسأله العبد ربه . أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله :"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل..."( 4).
سورة الفاتحة - أيها المتدبرون - هي السورة الوحيدة التي فرض الله على كل مسلم قراءتها في كل صلاة بل في كل ركعة ، نقرؤها في اليوم أكثر من ثلاثين مرة فرضا ونفلا. كما أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام" فقيل لأبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك"( 5).
أرأيتم أيها المؤمنون عظم فضل هذه السورة ، ولعظمها إخوة الإسلام كثرت أسماؤها حتى أوصلها بعض المفسرين إلى عشرين اسما ، فهي الحمد ، وهي الأساس ، وهي أم القرآن ، وأم الكتاب ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي الكافية والوافية والرقية ، فحق لها أن تكون أعظم سورة في القرآن .
معشر الأخوة : إن هذا الفضل العظيم الذي سمعتموه لينبئ عن مقصد عظيم تضمنته هذه السورة ، إنها قد جمعت لنا مقاصد القرآن كلها ومعانيه ، فتضمنت أعظم وصف لله تعالى ينبئك عن حقيقة الكمال لله تعالى ، وأعظم مقام للعبد ألا وهو مقام العبودية ينبئك عن حقيق الكمال البشري ، وأعظم سؤال يسأله العبد ربه لبلوغ مرضاته وجنته يُنبئك عن أعظم منهج للإنسان في الحياة ، فإذا عرف العبد ربه ، وحقق مقام العبودية له ، وسار على صراط المنعم عليهم من ربهم ، وسلم من طريق المخالفين له ، فقد بلغ من الكمال مبتغاه .
قال ابن القيم رحمه الله : "اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، وهي (الله، والرب، والرحمن)، وبنيت السورة على الألوهية والربوبية والرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة.. " ( 6).
وهنا إخوة الإسلام همسة أخيرة في أذن كل مسلم نختم بهذا حديثنا اليوم عن هذه السورة .
إن هذه السورة العظيم تجدد لك أيها القارئ المتدبر بوصلة الطريق ، وهدف الحياة إنها تدلك على هدفك الذي يجب أن تتوجه إليه بكليتك في جميع أحوالك وأعمالك ، إنه تحقيق العبودية لله تعالى ، فكيف لو استحضرت هذا الهدف العظيم في كل ركعة تقرأ فيها هذه السورة ، فتجدد عبوديتك لربك ، وتوثق العهد الذي بينك وبينه ، إنها حقا صلة بين العبد وربه إلى بلوغ الكمال البشري ، فهل يعي القارئ المتدبر منا لهذه السورة هذا المقصد العظيم ، فيزداد به قربا وصلة وعبودية لربه . هذا مانرجوه لأنفسنا جميعاً .
معشر الأحبة : نواصل معكم رحلتنا التدبرية عن هذه السورة في خطب أخرى بإذن الله تعالى .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل هذه السورة علما وإيمانا وعملاً ، وأن يملأ بها قلوبنا معرفة وهديا ، وأن يجعلها نوراً لنا وفتحا في الدنيا والآخرة .
بارك الله لي ولكم .
الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلا على الظالمين ...
وبعد :
أمة الإسلام / إن فاتحة الكتاب التي تحدثنا عنا لتجدد في نفوسنا حقيقة الولاء والبراء ، الولاء لعباد الله ، والبراء من أعدائه المغضوب عليهم والضالين ، ولو أننا ونحن نقرأ خاتمة هذه السورة ونستحضر هذا المعنى في نفسنا كل ركعة لتجدد الولاء والبراء في نفوسنا ، ولأحيا في نفوسنا معرفة أشد أعدائنا اليهود المغضوب عليهم من ربنا ، والضالين المناصرين لهم . فكان موقفنا معهم موقف القوة والجهاد.
معشر المسلمين : يتجدد كيد عدونا المتربصين بنا من اليهود والنصارى ، وقد سمعتم وشاهدتم مماقام به اليهود الصهاينة من مجازر وانتهاكات في حق إخواننا في غزة الأبية يوم أمس ، وإن هذه المجازر حقيقة ماهي إلا محاولة يائسة لإخضاع أهل غزة الأعزة وأبطالها الصامدين الذين أرعبوا اليهود بصواريخهم صواريخ القسام ، فألقت في نفوسهم الهلع والرعب ، فأرادوا أن يقفوا في وجه هذه الصواريخ ، فاستهدفوا بعض القيادات الإسلامية هناك ، وهم يحسبون أنهم سيطفؤون نور الله وناره في نفوس أبطال غزة الأعزة كلا وربي ، بل إن هذه المجزرة اليهودية قد جددت في نفوسنا ونفوس أبطال غزة العزة ،فأطلقوا ليلة البارحة عشرة صواريخ أرعبت اليهود ، ونسأل الله تعالى أن يملأ قلوب اليهود رعبا وهلعا . كما جددت هذه المجازر العزة والغيرة في نفوس أبناء الأمة وشبابها الناهض ، فرأينا غيرة أهل مصر بما لم نكن نراه من قبل ، ورأينا هما يتحرك في نفوس الناس الغيورين هنا وهناك .
معشر المسلمين / إننا نتفاءل بإذن الله أن يكون هذا العام عام ثورة إسلامية على اليهود ، فتحيا الأمة لقضيتها الأولى وهي تعيش هم المسلمين في سوريا الشام ، وإن هذه الأرض المبارك أرض الشام وفلسطين لابد لها وأن تعود لعزة الإسلام ، ولن تعود إلا إذا عاد أبناء الأمة لنصرة دينهم وتحرير أرضهم المقدسة .
والواجب على الأمة في هذا الوقت الذي تعيش فيه الأمة مواجهتها مع عدوها مع تخلي العالم كله عن قضاياها ، الواجب هو إحياء روح الجهاد في سبيل الله تعالى في نفوس أبناء الأمة ، مع بذل الأسباب التي أمر الله تعالى بها كالدعاء والإعداد، وقد قال الله تعالى في وجوب الإعداد:" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ.." (الأنفال60).
فحري بنا إخوة الإسلام أن نستيقظ لعدونا قبل أن يلتف علينا ونحن منهمكون في شؤون دنيانا وملذاتنا ، ليس والله من العقل والحكمة ولا الدين أن نرى كيد عدونا ثم لا يحرك في نفوسنا يقظة وهما وتحركا وإعداداً . هل رأيتم رجلا يرى عدوه في بيت جاره ينتهك عرضه ويسرق ماله ويخرجه من بيته ، ثم يهنأ لجاره العيش والنوم في بيته . لا والله ، إذن فما بالنا ياأمة الإسلام يهنأ عيشنا ورقادنا ونحن نرى مايجري لجيراننا وإخواننا في فلسطين وسوريا .
اللهم أيقض في قلوبنا الغيرة لدينك ، واجعلنا من أنصار دينك .
اللهم أقم علم الجهاد في الأمة ، واقمع أهل الظلم والعدوان على الأمة
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ..
1) أخرجه البخاري في صحيحه برقم 4334.
2) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1339 .
3) أخرجه الترمذي في سننه برقم 2800، وأحمد في مسنده برقم 8328 .
4) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 598 .
5) أخرجه مسلم في صحيحه برقم 904 .
6 ) انظر: ((مدارج السالكين)) (1/ 7) ، ((بدائع التفسير)) (1/114).
[/size][/size][/font][/font][/font][/SIZE][/FONT][/FONT][/SIZE]
المشاهدات 2973 | التعليقات 2
يامرحبا
هل أنت د/ محمد الربيعة عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم ؟
قلبي دليلي
جزاك ربي الجنة
وجعله في موازين حسناتك يارب..
تعديل التعليق