غـزوة أحـد

فهد عبدالله الصالح
1431/10/26 - 2010/10/05 16:10PM


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلاَ على الظالمين أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلاَ الله له الملك وله الحمد وله الثناء الحسن

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيٌه من خلقه بلَغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاَ هالك فصلوات ربى وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين وسلَم تسليماً كثيرا .

أمَـا بعـد : فاتقوا الله ـ أيها الناس ـ وجاهدوا في الله حق جهاده واعرفوا ما أبلاه الصالحون من عباد الله من بلاء حسن في نصرة الدين وإعلاء كلمة الله وصد عاديات الكفر والضلال وعلى قمة أولئك الصالحين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الميامين رضى الله عنهم أجمعين .

وغزوة أُحد واحدة ٌمن تلكم الأعمال العظيمة في دين الإسلام .. لقد كانت في مثل هذا الشهر من العام الثالث للهجرة وكان سببها أن المشركين لما انهزموا في معركة بدر أرادوا أن يثاروا لأنفسهم ولأصنامهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخرجوا في ثلاثة آلاف مقاتل ومعهم مئتا فرس حتى وصلوا المدينة وخرج إليهم المسلمون لصدهم وانتصروا عليهم أول الأمر ولما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوا موقعهم انقض عليهم المشركون فكانت الهزيمة واستشهد من المسلمين سبعون منهم رضى الله عنهم كما خسر المشركون في أول المعركة ثلاثةٌ وعشرين قتيلا ولقد تحدثت سورة آل عمران كثيراً عن المعركة وملابساتها حتى تكون تشريعاً للأمة ودرساً عظيماً لها والأيام دولٌ بين الناس .

أيها المسلون :لقد تكفل الله تعالى بنصرة عباده المؤمنون في أي زمان كانوا وفي أي مكان وجدوا قال تعالى { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } وقال أيضاً { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } .

ولقد انتصر المسلمون في أول الإسلام في جميع المعارك إلاَ غزوة أحد لما خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم , كما كان النصر حليف المؤمنين في فتراتٍ كثيرة من التاريخ الإسلامي ما استقاموا على شرع الله .

ولما خالف المسلمون في هذه العصور أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوا العمل لدينه والاعتزاز بشريعته لمَا ضيعت كثير من شعائر الدين وانشغل المسلمون بشئونهم الخاصة وشهواتهم وملذاتهم غاب النصر عنهم وكانت الهزائم المتتالية عليهم وتسلط عليهم كلٌ عدوٍ لهم من كافر ومنافق وصاروا أفقر الناس وأخوف الناس وأذل الناس ولقد أراد الله لهم أن يكونوا خير أمةٍ أخرجت للناس ورزقهم الكثرة البشرية والموقع الجغرافي المتميز والثروات المختلفة مع منهج رباني حكيم يهدى للتي هي أقوم .

إن ما يصيب المسلمين اليوم ـ أيها الأخوة ـ هو نفس السبب الذي أدى إلى هزيمتهم يوم أحد إنه يتمثل في قول الله تعالى { أولمَا أصابكم مصيبة ٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } .

إن الحق ـ أيها المسلمون ـ له أعداء منذ أن خلق الله البشرية .. والهزيمة لا يصح أن تنسب إلى الأعداء في الأصل وإنما يجب أن تلحق بالخلل في تمسك المسلمين بإسلامهم كما قال تعالى آنفاً { قل هو من عند أنفسكم } وكما قال تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } .

أيها الأحبة : لقد كان النصر حليف المسلمين في أول معركة أحد { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } ولكن لما عصوا الرسول وانشغلوا بالغنائم سلبهم الله النصر { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم } .إنه ليس بين الله تعالى وبين أحد من خلقه نسبٌ ولا صلة إلاَ الإيمان والعمل الصالح .

وقد تنزل المصائب بالمؤمنين الموحدين لسببين : إمَا بسبب المعاصي التي يفعلها الفساق دون إنكار من الصالحين , وإمَا بسبب قدر ٍ من الله تعالى ليبتلى عباده وليختبرهم وليميز الخبيث من الطيب وحتى يتعرف كلٌ مؤمن صادق على جوانب الضعف والخلل فيسرع في معالجته .

أيها المسلمون : من رحمة الله ولطفه بعباده المؤمنين أنه كما قال عن نفسه { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون } وفي سياق الآيات عن الحديث عن غزوة أحد نجد أن ربنا تبارك وتعالى قد فتح أبواب التوبة ويسر للمسلمين إذا وقع منهم أخطاءٌ أن يرجعوا إلى ربهم قال تعالى قبل أن يذكَر المسلمين بهزائمهم وأخطائهم { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } بل إن الله تعالى من رحمته ولطفه سلا عباده عن الهزيمة بذكر سنةٍ من سننه إذ قال { قد خلت من قبلكم سننٌ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } وقال أيضاً { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } .

وكما أن باب التوبة ـ أيها الأخوة ـ مفتوحٌ إلى قيام الساعة فالله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين , فإن باب النصر مفتوح أيضا لكنه مشروط بالتوبة والإنابة , ولا يظنُ ظانٌ أن هذه الحرب الشرسة على المسلمين اليوم ستستمر حتى يقضى الإسلام نحبه وحتى يترك المسلمون دينهم ويصبحوا دهريين وماديين وعبيداً لغير خالقهم كلا ثم كلا فلا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إن الله تعالى يقول { فاصبر إن العقبة للمتقين } وسوف يعود إن شاء الله تعالى للإسلام عزته ومكانته ويعود للمسلمين عزتهم وقوتهم وحقوقهم وكرامتهم (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله)

وفيما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد وفيما أصاب الصحابة الأبرار الفئة المؤمنة التي رضى الله عنها ورضيت عنه في ذلك عزاء وتسلية لكل الدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله فيما يتعرضون له في سبيل الله من أذىً وفتنة ولقد قال الله في محكم التنزيل بسم الله الرحمن الرحيم { ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } .

وشياطين الإنس من فلول الكفر والشرك والنفاق وقرامطة العصر لا يرقبون في مؤمن ٍ إلاَ ولا ذمة حسبهم أن يتمكنوا من رقاب المسلمين فيظهروا على حقيقتهم من خلوهم من معاني الإنسانية وتجردهم من دوافع الفطرة المستقيمة وامتلاء قلوبهم حقداً وغيضا على المؤمنين بالله وبدينه فلقد مثَل المشركون ببعض ِ قتلى المسلمين وبخاصة حمزة ابن أبى طالب رضى الله عنه فقامت إحدى المشركات وبقرت بطنه وأخرجت كبده ولاكتها فلم تقدر عليها فألقتها .

ولمَا وقف الرسول الرحيم بأمته الذي يعزٌ عليه ما يتعرضون إليه لمَا وقف على جثمانه تأثر تأثراً شديدا وقال صلى الله عليه وسلم لن أصابَ بمثلك أبداً ثم سأل : هل أكلت شيئاً ـ أي المرأة المشركة ـ قالوا لا قال : ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار وإن ما جرى للمؤمنين الأوائل في سبيل الله على يد المشركين والكفار فهو يجرى لأتباعهم ، فلقد ذاق المسلمون على أيدي اليهود والنصارى والهندوس والبوذيين والمرتدين صنوفاً من العذاب والتنكيل وقت سقوط الدولة العباسية وأثناء محاكم التفتيش في الأندلس وفي فلسطين وفي كشمير وطاجاكستان وعلى أيدي الشيوعيين في أوربا الشرقية وفي البوسنة وكوسوفا والشيشان وعلى أهل السنة في العراق وغيرها كثير

وصدق الله العظيم إذ يقول عند الحديث عن غزوة أحد { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون هانتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما تعملون محيط } .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

أيها المسلمون : يعلمنا درس غزوة أحد أن دعوة الإسلام هي دعوة الله وحده دون سواه ليس لأحد من الناس فيها نصيب ، فالجهاد والبذل والنصرة هو من أجل الله ولئن مات الأنبياء والقادة الربانيون فإن الله حيٌ لا يموت .

والذين ارتضوا لأنفسهم حمل أعباء الدعوة والجهاد ينبغي أن يتعلقوا بصاحب الدعوة وهو الله تعالى.

وأمَـا الذين يقتلون في معارك الإيمان وهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا فهؤلاء قد اصطفاهم الله تعالى واتخذهم شهداء إنهم { أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم إلاَ خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون } إن هذه الشهادة فضل من الله تعالى ومنَه

وليعلمْ كلٌ مخلوق أنه لن تموت نفس حتى تستوفى أجلها ورزقها فمشاركته في المعارك وشجاعته وتضحيته لا تقَرْب من أجله كما أن قعوده وتخلفه لا تباعد من أجله{وما كان لنفس أن تموت إلاَ بإذن الله كتاباً مؤجلا }

وبعد أيها المسلمون:فأحدٌ نصر لا هزيمة، معركة فياضةٌ بالعبر والعظات، أحداثها صفحات ناصعة، يتوارثها الأجيال بعد الأجيال، وأنزل الله فيها ستين آية في كتابه المبين تتلى إلى يوم القيامة، كان لها أثر عميق في نفس النبي ، ظل يذكره إلى قبيل وفاته.

إن هذا الدين وصل إلينا بعد كفاح مرير من الصحابة والأسلاف، ذاقوا فيه مرارة المصائب والمحن تقطعت منهم الأشلاء والأجساد، وترملت النساء، قدموا أرواحهم فداء لهذا الدين، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً، فاقدر لهم قدرهم، واشكر لهم سعيهم، وترضوا عنهم، فقد أحبهم ربهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.

وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في تلك الغزوة بسبب خطيئة، وخرج آدم من الجنة بمعصية، و(دخلت امرأة النار في هرة) وكل المصائب التي تقع في الأمة أو تصيب المجتمعات وحتى الأفراد إنما هو بسبب معصية أو معاصي

آلا فاتقوا الله أيها المسلون واحذروا المعاصي صغيرها وكبيره وانصروا دين الله بالغلي والنفيس ثم صلوا وسلموا على نبيكم ..
المشاهدات 1625 | التعليقات 0