غزوة ذات الرقاع فوائد وعبر
د مراد باخريصة
1433/05/13 - 2012/04/05 21:48PM
غزوة ذات الرقاع فوائد وعبر
ما أحلى العيش مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمل الذكريات مع أيامه ومغازيه .. نريد اليوم أن نتحدث عن غزوة من غزوات المصطفى صلى الله عليه وسلم إنها غزوة ذات الرقاع وقد أختلف أهل السير في زمن حدوثها فمنهم من قال أنها وقعت في شهر جمادى الأول ومنهم من قال أنها حدثت في ربيع الأول سنة سبع للهجرة.
وسببها مشاغبات الأعراب القساة للدولة الإسلامية وتحالفهم مع الأحزاب ضد الإسلام والمسلمين وقيامهم بأعمال السلب والنهب وترويع الآمنين فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدبهم ويخمد شرهم ويكسر شوكتهم.
ولمّا كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة وإنما كانوا يقطنون الفيافي والصحاري والقفار كانت الصعوبة في فرض السيطرة عليهم ولذلك فلن تجدي معهم إلا حملات التأديب والإرهاب.
وجاءت الفرصة السانحة للمسلمين حين اجتمع هؤلاء واحتشدوا ليغيروا على المدينة فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج إليهم ومعه أربعمائة من المقاتلين من أصحابه وجعل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان ثم سار بالجيش حتى وصل به إلى مكان يقال له " نخل " على بعد يومين من المدينة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في ذلك المكان صلاة الخوف وأنزل الله عليه في هذه الغزوة صفة صلاة الخوف فقال {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
وفوق الخوف الذي حصل للمسلمين في هذه الغزوة حصلت لهم أيضاً شدة عظيمة ومشقة كبيرة فقد كان لكل ستة نفر بعير واحد يتعقبونه فيما بينهم حتى تنقبت وتجرحت أقدامهم وسقطت أظفارهم من المشي حفاة فكانوا يلفون الخرق والرقاع على أرجلهم ليضمدوا أرجلهم بها خاصة مع شدة الحر فسميت الغزوة بغزوة ذات الرقاع.
ومن شدة التعب والإعياء تفرق الناس في العضاة يستظلون بالأشجار وأتوا على شجرة ظليلة فتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستظل بظلها فنزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت ظلها وعلق سيفه عليها وتفرق الناس تحت الأشجار وناموا نومة عميقة وفي هذه الأثناء وبينما كان الناس متفرقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لوحده تحت الشجرة تسلل رجل من المشركين فاخترط سيفه وقام فوقه وقال من يمنعك مني يامحمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الله ) فارتجف الرجل وسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك مني الآن فقال يامحمد كن خير آخذ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال الأعرابي أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله فذهب إلى قومه فقال ياقوم جئتكم من عند خير الناس.
فلما وصل الجيش الإسلامي إليهم خافوا وهربوا إلى رءوس الجبال تاركين نسائهم وأطفالهم وأموالهم فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن تمكن من تشتيت حشودهم وتفتيت جهودهم وقذف الرعب في قلوبهم فلم يتجرؤوا بعدها من الاقتراب من المدينة لأنهم علموا أن باستطاعة المسلمين نقل المعركة إلى أرضهم وفي عقر دارهم فلم يتجرؤوا على رفع رءوسهم بعد هذه الحملة العسكرية المباركة واستكانوا شيئا فشيئاً حتى استسلموا وأسلموا وقاموا مع المسلمين فيما بعد في فتح مكة.
وبعد رجوعهم من الغزوة وبينما هم في الطريق سبى المسلمون إمراءة من المشركين فنذر زوجها أن لا يرجع حتى يريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فجاء ليلاً وقد كلف النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه بالحراسة وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر فقام الرجل بضرب عباد بن بشر بسهم وهو قائم يصلي فنزعه ولم يقطع صلاته ثم ضربه بالسهم الثاني فنزعه واستمر في صلاته ثم ضربه بالسهم الثالث فتثجج الدم منه وانصب بغزارة فلم ينصرف من صلاته حتى سلمّ فلما سلم أيقظ صاحبه فرأى الدم عليه وأخبره بالقصة فقال له سبحان الله هلا نبهتني فقال كنت في سورة اقرءوها فلم أحب أن أقطعها.
من المواقف العظيمة التي سُطرت في هذه الغزوة المباركة موقف مبارك لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقد كان لجابر جمل ضعيف فمضى الناس وتخلف جابر حتى أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا جابر فقال جابر يا رسول الله أبطأ بي جملي فقال له أنخه قال فأنخته ثم قال أعطني هذه العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة قال ففعلت فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ثم قال أركب فركبت فسار سيراً لم يسر مثله قط وجعل يواهق ناقته مواهقة أي يسابقها ويعارضها في المشي لسرعته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتبيعني جملك هذا قال قلت يارسول الله بل أهبه لك قال لا ولكن بعنيه قلت فسمنيه يارسول الله قال قد أخذته بدرهم قلت لا إذاً تغبنني قال فبدرهمين قلت لا قال فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية فقلت قد رضيت يارسول الله قال نعم قبلت فاشتراه منه بأوقية فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نقده الثمن ثم قال أتراني ماكستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك فرد له الدراهم والجمل صلى الله عليه وسلم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
الخطبة الثانية
في هذه الغزوة دروس عظيمة وفوائد كثيرة منها مشروعية صلاة الخوف فإذا كان الإنسان في حرب أو مكان يخاف فيه على نفسه صلى صلاة الخوف وصفتها أن طائفة تصلي مع الإمام وطائفة تقاتل العدو فيصلي بالذين معه ركعة ثم يبقى قائماً ويتموا لأنفسهم ثم ينصرفون تجاه العدو وتأتي الطائفة الأخرى التي لم تصلي فيصلي بهم الركعة التي بقيت ويبقى جالساً ويتموا لأنفسهم ثم يسلم بهم.
وهذا يدلنا على أهمية الصلاة وعظم أمرها فلم يعذرهم الله سبحانه وتعالى بتركها حتى في حال الحرب والخوف بل وأمرهم أن يصلوها جماعة على طائفتين طائفة تصلي وطائفة تقاتل العدو فكيف بمن يتركها اليوم وهو في حال الأمن والسلم والله جل جلاله لم يسمح بتركها في حال الحرب.
لقد كانت الصلاة قرة عين يتلذذون بها ويتذوقون طعمها وحلاوتها ويخشعون فيها حتى أن عباد بن بشر رضي الله عنه في هذه الغزوة أصيب بسهم وهو يصلي فنزعه وأكمل صلاته ثم أصيب بالسهم الثاني فنزعه وأكمل صلاته ثم أصيب بالسهم الثالث فنزعه وقد انفجر منه الدم وسال فأكمل صلاته فلما سلم أيقظ صاحبه فرأى الدم عليه فقال له هلا نبهتني قال كنت في سورة اقرءوها فلم أحب أن أقطعها حتى أكملها.
فماهو حالنا اليوم مع الصلاة والخشوع فيها والصبر عليها هل نحن ممن قال الله فيهم {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} أم نحن من المنافقين الذين { َلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}.
من أعظم المواقف البطولية التي سطرت في الغزوة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجاعته مع الأعرابي الذي أتاه وهو نائم تحت الشجرة فاخترط سيفه وقال من يمنعك مني يامحمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( الله ) فسقط السيف من يده فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني الآن فقال يا محمد كن خير آخذ فهذا التصرف دليل على شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وثباته يبين مدى رعاية الله وحفظه للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أتاه هذا الرجل وهو أعزل غارق في النوم وكاد أن يهوي عليه ويقتله ولكن الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
كما كشف هذا الحادث قمة الأخلاق النبوية التي يتحلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سقط السيف من يد الرجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من يمنعك مني الآن فقال يا محمد كن خير آخذ فعفى عنه ليتمم به مكارم الأخلاق وبهذا الأسلوب الهادئ والموقف الرقيق تأثر هذا الرجل فذهب إلى قومه فقال لهم يا قوم جئتكم من عند خير الناس ويقال أنه أسلم بعد ذلك.
كما أن في موقفه صلى الله عليه وسلم مع جابر بن عبد الله رضي الله عنه دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وجنوده حيث لحق جابراً عندما أبطأ به جمله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم مالك يا جابر فقال يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا.
ثم ظهرت المعجزة الربانية والكرامة النبوية عندما نخس النبي صلى الله عليه وسلم الجمل بالعصا نخسات فسار سيراً لم يسر مثله قط.
ثم حدث الموقف الجميل الرائع عندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتريه منه فأخذ يمازحه ويفاكهه ويأخذ ويعطي معه في الثمن ويقف مع أحواله الاجتماعية ومشاكله الاقتصادية وظروفه الصعبة فاشتراه منه بأوقية وفي النهاية أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الثمن والجمل وقال خذ جملك ودراهمك فهو لك..
ما أحلى العيش مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمل الذكريات مع أيامه ومغازيه .. نريد اليوم أن نتحدث عن غزوة من غزوات المصطفى صلى الله عليه وسلم إنها غزوة ذات الرقاع وقد أختلف أهل السير في زمن حدوثها فمنهم من قال أنها وقعت في شهر جمادى الأول ومنهم من قال أنها حدثت في ربيع الأول سنة سبع للهجرة.
وسببها مشاغبات الأعراب القساة للدولة الإسلامية وتحالفهم مع الأحزاب ضد الإسلام والمسلمين وقيامهم بأعمال السلب والنهب وترويع الآمنين فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدبهم ويخمد شرهم ويكسر شوكتهم.
ولمّا كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة وإنما كانوا يقطنون الفيافي والصحاري والقفار كانت الصعوبة في فرض السيطرة عليهم ولذلك فلن تجدي معهم إلا حملات التأديب والإرهاب.
وجاءت الفرصة السانحة للمسلمين حين اجتمع هؤلاء واحتشدوا ليغيروا على المدينة فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج إليهم ومعه أربعمائة من المقاتلين من أصحابه وجعل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان ثم سار بالجيش حتى وصل به إلى مكان يقال له " نخل " على بعد يومين من المدينة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في ذلك المكان صلاة الخوف وأنزل الله عليه في هذه الغزوة صفة صلاة الخوف فقال {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
وفوق الخوف الذي حصل للمسلمين في هذه الغزوة حصلت لهم أيضاً شدة عظيمة ومشقة كبيرة فقد كان لكل ستة نفر بعير واحد يتعقبونه فيما بينهم حتى تنقبت وتجرحت أقدامهم وسقطت أظفارهم من المشي حفاة فكانوا يلفون الخرق والرقاع على أرجلهم ليضمدوا أرجلهم بها خاصة مع شدة الحر فسميت الغزوة بغزوة ذات الرقاع.
ومن شدة التعب والإعياء تفرق الناس في العضاة يستظلون بالأشجار وأتوا على شجرة ظليلة فتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستظل بظلها فنزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت ظلها وعلق سيفه عليها وتفرق الناس تحت الأشجار وناموا نومة عميقة وفي هذه الأثناء وبينما كان الناس متفرقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لوحده تحت الشجرة تسلل رجل من المشركين فاخترط سيفه وقام فوقه وقال من يمنعك مني يامحمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الله ) فارتجف الرجل وسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك مني الآن فقال يامحمد كن خير آخذ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال الأعرابي أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله فذهب إلى قومه فقال ياقوم جئتكم من عند خير الناس.
فلما وصل الجيش الإسلامي إليهم خافوا وهربوا إلى رءوس الجبال تاركين نسائهم وأطفالهم وأموالهم فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن تمكن من تشتيت حشودهم وتفتيت جهودهم وقذف الرعب في قلوبهم فلم يتجرؤوا بعدها من الاقتراب من المدينة لأنهم علموا أن باستطاعة المسلمين نقل المعركة إلى أرضهم وفي عقر دارهم فلم يتجرؤوا على رفع رءوسهم بعد هذه الحملة العسكرية المباركة واستكانوا شيئا فشيئاً حتى استسلموا وأسلموا وقاموا مع المسلمين فيما بعد في فتح مكة.
وبعد رجوعهم من الغزوة وبينما هم في الطريق سبى المسلمون إمراءة من المشركين فنذر زوجها أن لا يرجع حتى يريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فجاء ليلاً وقد كلف النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه بالحراسة وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر فقام الرجل بضرب عباد بن بشر بسهم وهو قائم يصلي فنزعه ولم يقطع صلاته ثم ضربه بالسهم الثاني فنزعه واستمر في صلاته ثم ضربه بالسهم الثالث فتثجج الدم منه وانصب بغزارة فلم ينصرف من صلاته حتى سلمّ فلما سلم أيقظ صاحبه فرأى الدم عليه وأخبره بالقصة فقال له سبحان الله هلا نبهتني فقال كنت في سورة اقرءوها فلم أحب أن أقطعها.
من المواقف العظيمة التي سُطرت في هذه الغزوة المباركة موقف مبارك لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقد كان لجابر جمل ضعيف فمضى الناس وتخلف جابر حتى أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا جابر فقال جابر يا رسول الله أبطأ بي جملي فقال له أنخه قال فأنخته ثم قال أعطني هذه العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة قال ففعلت فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ثم قال أركب فركبت فسار سيراً لم يسر مثله قط وجعل يواهق ناقته مواهقة أي يسابقها ويعارضها في المشي لسرعته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتبيعني جملك هذا قال قلت يارسول الله بل أهبه لك قال لا ولكن بعنيه قلت فسمنيه يارسول الله قال قد أخذته بدرهم قلت لا إذاً تغبنني قال فبدرهمين قلت لا قال فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية فقلت قد رضيت يارسول الله قال نعم قبلت فاشتراه منه بأوقية فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نقده الثمن ثم قال أتراني ماكستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك فرد له الدراهم والجمل صلى الله عليه وسلم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
الخطبة الثانية
في هذه الغزوة دروس عظيمة وفوائد كثيرة منها مشروعية صلاة الخوف فإذا كان الإنسان في حرب أو مكان يخاف فيه على نفسه صلى صلاة الخوف وصفتها أن طائفة تصلي مع الإمام وطائفة تقاتل العدو فيصلي بالذين معه ركعة ثم يبقى قائماً ويتموا لأنفسهم ثم ينصرفون تجاه العدو وتأتي الطائفة الأخرى التي لم تصلي فيصلي بهم الركعة التي بقيت ويبقى جالساً ويتموا لأنفسهم ثم يسلم بهم.
وهذا يدلنا على أهمية الصلاة وعظم أمرها فلم يعذرهم الله سبحانه وتعالى بتركها حتى في حال الحرب والخوف بل وأمرهم أن يصلوها جماعة على طائفتين طائفة تصلي وطائفة تقاتل العدو فكيف بمن يتركها اليوم وهو في حال الأمن والسلم والله جل جلاله لم يسمح بتركها في حال الحرب.
لقد كانت الصلاة قرة عين يتلذذون بها ويتذوقون طعمها وحلاوتها ويخشعون فيها حتى أن عباد بن بشر رضي الله عنه في هذه الغزوة أصيب بسهم وهو يصلي فنزعه وأكمل صلاته ثم أصيب بالسهم الثاني فنزعه وأكمل صلاته ثم أصيب بالسهم الثالث فنزعه وقد انفجر منه الدم وسال فأكمل صلاته فلما سلم أيقظ صاحبه فرأى الدم عليه فقال له هلا نبهتني قال كنت في سورة اقرءوها فلم أحب أن أقطعها حتى أكملها.
فماهو حالنا اليوم مع الصلاة والخشوع فيها والصبر عليها هل نحن ممن قال الله فيهم {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} أم نحن من المنافقين الذين { َلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}.
من أعظم المواقف البطولية التي سطرت في الغزوة موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وشجاعته مع الأعرابي الذي أتاه وهو نائم تحت الشجرة فاخترط سيفه وقال من يمنعك مني يامحمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( الله ) فسقط السيف من يده فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني الآن فقال يا محمد كن خير آخذ فهذا التصرف دليل على شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وثباته يبين مدى رعاية الله وحفظه للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أتاه هذا الرجل وهو أعزل غارق في النوم وكاد أن يهوي عليه ويقتله ولكن الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
كما كشف هذا الحادث قمة الأخلاق النبوية التي يتحلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سقط السيف من يد الرجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من يمنعك مني الآن فقال يا محمد كن خير آخذ فعفى عنه ليتمم به مكارم الأخلاق وبهذا الأسلوب الهادئ والموقف الرقيق تأثر هذا الرجل فذهب إلى قومه فقال لهم يا قوم جئتكم من عند خير الناس ويقال أنه أسلم بعد ذلك.
كما أن في موقفه صلى الله عليه وسلم مع جابر بن عبد الله رضي الله عنه دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وجنوده حيث لحق جابراً عندما أبطأ به جمله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم مالك يا جابر فقال يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا.
ثم ظهرت المعجزة الربانية والكرامة النبوية عندما نخس النبي صلى الله عليه وسلم الجمل بالعصا نخسات فسار سيراً لم يسر مثله قط.
ثم حدث الموقف الجميل الرائع عندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتريه منه فأخذ يمازحه ويفاكهه ويأخذ ويعطي معه في الثمن ويقف مع أحواله الاجتماعية ومشاكله الاقتصادية وظروفه الصعبة فاشتراه منه بأوقية وفي النهاية أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الثمن والجمل وقال خذ جملك ودراهمك فهو لك..