غزوة بدر

فهد عبدالله الصالح
1432/09/18 - 2011/08/18 14:44PM
الحمد لله القوى العزيز نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده أحمده سبحانه وأشكره واستغفره وأتوب إليه وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
وأشهد أن لا إله إلاَ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المجاهدين وقدوة الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على هديه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا .
أمَـا بعـد : فاتقوا الله أيها المؤمنون ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم (
أيها المسلمون : شهر رمضان شهر { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان }
فالقرآن سمَاه الله فرقاناً لأنً فيه التفريق بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام وبين الهداية والضلال .
وفي شهر رمضان ـ أيها الأخوة ـ فرقانٌ من نوع آخر فرقانٌ بين الحق والباطل .. إنه فرقانُ بدر المعركة الكبرى { إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } لقد سمى الله تعالى يوم بدر فرقانا لأنه المعركة الأولى التي تميز بين الحق والباطل { يوم الفرقان يوم التقى الجمعان }
ولئن وقعت هذه المعركة في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة فإن النصر لم يكن خاصاً بمن كان له شرف خوضها إن نصرها هو نصرٌ لهذا الدين ولمن يحمل هذا الدين .
لقد كانت معركة بدر أولى المعارك في تاريخ الإسلام وأول مواجهةٍ بين المؤمنين وأعداء الدعوة لقد خرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم بدر وهم لا ينوون قتالاً إنما يريدون قافلة التجار الخاصة بكفار مكة ليستولوا عليها في مقابل جانب مما استولى المشركون عليه من أموال المسلمين وحقوقهم فهم لم يأخذوا للمعركة حسابا ولم يعدوا للقتال عدة هذه مشيئتهم ولكن شاء الله أمراً آخر شاء الله أن يكون القتال مع المشركين عير قريش التي أتت من الشام استطاع قائدها أبو سفيان النجاة بها ولكن قريشٌ أصرت على الخروج بطراً ورئاء الناس وصداً عن سبيل الله حتى قال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نبلغ بدراً ونقيم فيها ثلاثاً ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً وأعَلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن الله وعده إحدى الطائفتين إمَا العير وإمَا قريش وأخذ من أصحابه الرأى والمشورة فأشاروا عليه بمقاتلة المشركين فسرَ صلى الله عليه وسلم من موقف المهاجرين والأنصار ثم قال { سيروا وأبشروا فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم } فساروا إلى الموقع واختاروا المكان المناسب ولجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه مستنزلاً نصره قائلاً { اللهم : قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تحادك وتكذَِب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم عهدك ووعدك } وجاء الردٌ من ـ الله تبارك وتعالى ـ { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم } وقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً أمَا خصومهم الكفار فكانوا أكثر من ألف مقاتل ومائة فرس وستمائة درع وجمالاً كثيرة وما إن بدأت المعركة حتى انهزمت جموع الكفار وولت الدبر ولقي المصير السيئ سبعون منهم وسبعون وقعوا في الأسر وفرً البقية هاربين واُستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً رضى الله عنهم .
أيها المسلمون : لقد استجاب الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم فنصرهم الله على عدوه وعدوهم مع تباين في العدد والعدة إن النصر سنةٌ من سنن الله ينصر الله من ينصره ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم , القلة والكثرة ليس لها حساب في سنن الله { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين }
على المسلمين ـ إذا أرادوا نصراً ـ أن يخلصوا عملهم لله ويأخذوا بأسباب النصر من قوةٍ وعدة وحيطةٍ وحذر .
لقد أراد الله تعالى ـ للمسلمين أن تتعانق الانتصارات انتصار الجيش الإسلامي وانتصار القلوب المؤمنة حين اتصلت بالله وتخلصت من ضعفها الذاتي وانتصرت على نفسها الأمارة بالسوء وغلب اليقين والثقة بالله على الحسابات الظاهرية
ونزول الملائكة الأطهار لتقاتل مع المسلمين في بدر هو مدد من الله تعالى للمؤمنين لم يكن مدداً من أجل النصر بل مدداً لنفوسهم وبشرى وطمأنينة ًلها أمَا النصر فلم يكن إلاَ من عند الله اقرأوا كتاب الله { فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة مردفين وما جعله الله إلاَ بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلاً من عند الله إن الله عزيزٌ حكيم } .
ومعركة بدر ـ أيها الأخوة ـ أظهرت قوة الإسلام ودولته تلكم التي تُهاب ويُحسب لها كل حساب وشعر المسلمون فيها بالعزة الحقيقية { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين }
تذوق المسلمون فيها طعم الإيمان وحلاوة التضحية ولذة العبادة
لقد شعر المسلمون بعد غزوة بدر بالعزة بعد الذلة وبالأمن بعد الخوف { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } .
وأمة الإسلام عزٌها في الجهاد متى ما رفعت راية الجهاد كانت عاقبتها النصر والعزة والتمكين ومتى ما استكانت ورضيت بالقعود وتركت الجهاد ضربت بالذلة وتسلط عليها أعداؤها بشتى أنواع التسلط . يقول أبو بكر الصديق رضى الله عنه { لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلاً ضربهم الله بالذل } وروى أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إذا تبايعتم بالعينه ( نوع من البيوع المحرمة ) وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع ( أي اشتغلتم بالزراعة والرعي ) وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم } .
والجهاد فريضة إسلامية كفريضة الصلاة والصيام والذي شرعها أعلم بمصلحتها لعباده المؤمنين { كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } .
والجهاد هو أفضل عملٍ يتقرب به العبد لربه بعد الإيمان به لحديث أبى ذر رضى الله عنه قال : قلت يا رسول الله : أيٌ العمل أفضل ؟ قال صلى الله عليه وسلم { الإيمان بالله والجهاد في سبيله } رواه البخاري ومسلم .
ومنزلة الجهاد منزلة عظيمة لا يرقى إليها إلاَ من عظمت الآخرة في قلبه وهانت عليه الدنيا لا يرقى إليها إلاَ من تمكنً الإيمان في قلبه ورسخت حبة الإيمان في سويداء قلبه فسرى الإيمان في أعضاء الجسم سريان الدم في العروق فعاش هذا الإنسان بالله ولله
وأيقن أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي أجلها ورزقها وأن الروح لن تخرج إلاَ في اليوم المحدد لها وأن دخول المعارك لا يقرب ولا يباعد أجلها وأنه لن يصيبه إلاَ ما كتبه الله له ومهما أصيب أو أوذي في الله فإنها كفارةٌ لذنوبه حتى الشوكة يشاكها .
بهذه العقيدة الصحيحة ربى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها فتسابقوا للجهاد وواجهوا أعداء الله بثبات وإيمان وحرصوا على الموت حرص غيرهم على الحياة فنصر الله دينه على أيديهم وشرفهم بخدمة دينه فهم أحياءٌ بعزةٍ وتمكين فوق الأرض وهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون تحت الأرض وما كانت انتصارات المسلمين إلاَ بالجهاد وكان لشهر رمضان النصيب الأوفر من المعارك والفتوحات حيث النفوس مقبلة على الله وألسنة المجاهدين وإخوانهم في كل مكان تلهث بالدعاء في شهر الدعاء
هذا ـ أيها الأخوة ـ حديثٌ عن الجهاد وعن يوم الفرقان حديثٌ عن العزة والانتصار .فاتقوا الله ـ يرحمكم الله ـ وخذوا من دينكم عزتكم ونصركم في الدنيا وفلاحكم وفوزكم في الآخرة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون } .
المشاهدات 2606 | التعليقات 1

جزاك الله خيراً..
فعلاً خطبة رائعة ومميزة؛ نفع الله بك..