غزوة الأحزاب دروس وعِبَر

عايد القزلان التميمي
1443/10/19 - 2022/05/20 03:46AM
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، الحمد لله القائل في محكم التنزيل : {كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]. وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد فيا عباد الله قال زينُ العابدين رحمه الله ابن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن الحسين رضي الله عنهما : "كنا نُعلَّم مغازِيَ رسول الله  كما نُعلَّم السورة من القرآن".
وربنا سبحانه قصَّ علينا في كتابه غزوةً سُمِّيت سورةٌ باسمِها، وأمرَ المؤمنين أن يتذكَّروا نعمةَ الله عليهم فيها في كل حينٍ، قال سبحانه في مطلعِها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ))[الأحزاب: 9].
وكان النبي  صلى الله عليه وسلم في كل سفرٍ له يتذكَّرُ نعمةَ الله في تلك الغزوة؛
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي  إذا قفَلَ -أي: رجع- من الغزو أو الحجِّ أو العُمرة، يبدأُ فيُكبِّرُ ثلاثَ مرارٍ، ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، آيِبون تائِبون عابِدون ساجِدون، لربِّنا حامِدون، صدقَ الله وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحده» متفق عليه.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم تذكُّر هذه النعمة سُنَّةً لكل حاجٍّ أو مُعتمرٍ؛ إذا رقِيَ الصفا .
عباد الله : تلك غزوة الأحزاب ـ أو غزوة الخندق ـ التي كان وقوعها في شوال سنة خمس للهجرة على الصحيح.
وفي هذه الغزوة ـ غزوة الأحزاب ـ ذهب وفد من يهود بني النضير وهم قد أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر, ذهب هذا الوفد متوجهاً إلى مكة ليتعاهدوا مع قريش على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدوا لقريش أن مذهبهم رشيدا وأقوم سبيلاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فسُرّت قريش بهذه الشهادة منهم أشد السرور، وأنزل الله تعالى فيهم: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً )) [النساء:51] .
فواعدت قريش اليهود على الزحف معهم إلى المدينة, ثم تحالفت معهم قبيلة غطفان , ثُمّ طَافُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مَنْ اسْتَجَابَ .   فخرجت قريش – وقائدهم أبو سفيان  - فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، وَوَافَقَهُمْ بنو سُليم بمرِّ الظّهْرَانِ ، وبنو أسد ، وفزارة وأشجع وغيرهم  ، وكان عدد الذين اجتمعوا في هذه الغزوة من المشركين  عشرة  آلَاف .
عباد الله وعندما علم المسلمون بذلك، استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأشير عليه بحفر الخندق، وقيل إن الذي أشار عليه هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، فأمر صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق شمال المدينة، وهي الجهة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة.
فكان صلى الله عليه وسلم أولهم بدءاً بالحفر, وأخذ أصحابه من حوله كلٌّ فأسه وبدأ يحفر .
أيها المسلمون : وخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لملاقاة العدو في ثلاثةِ آلافٍ من المُسلمين، والخندقُ بينهم وبين المُشرِكين، وحاصَروا المُسلمين شهرًا، ولم يكن بينهم قتالٌ وإنما تراشُقٌ بالنِّبال، وقُتِل في هذا الرمْيِ ثلاثةٌ من المُشرِكين، واستُشهِد ستَّةٌ من المُسلمين، منهم: سعد بن معاذ .
 وأخبرنا ربنا في كتابه عن الصحابة (( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب: 22].
فثبَتَ الصحابةُ رضي الله عنهم، والثباتُ نصرٌ، وتوكَّلُوا على الله وأحسَنوا الظنَّ به.
أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض، فقد أخبر الله تعالى عن موقفهم (( َإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ))[الأحزاب:12].
واشتدت الحال بالمسلمين وكان مما زاد الأمر أن يهود بني قريظة وكانوا شرقي المدينة نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
ولجأَ النبي   إلى ربِّه وتضرَّع إليه قال عبد الله بن أبي أَوفَى  : دعا رسولُ الله   على الأحزاب فقال: «اللهم مُنزِل الكتاب، سريعَ الحساب، اهزِمِ الأحزابَ، اللهم اهزِمهم وزلزِلهم» متفق عليه.
وكان النبي   يُكثِرُ حالَ حِصارهم من كلمة التوحيد، قال أبو هريرة  : كان رسولُ الله   يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعزَّ جُندَه، ونصرَ عبدَه، وغلبَ الأحزابَ وحده، فلا شيء بعده» رواه البخاري.
فألقَى اللهُ الرُّعبَ في قلوبِ المُشرِكين، وأنزلَ نصرَه وخالفَ بين كلمة قُريشٍ واليهُود بتخذيلِ نُعيم بن مسعود الغطفاني   بينهم حيث أنه أسلم في تلك الغزوة وأمره صلى الله عليه وسلم أن يخفي إسلامه ويقوم بتخذيل الأعداء ، فعادُوا أحزابا على بعضِهم، بعد أن كانوا مُتحزِّبين ضدَّ المُسلمين. ثم عذَّبَهم الله بريحٍ شديدةٍ بارِدةٍ، فلم يقرَّ لهم قرار، ولم تُوقَد لهم نار، وأنزلَ الله ملائكةً  أفزَعَتْهم وقطَّعَت قلوبَهم، قال سبحانه:  فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا  [الأحزاب: 9]. فتفرَّقُوا عن المدينة وهم في خيبةٍ وخسرانٍ،  وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ  [الأحزاب: 25].
وقال عليه الصلاة والسلام: «الآن نغزُوهم ولا يغزُونَنا» رواه البخاري.
عباد الله وبعد تفرق الأحزاب توجه النبي صلى الله عليه وسلم  إلى بني قريظة الذين نقضوا عهده فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، حتى طال عليهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فلما اشتدت بهم الحال طلبوا من النبي  أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ  وكان سيد الأوس الذين هم حلفاء بني قريظة في الجاهلية فحكم فيهم أن تُقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )) [غافر: 51].      
   بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده لا شريك له، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله، ولا شيء بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فيا عباد الله وفي الأحزاب امتدَحَ الله المؤمنين على مواقِفِهم في مُواجَهة جيوش الأحزاب بإيمانٍ صادقٍ، قال الله تعالى: (( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ))[الأحزاب: 23].
عباد الله، إن الإيمان ليصنع العجائب، ويحيي النفوس الضعيفة.
ودروس السيرة تغذي الإيمان وتُعلِّم المؤمنين بمكائد الأعداء. قال الله تعالى (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [البقرة:217]. ألا وصلُّوا -عباد الله- على رسول الهُدى...  
المرفقات

1653018407_خطبة دروس وعبر من غزوة الأحزاب 19-10-1443.doc

المشاهدات 959 | التعليقات 0