غدًا أضمن تنسيب السهم
عبدالكريم الخنيفر
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد ألا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا…
عبدَ الله، أوصيكَ إنْ كنتَ خائفا من مضلاتِ الفتن، حزينًا على سطوةِ الشرِّ والضَّلال، أوصيكَ أن تتقيَ الله، قال تعالى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( ٦٢ ) الذين آمنوا وكانوا يتقون ( ٦٣ ) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ( ٦٤ ) }
فأبشروا يا أيها الذين آمنوا، أبشروا إن كنتم تتقون الله ألا خوفَ ولا حزنَ كيف كان ومهما بلغ.
عبادَ الله، ها نحن جُزنا نصفَ الشهرِ المبارك، ومِنَّا مَنْ يحسبُ كم بقيَ مِن رمضانَ ويُحاسِب عمّا مضى منه فيزيدَ في الطاعة، ومنَّا من اجتهدَ أولَ الشهر لكنَّه مع تتابعِ الأيامِ فَتِرَ أو ملَّ فآثرَ أن يستريحَ ولمَّا يبلغِ النهاية، والبعضُ لا يدري أيَّ يوم هذا! وكم فاتهُ من الخير، قد ضيَّع اللهَ في رمضان وهو في سواه أضيع.
ومع ذلك ففضلُ اللهِ واسع، وبابُهُ مفتوح، وربُّنا كريمٌ ونحن في شهرِ الكرم، وإنَّ ما بقيَ لخيرٌ كثير، إننا قبالةَ ليالٍ هيَ أعظمُ الليالي، وأوقاتٍ هي أبركُ الأوقات…
أتدري ما الذي أمامَك؟! أتعرفُ أيَّ تجارةٍ في انتظارك؟ أتدركُ كم من الكنوزِ في متناولِ يدك؟!
يا عبدَ الله، لو قلت لك إنِّي ضامنٌ لك سهمًا ستُضاعفُ نسبتُه غدًا نِسَبًا هائلة؟ هل كنتَ ممهلا نفسَك قليلا قبل أنْ تشتريَ فيه؟ هل كنتَ ستضعُ بعضَ ما في محفظتِكَ وموفِّرًا الباقي؟
ما في هذهِ العشرِ المباركاتِ أعظمُ وأوفرُ وأكثر، ما عند الله يا عبدَ الله خيرٌ وأبقى، أقبلْ عليها بأَنْفَسِ ما لديك، أقبل بنفسِك، وشمِّرْ عن ساعدِك، وفرِّغْ بالَك إلا للعبادة.
إنَّها ليالٍ معدوداتٌ يا عبدَ الله، فكنْ الفطنَ النبيهَ وانتهزها بلَحظاتها.
بدءًا بِذِكْرِ الله وهو أيسرُها؛ حيثُ تؤدِّيه في كلِّ وقت، واحرصْ على المخصوص منه كأذكارِ الصباحِ والمساء، ثمَّ أعظمُ الذِّكر كتابُ الله الذي نَزَلَ في هذا الشهر، ليكُنْ له نصيبٌ من ليالي العشر ونهارِها تلاوةً وتدبرًا، والصدقةُ يا أيُّها المسلمُ هي التي تبقى من مالِك، وقد تيسَّرتْ سُبُلها؛ فإنَّك الآن لَتتصدَّقُ بإبهامك الأيمنِ فلا تعلمُ بقيَّةُ أصابِعك ماذا أنفقت.
وتمامُ أعمالِ العشرِ وسِراجُ ليلِها ونسيمُ هوائها، زكاءُ الروح، وراحةُ النفس، وسكينةُ القلب، ونورُ الصدر، قيامُ الليل، وهو من أعظمِ العبادات في العشر، بل حثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من قامَ رمضانَ إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه))، ويزيدُ فضلُ القيام في العشرِ الأخيرةِ لأنها أفضلُ الليالي، ولأنَّ فيها ليلةَ القدر، وليلةُ القدر خيرٌ من ألفِ شهر، فكم من الأجورِ يا عبدَ الله أمامَك؟ كم من الخير؟
نسألُ اللهَ أن يُعيننَا فيما بقيَ من هذا الشهرِ على الصيامِ والقيامِ وصالحِ الأعمالِ على الوجه الذي يرضاه منا…
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم…
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه أما بعد،
عبادَ الله، إنَّ المسلمَ الفَطِنَ ليُدركُ أنَّ زُبدةَ الشيءِ نهايتُه، والأعمالُ بالخواتيم كما أخبرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم، وإحسانُك في النهاية يعوِّض نقصَ البداية ويمحو تقصيرَها، وآخرُ هذا الشهر أعظمُه، فأحيوا ليلَه كما كان النبيُ عليه الصلاةُ والسلام يفعل، حيث يجتهدُ في العشرِ الأخيرةِ ما لا يجتهدُ في غيرِها.
فالحرصَ الحرصَ يا عبدَ الله، ولا تُشغلنَّك الشواغلُ ولا تلتفتْ للتوافِه، ونظِّمْ وقتَك كما كنتَ تفعل مع مواعيدِكَ المهمة، على أن تجعلَ أكثرَ الوقت وأفضلَه للعبادة، وفضلتَه لبقيةِ الأمورِ من إنجازِ الأعمال وشراءِ أغراضِ العيد ونحوِها، وحُثَّ على ذلك وحرِّص من استرعاك الله إياهم من الزوجةِ والأولاد، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، حيث يُوقظُ أهلَه إذا دخلت العشر.
اللهم يا ربنا يا سميعَ الدعاء وفِّقنا لقيام العشرة الأخيرة إيمانًا واحتسابا، واجعلنا ممن قام ليلةَ القدر فغُفرَ له ما تقدَّم من ذنبه،
اللهم وفقنا لتلاوة القرآنِ وتدبُّرِه وفَهْمِ معانيه والعملِ بما فيه، واجعله لنا نورًا وضياءً في الدنيا والآخرة.
اللهمَّ تقبل منا صيامنا وقيامنَا وصالحَ أعمالِنا.
اللهم ارفعْ عنَّا الوبا والبلا والغلا عنا وعن جميعِ المسلمين.
اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنا لما تحبُّ وترضى، وخذ بناصيته للبرِّ والتقوى، وارزقه البطانة الصالحةَ الناصحة.
اللهمَّ وفقهُ ونائبَه لما فيه خير البلاد والعباد.
سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات
1619749594_خطبة العشر الأخيرة.pdf