عيد رأس السنة بين العلم والجهل

مريزيق بن فليح السواط
1433/02/04 - 2011/12/29 20:40PM
إن الحمد لله
عباد الله : فإن الله تعالى شرف دين الإسلام، فطهره من الأدناس، وجعل أهله خير أمة أخرجت للناس، "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتأمنون بالله" قال أهل العلم :خير الناس للناس. أعزهم الله بالإسلام ورفع شأنهم بالإيمان، وأعلى مكانهم بالقرآن، فأمتنا هي أمة الخيرية، وأمة العزة والكرامة، وأمة الشرف والسؤدد، وهي الأمة الوسط قال تعالى: "وكذلك جعلناكم امة وسطا" قال ابن كثير: الوسط ههنا الخيار الأجود، فهذه الأمة خير الأمم، وأشرف الأمم، وأفضل الأمم، خصها الله بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب.
ولما كانت أمة الإسلام بهذه المثابة والمكانة، نالتها سهام الأعداء حقدا وحسدا، وأجلب أعداء الله بخيلهم ورَجِِلِهم، وركبهم وركابهم، في غزو هذه الأمة، والتشكيك في معتقداتها ومسلماتها، والطعن في دينها وثوابتها، وزعزعت قيمها وأخلاقها، قال تعالى: "ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق". وقال تعالى: "ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" قال ابن جرير رحمه الله: وليست اليهودُ يا محمد براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعوتهم إلى ما بعثك الله به من الحق. وقال الألوسي رحمه الله: فإنهم -أي اليهود والنصارى- لم يرضوا عنه عليه الصلاة والسلام، ولو خلاهم يفعلون ما يفعلون، بل أمّلوا مالا يكاد يدخل دائرة الإمكان وهو الإتباع لملتهم التي جاء بنسخها.
فيا ليت أمة الإسلام تفقه كلام ربها، وتصدر عن شرعها ودينها، وهي تتعامل مع أعدائها، وكيف تطمع في صُلح دائم معهم، وتثقُ في عقودهم وعهودهم .
أيها المسلمون :
وكما حذرنا ربنا تبارك وتعالى من مكر أعداء ديننا، وشدة حسدهم وحقدهم على أمتنا، فقد حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام وأنذرنا من أمور تجنح بأمتنا عن جادة الصواب، فتفقدُ بذلك مكانتها وهيبتها، وينالُ أعدائها من دينها وكرامتها. عن عبدا لله بن عمر قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جُعل رزقي تحت ظل رُمحي وجُعل الذُّل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم" فجعلَ مخالفة الشريعة، وارتكابَ المحاذير، والوقوعَ في ما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، سببٌ للذل والصغار، والعداوة والبغضاء .
عباد الله :
إن من أعظم أسباب ضعف الأمة وذُلها، وأشدِّ الأدواء وهنا وزعزعة في كيانها، الإعجابُ والتبعية المطلقة لأعداء الإسلام، والافتتانُ بهم، والسيرُ في ركابهم، واحتذاءُ حذوهم شبراً ًبشبر، وذرعاً بذراع، مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتَتْبَعُن سَنَن من كان قبلكم ، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم" قيل يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"
ولقد تواترت النصوص الشرعية، في الأمر بمخالفة المشركين، والحذرِ من مشابهتهم، في عباداتهم وأخلاقهم، ومعاملتهم وأعيادهم، قال تعالى: " يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أسرع الناس مخالفة للمشركين، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما كان يصوم من الأيام ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين ، فأنا أحب أن أخالفهم" أخرجه احمد والنسائي. فما كان يفرحُ معهم، ولا يهنئُهم بأعيادهم، ولا يشاركهمُ في مناسباتهم، مع حرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم، وبذل ما يستطيع في دعوتهم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم" قال ابن كثير رحمه الله عن هذا الحديث: فيه دلالة على النهي الشديد، والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك من أمورهم، التي لم تشرع لنا، ولم نقرر عليها.
ولقد أكثر أهل العلم في نقل التحذير من أعياد الكفار، والمشاركة فيها قال عمر رضي الله عنه:اجتنبوا أعداء الله في عيدهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله: وإذا كان السخطُ ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يُشاركهم في العمل أو بعضه أليس قد يُعرّضُ لعقوبة ذلك؟ ثم قوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم. أليس نهيا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه؟ فكيف بمن عمل عيدهم؟ وكان علي رضي الله عنه يكره موافقتهم في اسم يوم العيد الذي ينفردون به. فكيف بموافقتهم في العمل؟ وقد جاء عن غير واحد من التابعين في قوله تعالى: "والذين لا يشهدون الزور" أنها أعياد المشركين، فهذا الزور الذي لا يشهده عباد الله، ولا يحضرونه، ولا يحتفلون به. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: من بَني ببلاد الأعاجم فصنع نيْرُوزَهم، ومهرجانَهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشر معهم يوم القيامة.
ومما يؤكد تحذير الإسلام من أعياد المشركين ما أخرجه أبو داود عن ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنه قال: نذر رجل أن يذبح إبلا بِبُوانه -وهي موضع أسفل مكة- فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟" فقالوا: لا. والسائل من الصحابة فيبعُد في حقه أن يتخذ هذا المكان عيدا!! ومع ذلك سأله النبي صلى الله عليه وسلم "فهل كان فيه عيد من أعيادهم؟" قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُوْفِ بنذرك" قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعا قويّا عن أعياد الكفار، ويسعى في دُروسِها وطََمْسها بكل سبيل، ثم من كان له خبرة بالسِير علمَ يقينا أن المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يُشاركونهم –أي المشركين- في شيء من أمرهم، ولا يُغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، بل ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين يوم من الأيام، ولا يختصونه بشيء أصلا. إذ كيف لمؤمن أن يحتفل بعيد يُسب فيه الرب تبارك وتعالى، ويُنسب له الصاحبة والولد، "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا* لقد جئتم شيئا إدا* تكاد السمواتُ يتفطرنَ منه وتنشقُّ الأرض وتخرُّ الجبال هدا* أن دعوا للرحمن ولدا* وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا" سبحانك ربي ما أحلمك، سبحانك ربي ما أعظمك، تعالى ربنا وتقدس عن ما يقول الكافرون والجاحدون علوا كبيرا.
عباد الله:
هذا الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم بإحسان، من عدم الاهتمام بأعياد الكفار، حاصل ولله الحمد في هذه البلاد فأهلها لا يهتمون بعيد رأس السنة الميلادية، ولا يُظهرون الفرح به بل أكثرهم لا يعلم بوقته، وهذا من فضل الله على أهل هذه البلاد. ولكن مع نشوء جيل جديد، ودخولٍ كثير من وسائل التقنية والإتصال، وكثرةِ السفر إلى الخارج للسياحة والدراسة، ووقوعِ البعض في تهنئةِ الكفار بعيدهم، ولأن هذه القضية من قضايا الإعتقاد، وتمسُّ جانب الولاء والبراء الذي هو أصل من أصول العقيدة الكبرى، كان لابد من التذكير بها، وأن يعرف الناس حكم الله فيها، ليحذروا من مشابهة أعداء الله، والاحتفال معهم بهذه المناسبة المُبتدَعة، وليُنكروا على فاعله متى رأوه، وليَشكروا الله على نعمة التوحيد والسنة، التي يعيشون فيها ويتفيئون ظلالها.
وعلى ذلك فلا يجوز للمسلم التهنئة بأعياد الكفار، لأن ذلك نوع رضى بما هم عليه من الباطل، وإدخالُ سرور عليهم. قال ابن القيم يرحمه الله: وأما التهنئة بشعائر الكفار المختصة بهم فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب. كما انه لا يجوز للمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم، ولا اعتبارها مناسبة سعيدة، تعطّلُ فيها الأعمال، وتُجرى فيها عقودُ الزواج، ولا يجوز أيضا حُضُورها ولا المشاركة فيها، ولا الاعانة عليها، بأي شيء كان لأنها أثم، ومجاوزة لحدود الله. قال تعالى: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".

الحمد لله على إحسانه .....
لقد أكرمنا الله بهذا الدين فتبؤنا أعلى مَقام وتوشحنا أسمى وسام مِنّةً من الله وتكرما، أنزل علينا كتابه العظيم، وأرسل إلينا رسوله الكريم، بأقوم الشرائع وأكملها، وأفضلها وأحسنها، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، شاهدةً عليهم يوم القيامة "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". كرم الله هذا الأمة بالشريعة السمحة، والمبادئ السامية، والأخلاق العالية، فهو الدين الذي ينبغي لنا أن نفتخرَ به، ونتشرفَ بالانتساب إليه، ونُظهر الاعتزاز بأحكامه وقيمه.
أن من المؤسف حقا، والمخالفِ شرعا، ما يُرى في كثير من بلاد المسلمين شرقا وغربا، من الاحتفال بهذه الأعياد، وإظهار البشر والسرور بها، وتهنئة الكفار عليها، ومشاركتهم فيها، تتولى كَبُرَ ذلكَ وسائل الإعلام، والقنوات الفضائية، داعية لها، ومحتفلة بها، ومكرسة لجهودها في إضلال المسلمين، والتغرير بهم، وجرهم لجحر الضب، في تبعيةٍ مقيتة للغرب، وتقليدٍ لهم. اغترارا وافتتانا بحضارتهم، وسيرا في رَكْبِهم ورِكابهم، حتى رئينا في بلاد المسلمين ليلة عيد رأس السنة، إيقادَ الشموع، وتزيينَ البيوت، وتقديمَ الحلوى، وتبادلَ التهاني،فرحا بهذه المناسبة، بل دليلا على التقدم والحضارة،والرقي والمدنية، تجد الناس في الشوارع يرقصون ويُغنون، والنساء عاريات وشبه عاريات، على ضفاف الأنهار، وشواطئ البحار، في تصرفات منكرة، وأفعال محرمة، وانهيار أخلاقي، وهزيمة نفسية، بل وصل الأمر إلى أن تكلفة الراقصة ليلة رأس السنة في الدقيقة الواحدة *2500* دولار وحصيلتها إلى الفجر نصف مليون دولار، وتصنع كعكة عظيمة إهداء للكفار عليها شعاراتهم، ويكتب عليها باللغة العربية والإنجليزية عبارات التهاني والتبريكات، وتوضع شجرة ضخمة ارتفاعها 13مترا، مزينة بكرات ذهبية وفضية، وأحجار كريمة، تبلغ تكلفتها أكثر من أحد عشر مليون دولار، كل ذلك في بلاد المسلمين وبين أبنائهم، بل تعدى الأمر ذلك وأصبحت شخصيات إسلامية، من علماء ومفتين، يحضرون هذه الاحتفالات، ويقدمون التهاني، ويظهرون الفرح والسرور، يزعمون أن هذا يسهم في نشر الإسلام، ويبين سماحته، ويقنع غير المسلمين بالدخول فيه. ويا لله العجب من الذي سيدخل في الإسلام وهو يرى أبناء المسلمين أزهد الناس فيه، وأكثرهم إعراضا عنه. لكنها التبعية المقيتة، والهزيمة النفسية، وفقدان الهوية التي أصابة أبناء المسلمين فجعلتهم يقتفون آثار اليهود والنصارى، ويتبعون طرائقهم، حتى لو دخلوا جحر ضب. وذلك لبعدهم عن المعين الصافي، المتمثل بكتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، والذي لن تصلح أحوالنا، ولن تستقيم أمورنا، ألا بإحيائه في النفوس، وترجمته في الواقع المحسوس، وتحكيمه في عظائم الأمور وصغائرها، وإعطاء قضايا العقيدة الاهتمام البالغ تعلما وتعليما، وبيان ما عليه أعداء الإسلام من الكفر والضلال، وإرادة السوء بالمسلمين وبلادهم، وامتهان دينهم، والاستهزاء بنبيهم، وهذا أمر مشاهد محسوس، لا ينكره من كان له أدنى مسكة عقل، أو ذرة فهم. وعليكم يا عباد الله: تربية النشء على معاني العزة والقوة، التي جاء بها الإسلام، وأرادَ لهم أن يكونوا ملتزمينَ بها، ملتمسينَ مكانها، ساعين لإدراكها، حذرين من الوقوع في يد كل عدو يطعنُ في كرامتهم، ويهضمُ حقا لأمتهم، مقتدين في ذلك برسول الهدى صلى الله عليه وسلم. حين عرضت عليه قريش ما يشاءُ من المال، والزواج بأجمل النساء، بل جعله ملِكا عليهم يسمعون له ويُطيعون، لأجل ترك دينه، والتخلي عن دعوته، فيأتيهم الجواب صاعقا "والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن اترك هذا الدين ما تركته حتى يُظهره الله أو اهلك دونه" وعلى نهجه اعتزازا بالدين سار الفاروق عمر رضي الله عنه، يذهب إلى الشام لاستلام مفاتيح بيت المقدس، راكبا جملا ضعيفا، لابسا ثوبا مرقعا، فيطلب منه قادة جنده، أن يركبَ برذونا، ويلبسَ ثوبا مزركشا، فيرفع لهم شعارا عظيما "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فان ذهبنا نلتمس العزة في غيره أذلنا الله.
هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والهدى .....
المشاهدات 3903 | التعليقات 4

الخطبة في ملف وورد ..

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/8/3/5/عيد%20رأس%20السنة%20بين%20العلم%20والجهل.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/8/3/5/عيد%20رأس%20السنة%20بين%20العلم%20والجهل.doc


أحسنت , بارك الله فيك


جزاك الله خيرا


للرفع
اسأل الله ينفع بها