عيد الفطر 1437 مدمجة (العجلان-الطيار-الطريري)
خالد التميمي
1437/09/29 - 2016/07/04 15:13PM
عيد الفطر 1437 هـ
{ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }…
اللهُ أكبَرُ كَبِيرا، والحمْدُ للهِ كثيرا، وسُبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلاً،وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سَجَدَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خَيْرُ مَنْ مَشَى، وَأَكْرَمُ مَنْ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ المَآلِ.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهُ أَكْبَرُ الَّذِي سَنَّ وَشَرَعَ، وَرَفَعَ وَوَضَعَ، وَخَضَعَ لَهُ كُلُّ عَبْدٍ وَطَمِعَ.
اللهُ أَكْبَرُ عَلَا فَقَهَرَ، وَهَزَمَ وَنَصَرَ، وَعَلِمَ وَسَتَرَ، وَعَفَا وَغَفَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.
مَا أَجْمَلَ صَبَاحَ الْعِيدِ! وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَهُ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَوَدَّعُوا مَوْسِمًا عَظِيمًا مَذْكُورًا، قَدْ أَوْدَعُوا فِيهِ مِنْ حُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَحُقَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَذَا وَيَبْهَجَ، وَيَعِجَّ لِسَانُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَلْهَجَ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
أمة الإسلام: هذا اليوم, هو يومٌ يُظهر فيه المسلمون ذكرَ الله وتعظيمَه, ويلهجون بالثناء والحمد له : (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
للعيدِ فرحة.. فرحةٌ بفضلِ الله ورحمتِه ، وكريمِ إنعامه ، ووافرِ عطائه ، فرحةٌ بالهداية..أيُّ نعمةٍ أعظمُ ، وأيّ منٍّ أمنُّ وأفضل من أنه-سبحانه هدانا للإسلام فلم يجعلنا مشركين ولا يهود ولا نصارى {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين}
العيد موسم الفضل والرحمة ؛ والفرح وإظهار السرور ، قال العلماء: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين"، وقد أقرّ نبيّكم ﷺ إظهار الفرح وإعلان السرور في الأعياد ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعله الحبشة ، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب ، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم ، فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم ، ثم قال لعائشة : "يا حُمَيْراء أتحبين أن تنظري إليهم ، قالت : نعم ، فأقامها - صلى الله عليه وسلم - وراءه خدها على خده يسترها ، وهي تنظر إليهم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغريهم ، ويقول : دونكم يا بني أرفدة ، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني بعثت بالحنيفية السمحة" .
فهذه مشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تقام بين يدي النبي ﷺ فيقرها ويحتفي بها ..
وإنّك لتعجب لتجاوز هذا الهدي النبوي المنير عند من يحاول قتل أفراح العيد، والتضييق على مشاعر الناس
فيجعل الأعياد مواسم لفتح الجراحات، والنُّواح على مآسي المسلمين، وتعداد مصائبهم، والتوجع لما يحل بهم..
ويتناسون أن لكل مقام مقالاً، ولكل مناسبة حالاً، وأن مآسي المسلمين ثمار مُرّة لخطايانا وأخطائنا (قل هو من عند أنفسكم)، ولن يكون علاجها بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، والشجاعة أمام الخطأ، ولو أنا قتلنا كل فرحة، وأطفأنا كل بسمة، ولبسنا الحزن، وتلفّعنا بالغم، وتدرعنا بالهم ما حرّرنا بذلك شبراً، ولا أشبعنا جوْعة، ولا أغثنا لهفة، وإنما وضعنا ضغثاً على إبالة .
وإن خير الهدي هديه ﷺ وقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن ، يعجبه الفأل، دائم البشر، كثير التبسم .
فيا أيها الإخوة أبشروا وأمِّلوا ما يسركم ، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا ، وآفاق الإسلام أوسع من أوطاننا ، وليست المصائب ضربة لازب ، لا تحول ولا تزول ، فقد حُصر المسلمون في الخندق ، وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة ، وسقطت بغداد ، ثم بعد نحو قرنين فُتِحت القسطنطينية ، والله –عز وجل-لا يعْجل لعجلتنا ، ولا تتحوّل سننُه لأهوائنا، فسنن الله لاتحابي أحداً، ولنتذكرَ يومَ عيدنا ما أبقى الله لنا من خير، وما تطوّل به علينا من فضل .
ولئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً {وإن تعدوا نعم الله لاتحصوها} ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل ، وفأل ينتج إنجازاً ، أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه ، متعثر في أحزانه ، مدفون في هموم يومه ، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير ، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ»، ثُمَّ مَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى، فَقَالَ ﷺ: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ » مِذِ/حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أَلَا مَا أَحْوَجَنَا يَا أَهْلَ الإِيمَانِ أَنْ نَسْتَذْكِرَ وَنَتَذَاكَرَ شَأْنَ الْعَافِيَةِ فِي زَمَنٍ تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ بِأَهْلِهَا مَوْجًا، وَتَسُوقُهُمْ إِلَى الْبَلَاءِ فَوْجًا فَوْجًا! فِتَنٌ فِي السَّرَّاءِ تُلْهِي عَنِ الْآخِرَةِ، وَفِتَنٌ فِي الضَّرَّاءِ تَزْرَعُ الْيَأْسَ وَتَضُرُّ الدِّينَ.
الْعَافِيَةُ -يَا أَهْلَ الْعَافِيَةِ- مَعْنًى وَاسِعٌ يَصْعُبُ أَنْ يُحَدَّ، وَصُوَرُهَا تَطُولُ مَعَ الْعَدِّ، فَهِيَ تَشْمَلُ كُلَّ مَا سَلَّمَ الْعَبْدَ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
بَيْدَ أَنَّ الرَّقَمَ الْأَوَّلَ فِي الْعَافِيَةِ هِيَ الْعَافِيَةُ الْعَقَائِدِيَّةُ، المُعَافَاةُ مِنَ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَضَلَالَاتِهِ، وَالْكُفْرِ الْبَاطِنِ وَنَزَغَاتِهِ.
فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هدانا.. وعَافَانَا.. وَجعلنا مسلمين … وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ عَقَارِبِ النِّفَاقِ، فَلَمْ يَجْعَلْنَا كَارِهِينَ لِلشَّعَائِرِ، مُبْطِنِينَ الْعَدَاوَةَ فِي الضَّمَائِرِ، لَمْ يَجْعَلْنَا مِمَّنْ يأَمرُ بِالمُنْكَرِ وَينهي عَنِ المَعْرُوفِ ، بَلْ سَلَّمَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَجَعَلَنَا مُسْتَجِيبِينَ للهِ، مُحِبِّينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، رَاجِينَ نُصْرَةَ دِينِهِ.
نَعَمْ لَنْ يَسْلَمَ المَرْءُ مِنَ العِصْيانِ وَالخَطَأِ، وَأَيُّنَا لم يُلِمَّ بِذَنْبٍ ؟! لَكِنْ شتّانَ بَيْنَ مَنْ يَستتر، وَبَيْنَ مُجَاهِرٍ لَا يَعْبَأُ وَلِذَا قَالَ نَبِيُّنَاﷺ : «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أيها الإخوة، .. سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ فِي دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ الْأَوْضَاعَ مِنْ حَوْلِكُمْ تَسْتَعِرُ وَلَا تَسُرُّ، قَتْلٌ مُبَاحٌ، وَعِرْضٌ مُسْتَبَاحٌ، وَانْتِهَاكٌ لِلْحُقُوقِ كُلَّ صَبَاحٍ.
أَعْدَاءٌ مُتَصَالِحُونَ، وَقَتَلَةٌ مُتَوَاطِئُونَ، وَفِرَقٌ بِدْعِيَّةٌ تَتَنَفَّسُ كُرْهًا، وَتَتَحَيَّنُ لِتَنْفِيسِ هَذَا الْكُرْهِ.
عَافِيَتُنَا تَكُونُ في غَيْرَتِنا على هذه البَلَدِ التي نسكن أرضها ونأكل خيرها مِنْ أن تنجرف إِلى مزالقِ التنازلاتِ وتَرْقِيْقِ المحرَّمَاتِ، لنحتسب وَللننصح ولنأمر بالمعروفِ وللننه عن المنكرِ، وَإلَّا نَفْعَلْ فَالْبَلاءُ مُنْتَظَرْ، ( أنهلِكُ وَفِيْنَا الصَّالحونَ؟ قال: نَعَمْ إِذا كَثُرَ الخَبَثُ).
نَحْرُسُ عَافِيَتَنَا بِالْيَقَظَةِ مِنْ تَحَرُّكَاتِ الْأَعْدَاءِ وَمَكْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمْ، وَبِالذَّاتِ الْأَفَاعِي الصَّفَوِيَّةُ.. فَقَدْ عَلَّمَتْنَا الْأَحْدَاثُ وَالتَّارِيخُ أَنَّ تحرّكاتهم لَا تُوَلِّدُ إِلاَّ اسْتِجْلَابَ الْفِتَنِ .
وَتُطْلَبُ عَافِيَتُنَا بِالْحِفَاظِ عَلَى أَمْنِ الْبَلَدِ حِسِّيًّا وَفِكْرِيًّا مِنْ تَيَّارَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ:
تَيَّارٌ غَالٍ مُكَفِّرٌ، سَفِيهٌ مُفَجِّرٌ، تَجَاوَزَتْ مُوبِقَاتُهُ وَضَلَالَاتُهُ كُلَّ حَدٍّ وَحُدُودٍ.
وَآخَرُ جَافٍ مُنْهَزِمٌ، عَاقٌّ لِتُرَاثِهِ، زَاهِدٌ فِي أَصَالَتِهِ، لَدَيْهِ مُشْكِلَةٌ مَعَ الشَّرِيعَةِ، فَهُوَ إمَّا مُشَكِّكٌ فِي ثُبُوتها، أو ساَعٍ لِعَلْمَنَتِها، وَتَحْرِيْفِهَا عنْ مَعَانِيْها.
وَضَاعَ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ هَذِيْنِ الطَّرَفَيْنِ المتَطَرِّفَيْنِ : طَرَفٍ دَاعِشِيٍّ يُكَفِّرُ مَنْ يَقِفُ حِيَالَهُ، وَآخَرَ ليبرالي مَوْتُورٍ يُدَعْشِنُ مَنْ يَبين ضلاله.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَتَبْقَى عَافِيَةُ الْبَدَنِ تَاجًا عَلَى رؤُوسِ الأصحّاء لَا يَرَاهَا إِلَّا المرضى، وَتأمّل -أي أخيّ- أحَوال الناس وَأوجاعهم يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ كَسِيرًا وَهُوَ أَسِيفٌ.. لتعلم حينئذ أي فضلٍ أنت وأسرتُك ترفلون فيه … … وَصَدَقَ الْقَائِلُ:
مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدِهِ *** بِنِعْمَةٍ أَوْفَى مِنَ الْعَافِـيَهْ
وَكُلُّ مَنْ عُوفِيَ فِي جِسْمِهِ *** فَإِنَّهُ فِي عِيـشَةٍ رَاضِيَهْ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَلِلْمَرْأَةِ عَافِيَتُهَا: أَنْ تَكُونَ حَيِيَّةً سِتِّيرَةً بَعِيدَةً عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَفِتْنَتِهِمْ، عَافِيَتُهَا فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا قَنْطَرَةٌ لِعَافِيَتِهَا فِي أُخْرَاهَا، وَقَدِ اخْتَصَرَهَا لَنَا النَّبِيُّﷺ فِي قَوْلِهِ:
«إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَمِنَ الْعَافِيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُبْقِي الْوُدَّ وَالتَّوَاصُلَ: التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ التَّغَافُلِ، وَغَضُّ الطَّرْفِ عَنِ الأَخْطَاءِ، وَإِقْفَالُ أَبْوَابِ المُصَادَمَاتِ وَالشَّحْنَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعَافِيَةِ التَّغَافُلُ»، وَيَتَأَكَّدُ التَّغَافُلُ مَعَ ذِي الرَّحِمِ الْقَرِيبِ، وَقَدِيمًا قَالَتِ الْعَرَبُ: (لَا تَقْطَعِ الْقَرِيبَ وَإِنْ أَسَاءَ، فَإِنَّ المَرْءَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَإِنْ جَاعَ).
عِبَادَ اللهِ: أَسَبَغَ اللهُ عَلَيْنَا نِعَمَ الْخَيْرَاتِ، وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الطَّاعَاتِ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا شَهْرَنَا الْغَالِي وَنَحْنُ نَرْفُلُ بِالْعَافِيَةِ وَالمَسَرَّاتِ.
أيها المسرورن : هذه هي العافيةُ وهَذَا قَدْرُها.. فَالهجوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- بسؤال مانحها، وَتضَرّعِوا إِلَيه أَلَّا تُرْفَعَ عَنَّا عَافِيَتُنَا بمَا كَسَبَتْ أَيْدِينَا{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمد لله المبدئِ المعيد، الفعالِ لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ الملكُ الديان، وأشكره سبحانه في كل حين وآن.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الْمبعوثُ بالرحمة والإحسان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كرامِ النفوس والأبدان، والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام: هذا اليوم, هو يومُ الفرح والسرور والمُواساة.. فواسوا المحتاج، وليعد غنيُّكم على فقيركم.
اليوم.. يومُ عيادةِ المرضى, وإشاعة السلام, وإشاعةِ الحبِّ والوئام.
اليوم.. يوم زيارةِ الأقارب والأصدقاء, وصلةِ الأرحام, فهذا اليومُ من أعظم الأيام عند الله, فلْنعمل فيه بما هو أهله, ولْنقم فيه بما تسْتحقُّه عظمته ومكانته.
اليوم.. هو يوم صفاءِ القلوب, وطهارةِ النفوس من الأحقاد والضغائن هو يومُ نسيان المواقف المؤلمة والمحزنة.
فيا قاطع الرحم..يا من فارقت وأبغضت وشاققت ويا من قاطعت وفارقت هلّا اكفيت بما مضى من القطيعة ؟ أما آن لك أن تُصحِحَ وضعك..أي أخيّْ بادر{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}واعلم بـأنَّ اللّهَ {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}
نسأل الله ألا يجعلنا من القاطعين والمتشاحنين, وأنْ يُعافينا مما ابتلاهم, وأنْ يُصلحهم ويهديهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله , الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد...
اللهم تقبلنا منَّا إنك أنت السميع العليم, واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً, وتفرقنا من بعده معصوماً, ولا تجعل فينا ولا من بيننا شقيًّا ولا محروماً.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين...
اللهم آمنّا في أوطاننا .. وأصلح اللهم إمامنا ووليّ أمرنا....
اللهم احفظ إخواننا المرابطين على الحدود والثغور...
اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، في فلسطين والعراق والشام, اللهم انصرهم على عدوّك وعدوّهم.. اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
{ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }…
اللهُ أكبَرُ كَبِيرا، والحمْدُ للهِ كثيرا، وسُبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلاً،وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سَجَدَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خَيْرُ مَنْ مَشَى، وَأَكْرَمُ مَنْ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ المَآلِ.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهُ أَكْبَرُ الَّذِي سَنَّ وَشَرَعَ، وَرَفَعَ وَوَضَعَ، وَخَضَعَ لَهُ كُلُّ عَبْدٍ وَطَمِعَ.
اللهُ أَكْبَرُ عَلَا فَقَهَرَ، وَهَزَمَ وَنَصَرَ، وَعَلِمَ وَسَتَرَ، وَعَفَا وَغَفَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.
مَا أَجْمَلَ صَبَاحَ الْعِيدِ! وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَهُ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَوَدَّعُوا مَوْسِمًا عَظِيمًا مَذْكُورًا، قَدْ أَوْدَعُوا فِيهِ مِنْ حُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَحُقَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَذَا وَيَبْهَجَ، وَيَعِجَّ لِسَانُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَلْهَجَ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
أمة الإسلام: هذا اليوم, هو يومٌ يُظهر فيه المسلمون ذكرَ الله وتعظيمَه, ويلهجون بالثناء والحمد له : (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
للعيدِ فرحة.. فرحةٌ بفضلِ الله ورحمتِه ، وكريمِ إنعامه ، ووافرِ عطائه ، فرحةٌ بالهداية..أيُّ نعمةٍ أعظمُ ، وأيّ منٍّ أمنُّ وأفضل من أنه-سبحانه هدانا للإسلام فلم يجعلنا مشركين ولا يهود ولا نصارى {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين}
العيد موسم الفضل والرحمة ؛ والفرح وإظهار السرور ، قال العلماء: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين"، وقد أقرّ نبيّكم ﷺ إظهار الفرح وإعلان السرور في الأعياد ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعله الحبشة ، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب ، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم ، فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم ، ثم قال لعائشة : "يا حُمَيْراء أتحبين أن تنظري إليهم ، قالت : نعم ، فأقامها - صلى الله عليه وسلم - وراءه خدها على خده يسترها ، وهي تنظر إليهم ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغريهم ، ويقول : دونكم يا بني أرفدة ، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني بعثت بالحنيفية السمحة" .
فهذه مشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تقام بين يدي النبي ﷺ فيقرها ويحتفي بها ..
وإنّك لتعجب لتجاوز هذا الهدي النبوي المنير عند من يحاول قتل أفراح العيد، والتضييق على مشاعر الناس
فيجعل الأعياد مواسم لفتح الجراحات، والنُّواح على مآسي المسلمين، وتعداد مصائبهم، والتوجع لما يحل بهم..
ويتناسون أن لكل مقام مقالاً، ولكل مناسبة حالاً، وأن مآسي المسلمين ثمار مُرّة لخطايانا وأخطائنا (قل هو من عند أنفسكم)، ولن يكون علاجها بالوجوم والتحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، والشجاعة أمام الخطأ، ولو أنا قتلنا كل فرحة، وأطفأنا كل بسمة، ولبسنا الحزن، وتلفّعنا بالغم، وتدرعنا بالهم ما حرّرنا بذلك شبراً، ولا أشبعنا جوْعة، ولا أغثنا لهفة، وإنما وضعنا ضغثاً على إبالة .
وإن خير الهدي هديه ﷺ وقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزَن ، يعجبه الفأل، دائم البشر، كثير التبسم .
فيا أيها الإخوة أبشروا وأمِّلوا ما يسركم ، فعُمر الإسلام أطول من أعمارنا ، وآفاق الإسلام أوسع من أوطاننا ، وليست المصائب ضربة لازب ، لا تحول ولا تزول ، فقد حُصر المسلمون في الخندق ، وبعد سُنيّاتٍ فتحوا مكة ، وسقطت بغداد ، ثم بعد نحو قرنين فُتِحت القسطنطينية ، والله –عز وجل-لا يعْجل لعجلتنا ، ولا تتحوّل سننُه لأهوائنا، فسنن الله لاتحابي أحداً، ولنتذكرَ يومَ عيدنا ما أبقى الله لنا من خير، وما تطوّل به علينا من فضل .
ولئن حلت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً {وإن تعدوا نعم الله لاتحصوها} ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل ، وفأل ينتج إنجازاً ، أما المهموم المحزون فهو غارق في آلامه ، متعثر في أحزانه ، مدفون في هموم يومه ، لا يرجو خيراً ولا يأتي بخير ، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ»، ثُمَّ مَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى، فَقَالَ ﷺ: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ » مِذِ/حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أَلَا مَا أَحْوَجَنَا يَا أَهْلَ الإِيمَانِ أَنْ نَسْتَذْكِرَ وَنَتَذَاكَرَ شَأْنَ الْعَافِيَةِ فِي زَمَنٍ تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ بِأَهْلِهَا مَوْجًا، وَتَسُوقُهُمْ إِلَى الْبَلَاءِ فَوْجًا فَوْجًا! فِتَنٌ فِي السَّرَّاءِ تُلْهِي عَنِ الْآخِرَةِ، وَفِتَنٌ فِي الضَّرَّاءِ تَزْرَعُ الْيَأْسَ وَتَضُرُّ الدِّينَ.
الْعَافِيَةُ -يَا أَهْلَ الْعَافِيَةِ- مَعْنًى وَاسِعٌ يَصْعُبُ أَنْ يُحَدَّ، وَصُوَرُهَا تَطُولُ مَعَ الْعَدِّ، فَهِيَ تَشْمَلُ كُلَّ مَا سَلَّمَ الْعَبْدَ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
بَيْدَ أَنَّ الرَّقَمَ الْأَوَّلَ فِي الْعَافِيَةِ هِيَ الْعَافِيَةُ الْعَقَائِدِيَّةُ، المُعَافَاةُ مِنَ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَضَلَالَاتِهِ، وَالْكُفْرِ الْبَاطِنِ وَنَزَغَاتِهِ.
فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هدانا.. وعَافَانَا.. وَجعلنا مسلمين … وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ عَقَارِبِ النِّفَاقِ، فَلَمْ يَجْعَلْنَا كَارِهِينَ لِلشَّعَائِرِ، مُبْطِنِينَ الْعَدَاوَةَ فِي الضَّمَائِرِ، لَمْ يَجْعَلْنَا مِمَّنْ يأَمرُ بِالمُنْكَرِ وَينهي عَنِ المَعْرُوفِ ، بَلْ سَلَّمَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَجَعَلَنَا مُسْتَجِيبِينَ للهِ، مُحِبِّينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، رَاجِينَ نُصْرَةَ دِينِهِ.
نَعَمْ لَنْ يَسْلَمَ المَرْءُ مِنَ العِصْيانِ وَالخَطَأِ، وَأَيُّنَا لم يُلِمَّ بِذَنْبٍ ؟! لَكِنْ شتّانَ بَيْنَ مَنْ يَستتر، وَبَيْنَ مُجَاهِرٍ لَا يَعْبَأُ وَلِذَا قَالَ نَبِيُّنَاﷺ : «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أيها الإخوة، .. سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ فِي دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ الْأَوْضَاعَ مِنْ حَوْلِكُمْ تَسْتَعِرُ وَلَا تَسُرُّ، قَتْلٌ مُبَاحٌ، وَعِرْضٌ مُسْتَبَاحٌ، وَانْتِهَاكٌ لِلْحُقُوقِ كُلَّ صَبَاحٍ.
أَعْدَاءٌ مُتَصَالِحُونَ، وَقَتَلَةٌ مُتَوَاطِئُونَ، وَفِرَقٌ بِدْعِيَّةٌ تَتَنَفَّسُ كُرْهًا، وَتَتَحَيَّنُ لِتَنْفِيسِ هَذَا الْكُرْهِ.
عَافِيَتُنَا تَكُونُ في غَيْرَتِنا على هذه البَلَدِ التي نسكن أرضها ونأكل خيرها مِنْ أن تنجرف إِلى مزالقِ التنازلاتِ وتَرْقِيْقِ المحرَّمَاتِ، لنحتسب وَللننصح ولنأمر بالمعروفِ وللننه عن المنكرِ، وَإلَّا نَفْعَلْ فَالْبَلاءُ مُنْتَظَرْ، ( أنهلِكُ وَفِيْنَا الصَّالحونَ؟ قال: نَعَمْ إِذا كَثُرَ الخَبَثُ).
نَحْرُسُ عَافِيَتَنَا بِالْيَقَظَةِ مِنْ تَحَرُّكَاتِ الْأَعْدَاءِ وَمَكْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمْ، وَبِالذَّاتِ الْأَفَاعِي الصَّفَوِيَّةُ.. فَقَدْ عَلَّمَتْنَا الْأَحْدَاثُ وَالتَّارِيخُ أَنَّ تحرّكاتهم لَا تُوَلِّدُ إِلاَّ اسْتِجْلَابَ الْفِتَنِ .
وَتُطْلَبُ عَافِيَتُنَا بِالْحِفَاظِ عَلَى أَمْنِ الْبَلَدِ حِسِّيًّا وَفِكْرِيًّا مِنْ تَيَّارَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ:
تَيَّارٌ غَالٍ مُكَفِّرٌ، سَفِيهٌ مُفَجِّرٌ، تَجَاوَزَتْ مُوبِقَاتُهُ وَضَلَالَاتُهُ كُلَّ حَدٍّ وَحُدُودٍ.
وَآخَرُ جَافٍ مُنْهَزِمٌ، عَاقٌّ لِتُرَاثِهِ، زَاهِدٌ فِي أَصَالَتِهِ، لَدَيْهِ مُشْكِلَةٌ مَعَ الشَّرِيعَةِ، فَهُوَ إمَّا مُشَكِّكٌ فِي ثُبُوتها، أو ساَعٍ لِعَلْمَنَتِها، وَتَحْرِيْفِهَا عنْ مَعَانِيْها.
وَضَاعَ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ هَذِيْنِ الطَّرَفَيْنِ المتَطَرِّفَيْنِ : طَرَفٍ دَاعِشِيٍّ يُكَفِّرُ مَنْ يَقِفُ حِيَالَهُ، وَآخَرَ ليبرالي مَوْتُورٍ يُدَعْشِنُ مَنْ يَبين ضلاله.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَتَبْقَى عَافِيَةُ الْبَدَنِ تَاجًا عَلَى رؤُوسِ الأصحّاء لَا يَرَاهَا إِلَّا المرضى، وَتأمّل -أي أخيّ- أحَوال الناس وَأوجاعهم يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ كَسِيرًا وَهُوَ أَسِيفٌ.. لتعلم حينئذ أي فضلٍ أنت وأسرتُك ترفلون فيه … … وَصَدَقَ الْقَائِلُ:
مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدِهِ *** بِنِعْمَةٍ أَوْفَى مِنَ الْعَافِـيَهْ
وَكُلُّ مَنْ عُوفِيَ فِي جِسْمِهِ *** فَإِنَّهُ فِي عِيـشَةٍ رَاضِيَهْ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَلِلْمَرْأَةِ عَافِيَتُهَا: أَنْ تَكُونَ حَيِيَّةً سِتِّيرَةً بَعِيدَةً عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَفِتْنَتِهِمْ، عَافِيَتُهَا فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا قَنْطَرَةٌ لِعَافِيَتِهَا فِي أُخْرَاهَا، وَقَدِ اخْتَصَرَهَا لَنَا النَّبِيُّﷺ فِي قَوْلِهِ:
«إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَمِنَ الْعَافِيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُبْقِي الْوُدَّ وَالتَّوَاصُلَ: التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ التَّغَافُلِ، وَغَضُّ الطَّرْفِ عَنِ الأَخْطَاءِ، وَإِقْفَالُ أَبْوَابِ المُصَادَمَاتِ وَالشَّحْنَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعَافِيَةِ التَّغَافُلُ»، وَيَتَأَكَّدُ التَّغَافُلُ مَعَ ذِي الرَّحِمِ الْقَرِيبِ، وَقَدِيمًا قَالَتِ الْعَرَبُ: (لَا تَقْطَعِ الْقَرِيبَ وَإِنْ أَسَاءَ، فَإِنَّ المَرْءَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَإِنْ جَاعَ).
عِبَادَ اللهِ: أَسَبَغَ اللهُ عَلَيْنَا نِعَمَ الْخَيْرَاتِ، وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الطَّاعَاتِ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا شَهْرَنَا الْغَالِي وَنَحْنُ نَرْفُلُ بِالْعَافِيَةِ وَالمَسَرَّاتِ.
أيها المسرورن : هذه هي العافيةُ وهَذَا قَدْرُها.. فَالهجوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- بسؤال مانحها، وَتضَرّعِوا إِلَيه أَلَّا تُرْفَعَ عَنَّا عَافِيَتُنَا بمَا كَسَبَتْ أَيْدِينَا{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمد لله المبدئِ المعيد، الفعالِ لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ الملكُ الديان، وأشكره سبحانه في كل حين وآن.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الْمبعوثُ بالرحمة والإحسان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه كرامِ النفوس والأبدان، والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام: هذا اليوم, هو يومُ الفرح والسرور والمُواساة.. فواسوا المحتاج، وليعد غنيُّكم على فقيركم.
اليوم.. يومُ عيادةِ المرضى, وإشاعة السلام, وإشاعةِ الحبِّ والوئام.
اليوم.. يوم زيارةِ الأقارب والأصدقاء, وصلةِ الأرحام, فهذا اليومُ من أعظم الأيام عند الله, فلْنعمل فيه بما هو أهله, ولْنقم فيه بما تسْتحقُّه عظمته ومكانته.
اليوم.. هو يوم صفاءِ القلوب, وطهارةِ النفوس من الأحقاد والضغائن هو يومُ نسيان المواقف المؤلمة والمحزنة.
فيا قاطع الرحم..يا من فارقت وأبغضت وشاققت ويا من قاطعت وفارقت هلّا اكفيت بما مضى من القطيعة ؟ أما آن لك أن تُصحِحَ وضعك..أي أخيّْ بادر{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}واعلم بـأنَّ اللّهَ {يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}
نسأل الله ألا يجعلنا من القاطعين والمتشاحنين, وأنْ يُعافينا مما ابتلاهم, وأنْ يُصلحهم ويهديهم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله , الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد...
اللهم تقبلنا منَّا إنك أنت السميع العليم, واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً, وتفرقنا من بعده معصوماً, ولا تجعل فينا ولا من بيننا شقيًّا ولا محروماً.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين...
اللهم آمنّا في أوطاننا .. وأصلح اللهم إمامنا ووليّ أمرنا....
اللهم احفظ إخواننا المرابطين على الحدود والثغور...
اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، في فلسطين والعراق والشام, اللهم انصرهم على عدوّك وعدوّهم.. اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.