عيد الفطر-1-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ ناصر الزهراني
محمد بن سامر
عيد الفطر-1-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ ناصر الزهراني
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)،
وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:
يا لها من أيامٍ مضتْ، صفتْ فيها القلوبُ، وزكتِ الأرواحُ، وأنِسَتِ الضمائرُ، أيامٌ مرَّتْ كالنسيمِ العليلِ، والماءِ الزُلالِ، والشَهدِ الـمُذابِ، عشنا فيها كما يعيشُ العاشقُ الولهانُ لحظاتِ الوصالِ الماتعةِ بعدَ طولِ غِيابٍ، وارتوينا من ينابيعها كما يرتوي الظمآنُ الذي ألهبَ الحرُ فؤادَه، وأنهكَ الظمأُ روحَه.
ومرتْ بنا كالحُلُمِ الجميلِ، والطيفِ الهادئِ، والظِّلِ الوارفِ؛ انغمسنا في نعيمِها فكأنه لم يمرَ بنا شقاءٌ قَطُ، ولا بُؤْسٌ قَطُ؛ أسكنَّاها في أرواحِنا، غلغلناها في أعماقِنا، فكأننا من نشوتِنا بها نسينا أنفسَنا.
كنا نشعرُ أننا بُدِّلْنا قلوبًا غيرَ قلوبِنا، وامتطينا أجسادًا غيرَ أجسادِنا، وزُوِّدْنا بأرواحٍ غيرِ أرواحِنا، فتجددَ عزمُنا، وتألقَ شـوقُنا، وقويتْ هممُنا، وصفتْ نفُوسنا، وتهذبتْ أخلاقُنا، وتحسنتْ طاعتُنا، وازدادتْ عبادتُنا.
يَا ليالٍ عابقاتٍ بالهوى*همسُها الزَّاكي ضياءٌ للوفودِ
بينَ تسْبيحٍ وذِكْرٍ خاشعٍ*وصيامٍ وصلاةٍ وسُجودِ
وزكاةٍ وانتشاءٍ كُلَّما*رُتِّل القرآنُ بالصوتِ الفريدِ
أنهُرٌ بالخيرِ فاضَتْ سَلْسَلًا*بعَطاءِ الخالقِ البَرِّ الحميدِ
فَرْحَةٌ أُنْسٌ ثناءٌ سَلْوَةٌ*وارْتِواءٌ من مَسَرَّاتٍ وَجُودِ
يا له مِن فضْلِ رَبٍّ سابِغٍ*نحنُ منهُ كُلَّ يومٍ في مَزيدِ
يا إلهي جُدْ علينا بالرِّضا*والنَّدى والفوزِ في يومِ الوُرُودِ
إنها الفيوضُ الإلهيةُ، والعطاءاتُ الربانيةُ، التي حملَها إلينا رمضانُ، وزفَّها شهرُ الصيامِ، فللهِ الحمدُ والشكرُ، هو أهلُ الثناءِ والمجدِ.
ولذلك كلِّه نختمُ تلكَ الأيامَ الزاهيةَ باحتفالٍ مُقَدَّسٍ، وابتهاجٍ محببٍ، ومهرجانٍ معظمٍ، يُمَجَّدُ ويُحْمَدُ فيه اللهُ المــُنْعِمُ المتفضِّلُ، وتُعلَن فيه الفرحةُ؛ وتُغرِّدُ له القلوبُ، وتشدو له الأرواحُ، وتُزَفُ فيه البشائرُ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، يومٌ يُتوجُ به الصيامُ، ويُختمُ به القيامُ، وتُفْتَتَحُ به أشهرُ الحجِّ؛ يُشرقُ يومِ العيدِ، لينتشرَ الرضا، ويُبسطَ الـمنى، ويَحلَّ الهَنا.
فيا اللهَ! ما أعظمَ جودَ اللهِ! (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، وما أكثرَ عطاءَه! وما أجزلَ كرمَه! أكرَمَنا بهذا الدينِ النقيِ الزكيِ، الجليِ السويِ، لا حرجَ فيه ولا عَنَتَ، ولا إِثقالَ ولا أَغلالَ، موافِقًا للفِطَرِ، مُيَسَّرًا للبشرِ، لا إفراطَ ولا تفريطَ، ولا غلوَ ولا جفاءَ؛ دِينا قِيَمًا مِلَّةَ إبراهيمَ حنيفًا، أيسرَ من اليُسرِ، وأسهلَ من السهلِ، وأجملَ من الجمالِ.
عقيدةٌ سهلةٌ يسيرةٌ، تُوَحِدُ الباريَ، وتُنَزِه الخالقَ، وتـُمَجِّدُ العظيمَ، تُقِرُ بأُلوهيتِه، وتُؤمنُ بربوبيتِه، وتصفُه بما وصفَ به نفسَه.
شريعةٌ سمحةٌ، لا تـُحَمِّلُ المرءَ ما لا يُطيقُ، ولا تُكلِّفُه ما لا يستطيعُ، ولا تـَحرمُه اللذائذَ، ولا تـَمنعه الـمُتعَ، إلا ما فيه هلاكُه أو ضلالُه، (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ).
مَن شهدَ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وأقامَ الصلاةَ، وآتى الزكاةَ، وصامَ رمضانَ، وحَجَّ البيتَ مستطيعًا، كان من المفلحينَ، ونالَ رضوانَ ربِّ العالمينَ، ثم ما يزالُ يَرقَى بالنوافلِ بعدَ الفرائضِ حتى يحبَّه اللهُ، فإذا أحبَّه كان سمعَه وبصرَه ويدَه ورجلَه، وإنْ سألَه أعطاهُ، وإنْ دعاهُ أجابَه.
سبحانَه! ما أكرمَه! السيئةُ عنده بواحدةٍ أو يسترُها ويـمحوها، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سبعِ مئةٍ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ.
له الحمدُ-جلَّ وعلا-أنْ أكرمَنا بالدِّينِ، ومَنَّ علينا فجعلنا من الموحدينَ المؤمنينَ؛ دينٌ عظيمٌ، ومنهاجٌ قويمٌ، لو اجتمعَ أذكياءُ الدنيا، وعباقرةُ العالمِ، وأساطينُ الفكرِ، وروادُ العلمِ، وحملةُ المعرفةِ، ثم أَعملوا قرائحَهم، وشحَذوا أذهانَهم، واستنطقوا أفكارَهم ما استطاعوا أنْ يظهروا للعالَمِ بمثل هذا النهجِ المتكاملِ، والدينِ المتوازنِ، والهديِ المتوائمِ، الذي يجمع بين الجسمِ والروحِ، والعقلِ والعاطفةِ، والدنيا والآخرةِ، في نصاعةٍ وجمالٍ، وروعةٍ وجلالٍ، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثيرًا)، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
هذا هو العيدُ، هذا هو الفرحُ، هذا هو السُرورَ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
إنَّ العيدَ فرحةٌ للصائمينَ، وسُرورٌ للقُائمينَ، وانتشاءٌ للعابدينَ، اليومَ يفرحُ الطائعونَ بطاعتِهم، والمتسابقونَ بفوزِهم، إنه فرحٌ يذكِّرُ بيومِ الفرحِ الأكبرِ، والسرورِ الأكملِ؛ يومَ يسعدُ المسلمونَ بلقاءِ ربِهم، ورضا خالقِهم، فيُفيض عليهم رضوانَه، ويُلبِسُهم غفرانَه، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ*ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ).
لا أكبرَ مِن الفرحِ برضوانِ اللهِ-تعالى-والفوزِ بطاعتِه! ولا أكبرَ منه-جلَّ وعلا-! فهو الكبيرُ المتَعالُ الذي عنتْ له الوجوهُ، وسجدتِ الجِباهُ، وخضعتِ القلوبُ، وخشعتِ الجوارحُ، ولذلك كانَ شعارُنا يومَ العيدِ هو تكبيرُه-جلا وعلا-: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ ولله الحمد، اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا، (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
هذا يومُ عيدِنا، وإنَّ العيدَ ليس انفلاتًا من الأخلاقِ، ولا انطلاقًا للشهواتِ، أو تهربًا من الطاعاتِ، بل هو فرحٌ ربانيٌ، وسرورٌ إلهي، يُفْتَتَحُ بالتكبيرِ والتحميدِ، والصدقةِ والصلاةِ.
إنَّ العيدَ ليس قطعًا للصلةِ باللهِ-تعالى-، أو نِسيانًا للقرآنِ، أو نهايةَ عهدٍ بالمساجدِ والجماعاتِ، وإنَّ انتهاءَ رمضانَ لا يعني انتهاءَ العبادةِ، أو التراجعَ عن الطاعةِ، بل هو موسمٌ للتزودِ من الخيرِ، وفرصةٌ للنهلِ من الفضلِ؛ إنه يُقوِّي الهممَ، ويُصَفِّي النفوسَ، ويستحثُ العزائمَ، ويُعوِّدُ على الطاعةِ، ويُرسخُ الهدايةَ، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فيقولُ الرسولُ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ-: "مَنْ صامَ رمضانَ، ثم أتْبَعَهُ سِتًا من شوالٍ، كانَ كصيامِ الدهرِ"، فأدركوا الغنيمةَ، واظفروا بالفرصةِ.
أيها الصائمونَ المصلونَ، المتصدقونَ الشاكرونَ، الذاكرونَ القارئونَ: هذا يومُ فرحِكم، وعُنوانُ سعادتِكم.
أيها المقصرونَ المُفَرِّطونَ المتكاسلونَ-وأنا منكم-: فاتكمْ خيرٌ كبيرٌ، وأجرٌ وفيرٌ، وغنائمُ جليلةٌ، ولكنَّ الفرصةَ أمامَكم، فبادروا بالتوبةِ، وأكثروا من الاستغفارِ، وتداركوا أنفسَكم؛ فإنَّ اللهَ رحيمٌ، والمولى غفورٌ، والربَّ عفوٌ، يبسطُ يدَه بالليلِ ليتوبَ مُسيءُ النهارِ، ويبسطُ يدَه بالنهارِ ليتوبَ مُسِيءُ الليلِ، فلا تقنطوا من رحمتِه، ولا تستيأسوا من روحِهِ، فهو كريمٌ حليمٌ، عفوٌ غفورٌ، يقبلُ التائبينَ، ويعفو عن المذنبينَ، ويُقيل عثراتِ العاثرينَ.
يا إلَهي جُدْ عليْنا بالرِّضا*والنَّدى والفوزَ في يومِ الورودِ
واغْفر الزَّلَّاتِ وارحم ضَعْفَنا*يا إلهَ الكونِ يا ربَّ الوجودِ
واجْعَل الأفراحَ دَوْمًا حَظَّنا*ثمَّ مأوانا لِجَنَّاتِ الخُلُودِ
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1651298415_عيد الفطر-1-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ ناصر الزهراني.docx
1651298418_عيد الفطر-1-10-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ ناصر الزهراني.pdf