عودة كورونا ..
د محمد بن حمد الهاجري
الخطبة الأولى ..
عباد الله، مرت بنا أيام بل شهور في ظل جائحة كورونا التي ضربت العالم بأسره وعطلت المصالح، وباعدت الأبدان، وأزهقت الأرواح، وهزَّت تداعيتها المشاعر، وخلفت الآلام والآمال على شتى المستويات، وأحدثت تغييرات في حال الناس، ومنَحتهم هذه المحنة دروسًا وعبرًا،
عبادَ اللهِ: ومِنْ نعمِ اللهِ علينا أَنْ وفَّق اللهُ ولاةَ أمورِ هذهِ البلادِ إلى اتَّخَاذِ خطواتٍ استباقيةٍ قويةٍ وجادةٍ للحدِّ من فيروسِ كُورونَا والوقايةِ مِنه منذُ بدايةٍ ظهورِه إلى وقتِنا الحالي، ووضْعِ الكثيرِ مِنَ الإجراءاتِ الوقائيةِ والتدابيرِ الاحترازيةِ مع تَوفيرِ جميعِ الوسائلِ والتجهيزاتِ.
وكذلكَ إصدارِ الكثيرِ من القراراتِ الصارمةِ والتَّشديدِ على تنفيذِها؛ انطلاقًا من الحرصِ الكبيرِ على حمايةِ صحةِ المواطنينَ والمقيمينَ وضمانِ سلامتهِم، من وقفٍ للتأشيراتِ، وتعليقِ العمرةِ والزيارةِ، وإغلاقِ دورِ التعليمِ المختلفةِ، والدوائرِ الحكوميةِ العامةِ والخاصةِ، والأسواقِ، ومنعِ التجمعاتِ، والأخذِ بأسبابِ التباعدِ الاجتماعي، ووضعِ حَظْرِ التجوِّلِ الكلِّي والجزئِّي حسَبَ المصلحةِ.
أيُّها المؤمنونَ: وممَّا يتأكَّدُ في حقِّ الجميعِ أنْ يأخذُوا الحيطةَ والحذرَ، وأسبابَ الوقايةِ عندَ الذهابِ للمساجدِ والرجوعِ منها، وذلك بالتزامِ التعليماتِ التي وضعتْها وزارةُ الشؤونِ الإسلاميةِ بالتعاونِ مع وزارةِ الصحةِ والداخليةِ وغيرِها من الجهاتِ، من التباعدِ بينَ الصفوفِ، ولُبسِ الكمَّامِ، واستعمالِ سجادةٍ خاصةٍ للصلاةِ عليهَا، وتطهيرِ الأيدي، وتجنُّبِ المصافحةِ والملامسةِ بالأيدِي، وعدمِ الازدحامِ عندَ الدخولِ والخروجِ منها.
وكذلكَ الاستجابةِ لتوجيهاتِ الإمامِ، وعدمِ مخالفتهِ لما في ذلك من المصالحِ الكبيرةِ التي لا تخفى على الجميعِ، وعلى أئمةِ المساجدِ والمؤذنينَ الالتزامُ بما يَصدرُ من إجراءاتٍ وتعليماتٍ وتنفيذِها ومتابعتِها.
وغيرُ خافٍ أنَّ الهدفَ من هذا كلِّه هو الحرصُ على سلامةِ الناسِ، ومنعِ هذا الوباءِ من التفشِّي والانتشارِ والتقليلِ من أضرارِه، وحفظِ الأنفسِ والأرواحِ وهي إحدى الضروراتُ الخمسُ التي جاءتْ الشرائعُ بوجوبِ المحافظةِ عليها، فرسولُنَا -صلَّى اللهُ عليه وسلم- يقولُ: "وَفرَّ من المجذومِ كَمَا تَفرُّ منْ الأسدِ"(رواه البخاري).
واحذروا باركَ اللهُ فيكم مِنْ خطورةِ التجمعاتِ بدونِ حاجةٍ ملحةٍ أو ضرورةٍ، أو بدونِ اتخاذِ الاحترازاتِ الوقائيةِ التي تساعدُ بفضلِ اللهِ على التقليلِ من أضرارِ هذا الفيروسِ حرصًا على عدمِ انتشارِ العدوى بين أفرادِ المجتمعِ وخوفاً على أرواحِهم.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)[المائدة:2].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما سمعتمْ فاسْتَغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعْلَمُوا أنَّ تَقْوَاهُ هيَ طريقُ النجاةِ.
إننا نعيش اليوم أوقات حسم ، تحتاج وقفة جادة وحازمة، التعويل فيها على العقول. أيها الناس، أين المفر؟، «كورونا» أمامكم، وليس لكم والله إلا الوعي والحذر والصبر، فالحياة لن تتوقف، وبكم أو بسواكم سوف تستمر. الوباء من حولكم، والوعي من أمامكم، والأمر تقريبا بأيديكم، ولكن بمقدار حرصكم ووعيكم.
تأففنا من الاحترازات الوقائية، وتضايقنا من الحظر، وهو ليس سيئا بذلك القدر، وربما استعجلنا العودة إلى الحياة الطبيعية. والنتيجة ما ترون لا ما تسمعون فقط..
الوباء ما زال ينتشر، بل يتحور ويتطور، يبث سطوته ويمثل خطرا محدقا بحياتنا، ليس على مستوى بلادنا، بل على مستوى العالم، وإن أكثر ما كنا نخشاه هو الاستخفاف بالإجراءات الاحترازية واللامبالاة، وبعض التهور والعادات التي تفرض نفسها أو تفرض علينا عنوة، وهو ما كان فعلا.
الانخراط في الحياة الاجتماعية، من مناسبات وزواجات وعادات، أو تعاملات أو تصرفات، يجبرك على التخلي عن أي احترازات!.
لقد كان التخلي عن الحذر بشكل مزعج حقا، فكان الاختلاط كثيرا، وانتشار العدوى أكثر، وتصرفات تفتح أبواب الأحزان، ولكن كان وما زال الحل في متناول أيدينا، وبيدي لا بيد عمرو. مزيد من الوعي والاهتمام، وأن نكون بمستوى الحدث، كفيل بأن يصنع الفارق، وبارتفاع مستوى الوعي والاهتمام سنكون أفضل وأقوى إن شاء الله.
لا نريد أن يعود هذا الوباء إلى كبح حياتنا، فالحظر ومزيد من القهر. لقد وضعتنا حكومتنا أمام المحك، حينما راهنت على مستوى الوعي، فعام ونيف العام كفيل بأن يزودنا بما يلزم تجاه هذا الفيروس، ولكي نستمر في هذه الحياة علينا أن نكون بمستوى الحدث، ومستوى ذلك الرهان أيضا.
سنة ونيف السنة يفترض أن تكون قد جعلت من كل تلك التدابير ثقافة لدينا، فهي في كل الحالات ممارسات صحية تقريبا.
ربما نتفق على أن الفيروس لم يعد بمستوى تلك الخطورة التي صاحبت بداياته، ولكن ذلك متى ما كان وعينا والتزامنا بالمقدار الكافي. لقد شاهدنا ما مر به العالم، ونحن جزء منه، من ضرر على المستويات كافة نتيجة هذه الجائحة، فرضخنا، كما العالم، للعامل الاقتصادي في هذا الجانب، حتى ونحن نشاهد تميز بلادنا في عملها وتعاملها، ونتيجة ذلك كان لا بد من العودة، فعاد العالم بأسره تدريجيا للحياة الطبيعية، ونحن معهم أيضا، ولكن، كما أسلفت، عودتنا وللأسف كانت فيها استهتار لكثير من الناس في الاحترازات الصحية .
كلنا نؤمن أن الأمر بيد الله في مبتداه ومنتهاه، لكن علينا بذل الأسباب، وإلا نلقي بأيدينا إلى التهلكة. حتى التطعيم لا يعني أن نبالغ و نتهور، ونتهاون كما حدث.
وربما يقول قائل: إن «كورونا» لم تعد بذلك الخطر الكبير، لكن الخطر الأكبر يكمن في تصورنا أن هذا الفيروس قد انتهى، فنرفع القيود ونتخلى عن الاحترازات، ونمعن في التهاون واللامبالاة.
التطعيم لا يعني أن نتحرر من الاحترازات الوقائية.إنه أبدا لا يعني ألا نهتم، أو نسقط التدابير التي تجعلنا في منأى ومأمن إن شاء الله. صحيح أن أخذ اللقاح مهم، ولكن وعينا يظل هو الأهم، وهو ما يمثل خارطة الطريق نحو التعافي.
احترام الإجراءات الاحترازية والتباعد، والإدراك التام لقيمة الحياة يضعان الخطوط العريضة في تلك الخارطة. لا بد أن ندرك أنه ما من حل إلا أن نرضخ لهذا الواقع ونتعايش معه، وهذا الأمر يستدعي أن نكون أكثر إدراكا وحرصا وتقديرا للمسؤولية.
العودة للحياة ضرورة، ولكن علينا أيضا أن نعلن مع ذلك فتح صفحة جديدة مع «كورونا»، جنبا إلى جنب، ولكن بمستوى وعي مناسب لخطورة هذا الوباء.
نعم علينا أن نغير من سلوكنا وبعض عاداتنا، فـ«كورونا» ما زال يقدم الدروس المجانية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
رفع الله عنا وعن الجميع كل داء ووباء.
أسألَ اللهَ تعالى أنْ يحفظَ علينَا ديننَا وأمننَا وعافيتنَا ووحدةَ صفِّنا واجتماعَ كلمتِنا، وأنْ يصرفَ عنَّا كلَّ شرٍّ ومرضٍ ووباءٍ، إنَّهُ على ذلك قديرٍ وبالإجابة جدير.