عواقب السخرية والاحتقار

عايد القزلان التميمي
1443/07/24 - 2022/02/25 05:49AM
الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ ماله ودمه وعرضه))، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
أما بعد: فاتقوا الله ربَّكم، واحرصوا على طهارة قلوبكم ، واعلموا أن هذه المضغة إذا صلَحت صلَح العمل كلُّه، وإذا فسدت فسد العمل كلُّه. عباد الله :
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". قال رجل: إنّ الرجل يُحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟. قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛.
والكِبر من أعظم خصال الشر، قال ﷺ: (لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبر).
إن احتقارَ المسلم لأخيه المسلمِ محرم، سواءٌ كان احتقاره لأجل لونه، أو لحسبه ونسبه، أو لبلده، أو لعمله ووضعه الاجتماعي، أو لغير ذلك مما يتفاضل فيه الناس.
فالسخرية والاحتقار داء ابتلي به كثير من الناس؛ يضحكون على الناس، ويسخرون منهم، ويستهزئون بهم، وينتقصونهم ويحتقرونهم... فإياك أيها المسلم أن تسخر من أحد، وإياك أن تحتقر أحدا، واعلم أن العبرة ليست بالأشكال والمظاهر والألقاب؛ فقد يكون الذي تسخر منه وتحتقره أحب إلى الله منك، وأعظم قدرا عند الله منك، وأقرب من الله منزلة منك... فقد قال الله تعالى في سورة الحجرات: ﴿ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
أيها المؤمنون / وقد بين الله تعالى أن السخرية من المؤمنين صفة من صفات المنافقين، فقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
عباد الله : فمن الناس من يسخر من عباد الله لضعف في قوتهم، أو تشوه في صورتهم، أو إعاقة في حركاتهم... ولا يليق هذا بمؤمن موقن بأن الله تعالى هو الخالق الواهب، فإذا رأيتَ مبتلى في بدنه فاحمدِ الله الذي عافاك مما ابتلاه به، وسل الله تعالى له الشفاء والعافية .
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
عباد الله وكلنا مذنبون وكلنا مقصرون، فإذا رأيت مِن أخيك شيئاً من مخالفة الشرع فإياك أن تسخر منه، وإياك أن تحتقره، وإياك أن تشمت به فتعِينَ الشيطان عليه.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان".
لا تسخر من أخيك لذنب ارتكبه، بل انصحْه ووجِّهه، فالدين النصيحة. أما أن تضحك منه وتجعلَه حديثَ مجالسك تتحدَّث عن سيئاته وعن أخطائه فليس ذلك من شيم المسلم ولا من أخلاقه؛
ففي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ها هنا ". ويشير إلى صدره ثلاث مرات "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)).
أي يكفي المسلمَ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شر عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا لكان كافيا في الإثم والذم والعقاب.
بارك الله لي ولكم .....
 الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين وأشهد أن محمدا خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته إلى يوم الدين.
 أما بعد:
فيا يا عباد الله : للسخرية والاستهزاء عواقب وخيمة، ونتائج سيئة في الدنيا والآخرة.
فمنها أنه ارتكاب لما حرمه الله تعالى وحذر منه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ)). -
ومن عواقب السخرية أن صاحبها متوعّد بالويل والثبور كما قال تعالى: ((وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)). -
ومن عواقب السخرية أيضًا أنها تورث القطيعة والشحناء وتزيل المحبة والإخاء . -
ومن آثار السخرية أنها من طبع أهل الجاهلية ، وقد عيّر رجل مولى له بأمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) مخرج في الصحيح، ذلك لأن الطعن في الأنساب من خصال الجاهلية. -
ومن مفاسد السخرية أيضًا أنها أذية للمؤمنين وهذا من الخطورة ، ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ))،
وقال أحد السلف رحمه الله تعالى عندما ركبه الدَيْن وحُبِسَ به: "إني أعرف الذنب الذي أصابني هذا، عيّرت رجلًا منذ أربعين سنة، فقلت له: يا مفلس".
ومما يشهد لرجوع عاقبة السخرية على صاحبها قوله تعالى: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((من تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته)) أخرجه أحمد وأبو داود.
فاحرصوا أيها المؤمنون على الابتعاد عن هذا الخُلق الذميم واحفظوا ألسنتكم عن التعرض للناس واحتقارهم ففيكم عيوب وللناس ألسن.
أيها المؤمنون صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
المرفقات

1645768157_عواقب السخرية والاحتقار.docx

المشاهدات 1840 | التعليقات 0