عن قول رسول الله ( لقد وُفّق )

عبدالإله بن سعود الجدوع
1444/12/19 - 2023/07/07 03:15AM
إن الحمد لله ، لك الحمدُ ياربَّنا على الإسلام، ولك الحمدُ بالقرآن، ولك الحمدُ بالأهل والمال والمُعافاة. كبَتَّ عدوَّنا، وبسطْتَ رزقَنا، وأظهرتَ أمنَنا، وجمعتَ فُرقتَنا، وأحسنتَ مُعافاتَنا ، لك الحمدُ على ذلك كثيرًا، كما تُنعِمُ كثيرًا، لك الحمدُ بكل نعمةٍ أنعمتَ بها علينا في قديمٍ أو حديثٍ، أو سرٍّ أو علانيةٍ، أو خاصَّةٍ أو عامَّةٍ، .لك الحمدُ حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضِيت ولك الحمد بعد الرضى ، 
. أشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ،لا تَطِيب الحياةُ إلا بالقرب منه ونَيْل رضاه، -جل في علاه- ، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه  وخليلُه ومصطفاه، وأقربُ الخلقِ من مولاه ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلم تسليماً كثيراً ومن والاه .
أما بعد : ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)
ثم يا أيها الفضلاء : ورد في صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري أن أعْرابِيًّا عَرَضَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو في سَفَرٍ، فأخَذَ الأعرابي بخِطامِ ناقَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا رَسولَ اللهِ أخْبِرْنِي بما يُقَرِّبُنِي مِنَ الجَنَّةِ، وما يُباعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قالَ: فَكَفَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ في أصْحابِهِ، ثُمَّ قالَ رسول الله :    لقَدْ وُفِّقَ،      أوْ قال : لقَدْ هُدِيَ، قالَ: كيفَ قُلْتَ؟ قالَ: فأعادَ الأعرابي سؤاله ، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتي الزَّكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ،- ثم قال - دَعِ النَّاقَةَ.  
 
فمن التوفيق وسبل الثبات والهداية – أيها الكرام – أن نبحث ونسأل عما يقربنا إلى الله ، وعما يقربنا إلى الجنة ويباعدنا عن النار . والمؤمن العاقل الحصيف يُقبِل على الخير وما يُعِينُه عليه، ويَحرِص على ما يُرضي ربَّه ويُقرِّبه إليه، ويجتنب الأعمالَ التي تُبعِده عن مولاه، ويَحذَر قُربانَ ما يكون له خسارةٌ في دنياه وأُخراه .
وإن أعظمَ قرب يسعى له الموفق هو القُرْبُ من الله، والله – سبحانه - امتدَح  الذين يتنافسون في القرب منه مبيِّنًا حالَهم بأنهم: (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)  والمقربون من الله هم السابقون إلى الأعمال الصالحة  ، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) فذكر الله سبحانه مزية قربهم منه قبل أن يبدأ بذكر الثواب.. لأن قربهم من الله فوق كل شيء .
فيا أيها الكرام : على العبد أن يتعلم ما يُقرِّبه إلى الله، ويجعله عزيزًا عندَه؛ فثمةَ عباداتٌ مشروعةٌ، تكون سببًا في قرب العبد من ربه، فالتوبةُ إلى الله من أجَلِّ ما يُقرِّب المرءَ إلى مرضاة الله، ويُبعدِه عن مَساخِطه؛ كما قال نبي الله صالح -عليه السلام- لقومـه: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)أي:إنَّ ربي قريبٌ ممَّن أخلَص له العبادةَ ورَغِبَ إليه في التوبة مجيبٌ له إذا دعاه.  
والإحسانُ ذروةُ الأعمالِ، وخيرُ سبيل لرحمة الله ، وبه يَعظُم قربُه من ربه قال تعالى     (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[، قال ابن القيم -رحمه الله-: "حظُّ العبدِ من القرب من الله، على قَدْر حظه من مقام الإحسان، وبحسبه تتفاوت الصلاةُ حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل، كما بين السماء والأرض، وقيامُهما وركوعُهما وسجودُهما واحدٌ".  
ومِن أعظم ما يُورِث القربَ من الله.. ذكرُ العبد لربه؛ فعلى قدر ما يذكره يكون قربُه منه؛ ففي الحديث القدسي يقول الله -تعالى-: "أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذا ذَكرنِي"،  
وممَّا يتحقَّق به القربُ من الله أداء الفرائض، والإكثار من النوافل؛ ففي الحديث القدسي يقول الله -تعالى-: "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّه"، ومن أجَلِّ الفرائضِ التي يتقرَّب بها العبدُ إلى الله الصلاةُ والسجودُ لله -تعالى-؛ لذلك أرشَد اللهُ نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) فقوله (وَاسْجُدْ)اهتمامًا بالصلاة، وعطَف عليه (وَاقْتَرِبْ)للتنويه بما في الصلاة من جعَل المصلِّيَ مقترِبًا من الله -تعالى- خصوصا بالسجود ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاءَ"؛ فالسجود يحكي غايةَ الخضوع، والتواضعَ ، وكسرَ النفس لله -تعالى-، فإذا سجَد العبدُ لله فقد خالَف هواه، وقَرُبَ من مولاه، ودنا مِنْ رِضَاهُ، ولذلك أرشَد -صلى الله عليه وسلم- مَنْ سألَه مرافقتَه في الجنة بقوله: "فأَعِنِّي على نفسِكَ بكثرةِ السجودِ".  
والدعاءُ شأنُه عظيمٌ؛ فلله قَرُبَ ممن دعاه ، بالإجابة والمعونة أو إدخارها له في الآخرة، قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)   ومن القرب المحمود أن يكون المرء أقربَ منزلةً من القريب من ربه.. النبي -صلى الله عليه وسلم- ، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنْ أحبِّكم إليَّ، وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا". وممَّا عُرِفَ من سيرة قدوتنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان قريبًا من الناس، يتجلَّى فيه جميلُ الخلق وأدبُ المخالَطة وكل ما ورد أنه من حسن الخلق ، وقد بيَّن فضلَ ذلك العمل بقوله: "ألَا أُخبرُكم بمَنْ يحرم على النَّار؟ على كلّ هيِّن ليِّن قريب سهل"؛ أي: من صفاته أنه قريب من النَّاس وسهل وهيّن ليّن.
 
أيها المباركون : كما أن العبد يحرص على ما يقربه من ربه، فعليه أن يبتعد عما يَشينه ويسوؤه، وأن يكون بعيدًا عن كل ما يُوقِعُه في المحرمات، الصغائر منها والموبقات، فقد حذَّر اللهُ آدمَ وحواءَ -عليهما السلام- بقوله -عز وجل-: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْبَقَرَةِ: 35]، لكنَّ الشيطانَ أغواهما فأكَلَا منها، فكان ما كان من شأنهما، وممَّا نهَى اللهُ عن قربانه ماقاله -جل شأنه-: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)[الْأَنْعَامِ: 151]؛ أي: لَا تقربوا الذنوبَ العِظامَ المستفحشةَ، ما كان منها ظاهرًا، وما كان منها خَفِيًّا، وهذا يتناول النهيَ عن مقدماتها ووسائلها الْمُوصِلة إليها.، ومنها ما جاء في قوله -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 32]، فنهى عن الزنا وعن مقارَبتِه، وهو مخالَطةُ أسبابِه ودواعيه. وانظر لحرص حبيبك صلى الله عليه وسلم على عدم القرب من الفاحش والمنكر والذنب قال صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايقعد على مائدة تدار عليها الخمر ) فلاحظ !! هو لم يشربها لكن هذا المنكر أمامه وبقربه ، فنُهيَ عن ذلك لئلا يألف الانسان قرب المنكر منه  ،  فكما أن الطَّاعاتِ تقرّب إلى الجنَّة فالمعاصيَ تقرّب مِن النَّارِ ، قال صلى الله عليه وسلم: "الجنَّةُ أقربُ إلى أحدِكم من شراكِ نعلِه، والنَّارُ مثلُ ذلِكَ"؛ وشِراك النَّعلِ هو السير الذي يكون على ظهر القدم ويدخل في الإصبع ، ويضربُ به المثل في القرب .   اللهم قرّب منا ما تحب ، وبعّد عنا ماتبغض ، أقول هذا القول وأستغفر الله الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروا وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.    ********
 
 
الخطبة الثانية
  الحمد لله، لا قابض لما بسَط، ولا مُقرِّب لِمَا باعَد، ولا مُباعِد لِمَا قرَّب، ولا مُعطِيَ لِمَا منَع، ولا مانع لِمَا أعطى، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا . أما بعدُ، فيا عبادَ اللهِ:  إن الواجب علينا أن نغتنم أعمارنا في طاعة ربنا، حتى لا نتحسَّر عند موتنا، على ساعة مضت من عمرنا لم نتقرَّب فيها إلى بارئنا، ولْنَعْلَمْ أنَّ في قربنا من ربنا ونيلِ المكانةِ عنده، والمنزلةِ والحظوة، سعادةَ الدنيا والآخرة، وفي البُعد عنه أكبرَ خسارة، وأشدَّ ندامة، وأعظمَ شقاوة، كما علينا أن نَحذَر أسبابَ البعد عن الله، والطرد من رحمته والهلاك، فقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه صَعِدَ المنبرَ فقال: "آمين، آمين، آمين"، قيلَ : يا رسولَ اللَّهِ ، إنَّكَ حينَ صعِدتَ المنبرَ قلتَ : آمينَ آمينَ آمينَ ، فقالَ : إنَّ جبريلَ أتاني ، فقالَ : من أدرَكَ شَهْرَ رمضانَ ولم يُغفَرْ لَهُ فدخلَ النَّارَ فأبعدَهُ اللَّهُ ، قُل : أمين ، فقلتُ : آمينَ ،  ومن أدرَكَ أبويهِ أو أحدَهُما فلم يبرَّهما ، فماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَهُ اللَّهُ ، قل : آمينَ ، فقلتُ : آمينَ ، ومن ذُكِرتَ عندَهُ فلم يصلِّ عليكَ فَماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَهُ اللَّهُ ، قُل : آمينَ ، فقلتُ : آمينَ".    
 
   فالموفق هو من تسنح له هذه الفرص المذكورة في الحديث وتكون من سبل القرب من الله والنيل على مغفرة ذنوبه ، والحذر أشد الحذر ممن تعرض له هذه الفرص فيضيعها فلاتكون له سبيلا لمغفرة ذنوبه ، إذ تضمن الحديث دعاء من جبريل -عليه السلام- ومن النبي صلى الله عليه وسلم .
 
وفي الختام ياكرام : القُرْب من الله -تعالى- هو القوَّةُ الحقيقيةُ التي يملكها العبدُ، قال تعالى في معرض الامتنان على نبيه موسى -عليه السلام-: (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا)[مَرْيَمَ: 52]، فإن ذلك القُرْبَ هو الذي أعان موسى -عليه السلام- على تخطِّي كلَّ ما أصابه في مواجَهة فرعون والسحرة.   اللهم واجعلنا ممن يوفق للطاعات ويعان على القربات ويتوب من السيئات إنك سميع قريب مجيب الدعوات اللهم إنا نسألك ياكريم الجنةَ ونعـيمها ومايقرب لها.. ونعـوذ بك من النار ومايقرب منها .. يارب العـالمين   اللهم اجعلنا.. لك شاكرين.. لك ذاكرين ..لك مخبتين.. إليك أواهين منيبين 
 
      اللهم ويا رب العالمين آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.   اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والوزراء والأعوان لما فيه خير البلاد والعباد يارب العالمين    اللهم اغفر لنا أجمعين، اغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين .   اللهـم أحـسِـن عاقبتنا في الأمـور كلـها .. وأجـرِنا من خِـزي الدنيا وعـذاب الآخـرة ..   اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ياذا الجلال والإكرام  
المشاهدات 967 | التعليقات 0