عند الصباحِ يحمدُ القومُ السرى 9 / 2/ 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/02/08 - 2023/08/24 15:30PM

الخطبة الأولى / عند الصباحِ يحمدُ القومُ السرى ..  9/ 2/1445ه

الحمدلله الولي الحميد يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين  .. أما بعد ..

إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَى    ***     وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوّدَا

نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِهِ     ***       وأنكَ لمْ ترصدْ لما كانَ أرصدا

الدنيا مراحلُ ، والإنسانُ فيها يمضي بعمرهِ يتخطى تلك المراحلَ مرحلةً مرحلةً.. الطفولةُ ، ثم الشبابُ ، ثم الكُهُولةُ ، ثم الشيخوخةُ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ]

«وخَيْرٌكم، مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» ، فمن الناسِ ما تزيدُه الأعوامُ إلا رفعةً في إيمانهِ ، وثباتًا في دينهِ ، ورقيًا في خُلُقهِ ، وشموخًا في همتهِ ، ومنهم من تضيعُ نفائسُ عُمرهِ، وجوهرةُ شبابهِ، لاهثا خلف شهواتٍ نفسِه، وأمانيِّ احلامه، يسبحُ في غيرِ ماءٍ، ويطيرُ من غيرِ جناحٍ ، يعيشُ سباتَ التيهِ .. فما تزيدُهُ الأعوامُ إلا تذبذبًا في المنهجِ ، وضعفًا في الإيمانِ .. فتزلُ القدمُ عند أولِ عاصفةٍ ، وتتعثرُ الخطا عند أولِ فتنةٍ ، ويحتارُ العقلُ عند أدنى شبهةٍ ، فلا  يقينَ يُثبتُهُ ، ولا علمَ يهديهِ ..

أحداثٌ ومستجدَاتٌ وانفتاحٌ .. تزلُ معها أقدامٌ ، وتجعلُ من الحليمِ حيرانَ ، يحتاجُ معها الفطنُ تعاهدَ الإيمانِ ، والاستزادةَ من الباقياتِ الصالحاتِ، وتحصيلَ العلمِ النافعِ  .

قَالَ عُمَرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه ُ: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» وقَالَ البخاري: « وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ»

فيا حسرةَ الأعمارِ حينما تضيعُ نفائسُ العمرِ في غيرِ منفعةٍ .

أخرج الطبرانيُ في الكبير عن ابنِ مسعودٍ قال: «إِنِّي لَأَمْقُتُ أَنْ أَرَى الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمِلِ دُنْيَا، وَلَا آخِرَةٍ».

أَيْ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِذَهَابِ عمره. يروحُ ويجيءُ بلا طائلٍ ، وبلا هدفٍ ولا غايةٍ .

وفي ترجمةِ ابنِ وهبٍ: لا يكونُ البطالُ من الحكماءِ.

   وما أقبحَ التفريطَ في زمنِ الصبا  ...  فكيف به والشيبُ للرأسِ شاعلُ

   ترحّل من الدنيا بزادٍ من التقى  ...   فعُمرك أيامٌ وهن قلائلُ

لا تُطْلبُ السلعةُ الغاليةُ بالثمنِ التافهِ ، والمجدُ لا يُشترى بقولِ كاذبِ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا }

السيرُ بلا هدفٍ إهدارٌ للحياةِ ، وقيمةُ كلِ امرئٍ ما يحسنهُ .

عاشَ أبو بكرٍ بعدَ النبيٍ r سنتينِ وبضعةَ اشهرٍ أنجزَ فيها ما تعجزُ عن إنجازهِ الدولُ والحضاراتُ في قرونٍ .. حاربَ المرتدينَ ، وأعادَ الجزيرةَ إلى الإسلامِ، وحطمَ فارسَ وحاصرَ الرومَ، وفتحَ المدائنَ والقلاعَ، وفرضَ الجزيةَ ، وأمنَ الناسُ عربهُم وعجمُهم ، وجمعَ القرآنَ ونشرَ الإسلامَ. كلُ ذلك في ثلاثين شهرا. بركةً من اللهِ وصدقٍ من الصديق .

فمن هجرَ اللذاتِ نالَ المنـى   **    ومن أكبَ على اللذاتِ عضَ على اليدِ

قال ابنُ عباسٍ y لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُوْلُ اللهِ r قُلْتُ لِفتى مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ نَسْأَلُ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ فَإِنَّهُمُ اليَوْمَ كَثِيْرٌ، فَقَالَ: وَاعَجَباً لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r مَنْ تَرَى؟

فَتَرَكَ ذَلِكَ الرجلُ، وَأَقْبَلْتُ عَلَى المَسْألَةِ، ولزمتُ زيدَ بنَ ثابتٍ أغدوا إليه كلَ صباحٍ ، وبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذَا الفَتَى أَعقَلُ مِنِّي.

عند الصباحِ يحمدُ القومُ السرى    **   وتنجلي عنهم غياباتُ الكرى

 سَوف يُدركُ الجهولُ عِنْد انقضا الْعُمرِ سدى ..  كَيفَ ضَاعَ مِنْهُ فيندمُ

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبسنة سيد المرسلين، واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربكم لغفور شكور ..

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ،  والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد.

المسلمُ لا يقنعُ حتى يبلغَ من أعمالهِ غايتَها وأعلاها: فإن كان طالباً لم يقنع إلا بالتفوقِ ، وإن كان أباً لم يقصر في أن يبلغَ أبناؤه وبناتُه أن يكونوا قدواتٍ في الخير {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}، وكان عليه الصلاة والسلام يربي الأمةَ على طلبِ المعالي، قال لأصحابه (إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فإنه أوسطُ الجنةِ وأعلى الجنةِ وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )) أخرجه البخاري .

المسلمُ لو كان صانعاً لا يرضى بمنزلةٍ دون الإتقانِ ، فلا قيمةَ لمن اتكلَ على غيرِهِ، ونظر إلى الأسفلِ على الدوام .

وإذا باركَ اللهُ في حياةِ الإنسانِ نفعَ نفسَهُ وانتفعَ منهُ أهلُهُ والناسُ .. رأى الناسُ في حياةِ ابنِ بازٍ عجبا .. يُعلمُ ويُفتي، ويَقضي ويَوجهُ ، ويُحاضرُ ويَحْضرُ، وترأسَ أعمالاً ووزاراتٍ، ومع ذلك كلِّهِ له وردٌ من قيامِ الليلِ وقراءةِ القرآنِ.

قد مات قومٌ وما ماتت مكارمُهم ***وعاش قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ

قلةُ البركةِ في الأعمارِ تظهرُ حينما تمرُ السنةُ والسنتان والعشرُ، والواحدُ منا لم يتجاوز مكانَهُ، في عبادتهِ، في علمهِ، في حفظهِ لكتابِ اللهِ، في تفقههِ في دينهِ، في تربيتِهِ لأسرتهِ، في نفعهِ للآخرين . لا يستشرفُ علواً ، ولا يتطلعُ سموا.

   ومن لم يزده السنُ ماعاش عبرةً   **   فذاكَ الذي لايستنيرُ بنورِ

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

هذا خبرُ يقينٍ : أنه لابدَ لكلِ من عملِ صالحاً ونفعَ نفسَهُ والآخرينَ سيحييهِ اللهُ حياةً طيبةً، بحسَبِ إيمانهِ وعملِه: {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}    

 

 اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ...

 

المرفقات

1692880261_عند الصباحِ يحمدُ القومُ السرى.docx

1692880298_عند الصباحِ يحمدُ القومُ السرى.pdf

المشاهدات 1393 | التعليقات 0