عندما ينتقد عميد الفلاسفة الفلسفة
احمد ابوبكر
1434/03/26 - 2013/02/07 16:25PM
عندما ينتقد عميد الفلاسفة الفلسفة
أ.د. خالد بن منصور الدريس
في مطالعاتي حول الفلسفة وتاريخها وسير أساطينها ، وقفت على بعض النصوص المتضمنة لنقد بعض الفلاسفة للفلسفة بصفة عامة أو لبعض مدارسها ومشاهير منظريها الكبار ، وظهر لي شدة الخلاف بين المدارس الفلسفية إلى حد التناقض في طرحهم للمسألة الواحدة من أمهات المسائل الأساسية ، مع تمسك كل أصحاب طرف بأن نظرتهم هي الصحيحة ، وإقامة الأدلة على بطلان رأي مخالفيهم ، وهذه الوثوقية المتفشية في كثير من الآراء الفلسفية ، لا تتفق مع روح (التفلسف) كما يزعمون ، تلك الروح التي يُفترض فيها أنها تحارب التحيز والهوى وتُعلي من شأن الموضوعية والدقة .
:
تناحر عقول الفلاسفة .
كما أن الاضطراب الشديد الذي يعم مسائل الفلسفة القديمة والحديثة لا يتلاءم مع اعتماد الفلاسفة على العقل وتقديسه إلى حد الغلو باعتبار أنه (المنقذ) الوحيد للإنسانية ، حيث كان من المفترض أن يؤدي العقل بهم إلى النتائج ذاتها ، لا أن يصل بهم إلى التناقض في الأصول العظمى للفلسفة ، إن كل ما سبق يشكك في مصداقية المنطلقات الفلسفية ، بل وينعكس على جدوى (التفلسف) إذا كان سيفضي إلى تشظي النفس وحيرة العقل ، ولأن هذا الكلام يصدر عن متخصص في علوم الشريعة فلن يجد صدى لدى بعض الشباب المنبهرين بالفلسفة ودورها في تنمية التفكير ، لذا رأيت أن أستعرض انتقادات بعض الفلاسفة ودارسيها في الفلسفة بصفة عامة أو بصفة خاصة تتعلق ببعض مدارسها ومذاهبها .
:
هل الفلسفة العلاج الناجع لمنع ظهور الجماعات المتطرفة ؟
لقد رأيت في السنوات الأخيرة إعجاباً بالفلسفة ينمو بسرعة في أوساط بعض ناشئتنا من بنين وبنات ، وتزايداً في ثقتهم بها إلى حد الإفراط بأنها سبب في التقدم والخروج من حالة التخلف الحضاري ووسيلة لعلاج التعصب والانغلاق الفكري ، بل بلغ الأمر بالبعض إلى تبني القول بأن سبب نشوء الفكر التكفيري لدى جماعات الغلو والعنف هو غياب تدريس الفلسفة في مدارسنا وجامعاتنا ، متناسياً أن بعض البلاد التي ضربتها موجات تطرف وعنف كمصر والجزائر والمغرب وتونس ، كانت المواد الفلسفية تدرس في ثانوياتها ، وتوجد أقسام متخصصة للفلسفة في جامعاتها منذ عقود ، ولم يمنع ذلك من ترعرع الحركات المتطرفة دينياً فيها .
:
من هو برتراند راسل ؟
وسأبدأ في هذه المقالة بنقل بعض آراء (عميد فلاسفة) القرن العشرين برتراند راسل في الفلسفة ، وهذا الفيلسوف عاش مائة سنة إلا قليلاً فقد ولد سنة 1872 ، وتوفي سنة 1970م ، وكان ملحداً متصلباً وقد قدم مسوغات إلحاده في محاضرة له بعنوان : (لماذا لست مسيحياً ؟) حشد فيها أسبابه لرفضه للدين ، إلا أنه في آخر عمره لم يُخفِ أنه يميل أحياناً إلى نوع من اللا أدرية التي لا تخرج في وجهة نظرنا عن كونها إلا إلحاداً مقنعاً ولكن مع بعض (التبرج = المكياج) لتلطيف دمامة الإلحاد وقبح ملامحه ونتنه ، وعُرف عنه بأنه من أكثر الفلاسفة إنتاجًا على مدى تاريخ الفلسفة لما يتمتع به من حيوية وتدفق في الأفكار وسهولة في شرح الموضوعات الصعبة بلغة ميسرة تصل لعموم الناس بلا صعوبة ، كما أشتهر بأنه صاحب مواقف سياسية معارضة ، وداعية سلام عالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وقد كتب بنفسه سيرته الذاتية ، كما كتب عن كيفية تطور فلسفته .
:
ومن أجمع وأدق ما كتب عن سيرته الذاتية كتاب (برتراند راسل بين الشك والعاطفة) نشره آلان وود في النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين ، وقد تضمن مقابلات شخصية معه بالإضافة إلى دراسة مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته .
:
ندم عميد الفلاسفة على دراسته للفلسفة !
وفي (ص230) من الكتاب نفسه نجد عبارة لعميد فلاسفة القرن العشرين يقول فيها عن الفلسفة بأنها : ( موضوع غير ذي فائدة ) وينصح الشباب بألا يضيع وقته فيها . ثم قال : ( لقد بين فلاسفة أكسفورد أن الفلسفة شيء لا معنى له ، وإني أجد نفسي الآن نادماً على شبابي الذي ضيعته في دراستها ) .
وقال أيضاً مبيناً بكلمات لا تخلو من قسوة الحقيقة وألم الندم : ( إنني اضطررت وأنا أتألم إلى الاعتقاد بأن تسعة أعشار ما يُسمى فلسفة لا يعدو أن يكون لغواً ، وأن الجزء الوحيد منها الذي يتميز بالدقة والتحديد هو المنطق ، وبما أن هذا الجزء ينتمي إلى المنطق فإنه لا يدخل في دائرة الفلسفة ) .
:
سخريته اللاذعة من فلسفة التحليل اللغوي .
وعندما انتشرت في بريطانيا فلسفة ما يسمى بـ (التحليل اللغوي) لدى بعض فلاسفة جامعة أكسفورد ، تولى (برتراند راسل ) نقدها نقداً لاذعاً فقال كما في ( ص 236) من المرجع السابق : ( إن مناقشة ماذا يقصده الأغبياء حين يقولون أشياء تافهة مناقشة لا تنتهي ؛ قد تكون شيئاً مسلياً ، ولكنها لا يمكن أن تكون شيئاً مهماً )، ثم سخر راسل من موقف بعض الفلاسفة المحدثين عن طريق قصة رواها عن صاحب حانوت سأله ذات مرة عن أقصر طريق للوصول إلى "وينشستر" ، فنادى صاحب الحانوت على رجل في المسكن الواقع خلف حانوته قائلاً :
- عندي رجل كريم يريد أن يعرف أقصر طريق إلى "وينشستر"
- "وينشستر" ؟
- نعم
- الطريق إلى "وينشستر" ؟
- نعم
- أقصر طريق ؟
- نعم
- لا أعرف !!
يقول راسل معلقاً بسخرية من هذه المدرسة الفلسفية التي تهتم بتحليل الكلمات في الحياة العامة وترى أن مهمة الفلسفة هي في القيام بذلك : ( لقد أراد الرجل أن يستجلي طبيعة السؤال ولكنه لم يهتم بالإجابة عنه ، وهذا بالضبط ما تفعله الفلسفة الحديثة في نظر من يبحث في جدية عن الحقيقة . فهل يثير دهشتنا بعد ذلك أن يتجه الشباب إلى الدراسات الأخرى ؟!)
:
هل الفلسفة علم موضوعي ؟
وقد طبق "راسل" يأسه من الفلسفة عملياً حين اتجه بعد بلوغه للثمانين من عمره إلى كتابة القصص ، فقد قال كما في (ص 237) : ( لقد كرست الثمانين عاماً الأولى في حياتي للفلسفة ، وإنى أقترح أن أكرس الثمانين عاماً التالية لفرع آخر من فروع الخيال )، ففي هذه العبارة الساخرة يقرن الفلسفة بالخيال الذي هو نقيض الحقيقة والموضوعية ، ويعلن أنه سيوجه طاقته واهتمامه إلى ميدان آخر من ميادين الخيال يشير بذلك إلى كتابة القصص .
:
اليأس من فلسفة يتحدث فيها المرء عما لا يفهمه !
ويفسر كاتب سيرته " آلان وود " الأحكام السابقة بأن " راسل " وصل في بعض حالاته النفسية إلى حد اليأس من الفلسفة برمتها ، وعلل ذلك بأن الفلاسفة غالباً ما يكون حديثهم غامضاً ومضطرباً ، ولكن هذا ناجم بالضرورة عن خاصية في الفلسفة – كما يرى " وود " - وهي أنها تبحث عن حلول لم يتوصل إليها أحد بعد ، ثم أتبع كلامه السابق بقوله : (ولعلني أعرف الفلسفة- كشيء أدافع عنه حتى الموت ! - بأنها حق المرء في التحدث عن أشياء لا يفهمها ) .
:
سخرية تلميذ " راسل " من الفلاسفة !
ولكن " وود " وهو دارس للفلسفة دراسة أكاديمية يسخر من الفلاسفة كملهمه الكبير وأستاذه "راسل " في مثال لا يخلو من طرافة ، فهو يرى أنه إذا كان لنا أن نرتب الجنس البشري حسب متوسط " الأمانة الفكرية " فإنه سيضعه على النحو الآتي :
- المرتبة الأولى : لاعبو الكريكيت المحترفين
- المرتبة الثانية : العلماء المتخصصين في الفيزياء والطب والهندسة والأحياء ونحو ذلك من علوم تجريبية .
- ثم قال : ( ثم الفلاسفة المحترفين في مرتبة أدنى بكثير ، ذلك أنه من المستحيل أن يكون لاعب الكريكيت زائفاً أو دجالاً . فإذا تظاهر بأنه أفضل في إتقانه للعبته عما هو عليه ، فسوف يُكشف أمره من أول كرة يلعبها . كما أن العالم الذي يستحدث نظرية يعرف عادة أنه يمكن إثبات صحتها أو خطئها بالاختبار العلمي . أما الفيلسوف فهو لا يحتاج إلا لكتابة كتاب لا يفهمه أحد ، دون أن يستطيع إنسان خلال الفترة الباقية من حياته أن يتأكد ما إذا كان عبقرياً أم دعياً ) ثم أخذ يمدح الفلسفة ، ولكن بعد أن كشف عورتها وأبان عن أن غموض العبارات مطية للإدعاء الفلسفي والخواء المعنوي .
:
فماذا أبقى من هيبة الفلسفة بعد ذلك ؟! لقد أسقط ورقة التوت الأخيرة عنها لتقف وحيدة في العراء منبوذة مهجورة كما لو كانت تحمل مرضاً معدياً !
أ.د. خالد بن منصور الدريس
في مطالعاتي حول الفلسفة وتاريخها وسير أساطينها ، وقفت على بعض النصوص المتضمنة لنقد بعض الفلاسفة للفلسفة بصفة عامة أو لبعض مدارسها ومشاهير منظريها الكبار ، وظهر لي شدة الخلاف بين المدارس الفلسفية إلى حد التناقض في طرحهم للمسألة الواحدة من أمهات المسائل الأساسية ، مع تمسك كل أصحاب طرف بأن نظرتهم هي الصحيحة ، وإقامة الأدلة على بطلان رأي مخالفيهم ، وهذه الوثوقية المتفشية في كثير من الآراء الفلسفية ، لا تتفق مع روح (التفلسف) كما يزعمون ، تلك الروح التي يُفترض فيها أنها تحارب التحيز والهوى وتُعلي من شأن الموضوعية والدقة .
:
تناحر عقول الفلاسفة .
كما أن الاضطراب الشديد الذي يعم مسائل الفلسفة القديمة والحديثة لا يتلاءم مع اعتماد الفلاسفة على العقل وتقديسه إلى حد الغلو باعتبار أنه (المنقذ) الوحيد للإنسانية ، حيث كان من المفترض أن يؤدي العقل بهم إلى النتائج ذاتها ، لا أن يصل بهم إلى التناقض في الأصول العظمى للفلسفة ، إن كل ما سبق يشكك في مصداقية المنطلقات الفلسفية ، بل وينعكس على جدوى (التفلسف) إذا كان سيفضي إلى تشظي النفس وحيرة العقل ، ولأن هذا الكلام يصدر عن متخصص في علوم الشريعة فلن يجد صدى لدى بعض الشباب المنبهرين بالفلسفة ودورها في تنمية التفكير ، لذا رأيت أن أستعرض انتقادات بعض الفلاسفة ودارسيها في الفلسفة بصفة عامة أو بصفة خاصة تتعلق ببعض مدارسها ومذاهبها .
:
هل الفلسفة العلاج الناجع لمنع ظهور الجماعات المتطرفة ؟
لقد رأيت في السنوات الأخيرة إعجاباً بالفلسفة ينمو بسرعة في أوساط بعض ناشئتنا من بنين وبنات ، وتزايداً في ثقتهم بها إلى حد الإفراط بأنها سبب في التقدم والخروج من حالة التخلف الحضاري ووسيلة لعلاج التعصب والانغلاق الفكري ، بل بلغ الأمر بالبعض إلى تبني القول بأن سبب نشوء الفكر التكفيري لدى جماعات الغلو والعنف هو غياب تدريس الفلسفة في مدارسنا وجامعاتنا ، متناسياً أن بعض البلاد التي ضربتها موجات تطرف وعنف كمصر والجزائر والمغرب وتونس ، كانت المواد الفلسفية تدرس في ثانوياتها ، وتوجد أقسام متخصصة للفلسفة في جامعاتها منذ عقود ، ولم يمنع ذلك من ترعرع الحركات المتطرفة دينياً فيها .
:
من هو برتراند راسل ؟
وسأبدأ في هذه المقالة بنقل بعض آراء (عميد فلاسفة) القرن العشرين برتراند راسل في الفلسفة ، وهذا الفيلسوف عاش مائة سنة إلا قليلاً فقد ولد سنة 1872 ، وتوفي سنة 1970م ، وكان ملحداً متصلباً وقد قدم مسوغات إلحاده في محاضرة له بعنوان : (لماذا لست مسيحياً ؟) حشد فيها أسبابه لرفضه للدين ، إلا أنه في آخر عمره لم يُخفِ أنه يميل أحياناً إلى نوع من اللا أدرية التي لا تخرج في وجهة نظرنا عن كونها إلا إلحاداً مقنعاً ولكن مع بعض (التبرج = المكياج) لتلطيف دمامة الإلحاد وقبح ملامحه ونتنه ، وعُرف عنه بأنه من أكثر الفلاسفة إنتاجًا على مدى تاريخ الفلسفة لما يتمتع به من حيوية وتدفق في الأفكار وسهولة في شرح الموضوعات الصعبة بلغة ميسرة تصل لعموم الناس بلا صعوبة ، كما أشتهر بأنه صاحب مواقف سياسية معارضة ، وداعية سلام عالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وقد كتب بنفسه سيرته الذاتية ، كما كتب عن كيفية تطور فلسفته .
:
ومن أجمع وأدق ما كتب عن سيرته الذاتية كتاب (برتراند راسل بين الشك والعاطفة) نشره آلان وود في النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين ، وقد تضمن مقابلات شخصية معه بالإضافة إلى دراسة مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته .
:
ندم عميد الفلاسفة على دراسته للفلسفة !
وفي (ص230) من الكتاب نفسه نجد عبارة لعميد فلاسفة القرن العشرين يقول فيها عن الفلسفة بأنها : ( موضوع غير ذي فائدة ) وينصح الشباب بألا يضيع وقته فيها . ثم قال : ( لقد بين فلاسفة أكسفورد أن الفلسفة شيء لا معنى له ، وإني أجد نفسي الآن نادماً على شبابي الذي ضيعته في دراستها ) .
وقال أيضاً مبيناً بكلمات لا تخلو من قسوة الحقيقة وألم الندم : ( إنني اضطررت وأنا أتألم إلى الاعتقاد بأن تسعة أعشار ما يُسمى فلسفة لا يعدو أن يكون لغواً ، وأن الجزء الوحيد منها الذي يتميز بالدقة والتحديد هو المنطق ، وبما أن هذا الجزء ينتمي إلى المنطق فإنه لا يدخل في دائرة الفلسفة ) .
:
سخريته اللاذعة من فلسفة التحليل اللغوي .
وعندما انتشرت في بريطانيا فلسفة ما يسمى بـ (التحليل اللغوي) لدى بعض فلاسفة جامعة أكسفورد ، تولى (برتراند راسل ) نقدها نقداً لاذعاً فقال كما في ( ص 236) من المرجع السابق : ( إن مناقشة ماذا يقصده الأغبياء حين يقولون أشياء تافهة مناقشة لا تنتهي ؛ قد تكون شيئاً مسلياً ، ولكنها لا يمكن أن تكون شيئاً مهماً )، ثم سخر راسل من موقف بعض الفلاسفة المحدثين عن طريق قصة رواها عن صاحب حانوت سأله ذات مرة عن أقصر طريق للوصول إلى "وينشستر" ، فنادى صاحب الحانوت على رجل في المسكن الواقع خلف حانوته قائلاً :
- عندي رجل كريم يريد أن يعرف أقصر طريق إلى "وينشستر"
- "وينشستر" ؟
- نعم
- الطريق إلى "وينشستر" ؟
- نعم
- أقصر طريق ؟
- نعم
- لا أعرف !!
يقول راسل معلقاً بسخرية من هذه المدرسة الفلسفية التي تهتم بتحليل الكلمات في الحياة العامة وترى أن مهمة الفلسفة هي في القيام بذلك : ( لقد أراد الرجل أن يستجلي طبيعة السؤال ولكنه لم يهتم بالإجابة عنه ، وهذا بالضبط ما تفعله الفلسفة الحديثة في نظر من يبحث في جدية عن الحقيقة . فهل يثير دهشتنا بعد ذلك أن يتجه الشباب إلى الدراسات الأخرى ؟!)
:
هل الفلسفة علم موضوعي ؟
وقد طبق "راسل" يأسه من الفلسفة عملياً حين اتجه بعد بلوغه للثمانين من عمره إلى كتابة القصص ، فقد قال كما في (ص 237) : ( لقد كرست الثمانين عاماً الأولى في حياتي للفلسفة ، وإنى أقترح أن أكرس الثمانين عاماً التالية لفرع آخر من فروع الخيال )، ففي هذه العبارة الساخرة يقرن الفلسفة بالخيال الذي هو نقيض الحقيقة والموضوعية ، ويعلن أنه سيوجه طاقته واهتمامه إلى ميدان آخر من ميادين الخيال يشير بذلك إلى كتابة القصص .
:
اليأس من فلسفة يتحدث فيها المرء عما لا يفهمه !
ويفسر كاتب سيرته " آلان وود " الأحكام السابقة بأن " راسل " وصل في بعض حالاته النفسية إلى حد اليأس من الفلسفة برمتها ، وعلل ذلك بأن الفلاسفة غالباً ما يكون حديثهم غامضاً ومضطرباً ، ولكن هذا ناجم بالضرورة عن خاصية في الفلسفة – كما يرى " وود " - وهي أنها تبحث عن حلول لم يتوصل إليها أحد بعد ، ثم أتبع كلامه السابق بقوله : (ولعلني أعرف الفلسفة- كشيء أدافع عنه حتى الموت ! - بأنها حق المرء في التحدث عن أشياء لا يفهمها ) .
:
سخرية تلميذ " راسل " من الفلاسفة !
ولكن " وود " وهو دارس للفلسفة دراسة أكاديمية يسخر من الفلاسفة كملهمه الكبير وأستاذه "راسل " في مثال لا يخلو من طرافة ، فهو يرى أنه إذا كان لنا أن نرتب الجنس البشري حسب متوسط " الأمانة الفكرية " فإنه سيضعه على النحو الآتي :
- المرتبة الأولى : لاعبو الكريكيت المحترفين
- المرتبة الثانية : العلماء المتخصصين في الفيزياء والطب والهندسة والأحياء ونحو ذلك من علوم تجريبية .
- ثم قال : ( ثم الفلاسفة المحترفين في مرتبة أدنى بكثير ، ذلك أنه من المستحيل أن يكون لاعب الكريكيت زائفاً أو دجالاً . فإذا تظاهر بأنه أفضل في إتقانه للعبته عما هو عليه ، فسوف يُكشف أمره من أول كرة يلعبها . كما أن العالم الذي يستحدث نظرية يعرف عادة أنه يمكن إثبات صحتها أو خطئها بالاختبار العلمي . أما الفيلسوف فهو لا يحتاج إلا لكتابة كتاب لا يفهمه أحد ، دون أن يستطيع إنسان خلال الفترة الباقية من حياته أن يتأكد ما إذا كان عبقرياً أم دعياً ) ثم أخذ يمدح الفلسفة ، ولكن بعد أن كشف عورتها وأبان عن أن غموض العبارات مطية للإدعاء الفلسفي والخواء المعنوي .
:
فماذا أبقى من هيبة الفلسفة بعد ذلك ؟! لقد أسقط ورقة التوت الأخيرة عنها لتقف وحيدة في العراء منبوذة مهجورة كما لو كانت تحمل مرضاً معدياً !