عندما يفرح الصحابة !

سامي بن محمد العمر
1446/07/09 - 2025/01/09 16:47PM

عندما يفرح الصحابة

 

عندما يفرح الصحابة...  فثمَّ أمرٌ عظيم.

عندما يفرح الصحابة... فهناك فضلٌ وتكريمٌ وزيادةُ خيرٍ ونعيم.

بعدما يربو على ألف وأربعمئة من السنين والأعوام؛ مازال صداه يتردد في آذان المحبين، وما زالت حلاوته تنعش قلوب الصالحين.

في تلك الأعوامِ كلِّها... كانت حقيقتُه عروةً يتمسك بها المحبون، ومنارةً يستضيء بها المتعبدون، ويهتدي بها السائرون، ويشمر لها السابقون، ويتنافس فيها المتنافسون.

"فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون. وهي الحياةُ التي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنورُ الذي من فقده فهو في بحار الظلمات.

والشفاءُ الذي من عُدمه حلت بقلبه جميع الأسقام. واللذةُ التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام....

تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها. وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها. وتبوِئُهم من مقاعد الصدق مقاماتٍ لم يكونوا لولاها داخليها. وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب. وطريقُهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب"([1]).

ولم لا يفرح الصحابة؟ وقد رأوا - وذاك من خوفهم - أنهم في العبادة مقصرون، ومن الأعمال الصالحة مقلون، وإلى المنازل العليا متطلعون، ولرحمة ربهم راجون ومبتغون..

إذْ بالفرج يطل عليهم، وإذْ بالرحمة تغشاهم، وإذْ بالفضل يعمهم..

فهذا رجل من المسلمين يقوده لطف الله بهذه الأمة ليقف أمام الرحمة المهداة صلى الله عليه وآله وسلم ليسأل عن أمرٍ لا علم لأحد به، ولا يد لأحد فيه:

 يا رسول الله؛ متى الساعة؟

فيجيبه بأبي هو وأمي مرشداً له للأمر الذي كان ينبغي أن يعتني به، ويصرف همه إليه؛ فيقول: (وماذا أعددت لها؟)

ماذا أعددنا لها؟ سؤال ما أصعب إجابته لو وُجِّه إلينا

ماذا أعددنا لها؟ ومنا الغافلون اللاهون الساهون البطالون إلا من رحم الله.

ماذا أعددنا سوى التقصير والتفريط والعجز والكسل وضياع الأوقات والاهتمام بالأمور التافهات والعلوم الزائلات.

ولكن.. لم ينته المشهد بعد.

فربما كان عندنا شيء من جواب ذاك الصحابي نتمسك به، ونبقى عليه.

بلى... يمكننا ذلك؛ فقد أجاب الصحابي بمثل حالنا وزاد زيادة جاء معها الفرج.

(وماذا أعددت لها؟) قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أنت مع من أحببت». قال أنسٌ راوي الحديث: فما فرحنا بعد الإسلام بشيء، فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت»

قال أنس: «فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم» متفق عليه([2]).

فما أعظمه من أمر يُلحق المقصر بالمشمر، والمتأخر بالمتقدم، ورجاؤنا بالله وحسن ظننا فيه أن يلحقنا بركبهم وإن كنا مقصرين، ويدخلنا في رحمته وإن كنا غير مستأهلين([3]).

 

بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية

 

أما بعد:

عباد الله: فإنه  لا بد لكل مدعٍ من بينة، ولا بد لكل دعوى من اختبار، وقد ادّعى أقوام محبة الله فامتحنهم الله بهذه الآية (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).

ومن كمال المحبة لله ورسوله تركُ محبة من يعاديهما بالكفر والفسوق والعصيان، وهجر متابعة أهل التفاهة والبطالة والخسران..

"فَإِذا تصادمت جيوش الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي قَلْبك وَأَرَدْت أَن تعلم من أَي الْفَرِيقَيْنِ أَنْت فَانْظُر مَعَ من تميل مِنْهُمَا وَمَعَ من تقَاتل إِذْ لَا يمكنك الْوُقُوف بَين الجيشين فَأَنت مَعَ أَحدهمَا لَا محَالة"([4])

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهَ يَقُولُ يَا لَيْتَني اتّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبيلاً يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلاناً خَلِيلا لَقَدْ أَضَلّنِي عَنِ الذكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءني وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}

 

اللهم اهدنا فيمن هديت...

 

 



([1]) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 8)
([2]) صحيح البخاري (5/ 12) 3688، صحيح مسلم (4/ 2032) (2639)
([3]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 647) بتصرف
([4]) الفوائد لابن القيم (ص: 194)

المرفقات

1736430450_عندما يفرح الصحابة.docx

1736430451_عندما يفرح الصحابة.pdf

المشاهدات 631 | التعليقات 0