عندما نحذر من الإسراف

عبد الله بن علي الطريف
1437/04/13 - 2016/01/23 18:33PM
عندما نحذر من الإسراف 1437/4/12 هـ
أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِراً، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.. أما بعد..
أيها الإخوة: لقد منَّ اللهُ تعالى علينا بأن جعلَنا مسلمين، وأتم علينا نعمته فأكمل لنا الدين ورضيَ لنا الْإِسْلَامَ دِينًا فقال سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3] ومن كمال هذا الدين أن الله تعالى حذرنا من الإسراف أشد تحذير.. وأعلن للأمة عدم حبه للمسرفين في غير ما موضع من كتابه الكريم فقال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (وَلا تُسْرِفُوا) أي في الأكل والشرب واللباس والزينة، والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادةِ الترفهِ والتَّنَوُّقِ [التجوَّد والمبالغة] في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام.
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فإن السرف يبغضه اللّه، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما.
وحتى أنه سبحانه نهى عن الإسراف في العطاء الذي يجحف برب المال فقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام:141]. وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح.. وقال السدي: ولا تسرفوا، أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. وقال الزجاج: على هذا إذا أعطى الإنسان كلَّ ماله، ولم يوصل إلى عياله شيئًا فقد أسرف.
وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67] (أَنْفَقُوا) النفقات الواجبة والمستحبة (لَمْ يُسْرِفُوا) بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، (وَلَمْ يَقْتُرُوا) فيدخلوا في باب البخل والشح (وَكَانَ) إنفاقهم (بَيْنَ ذَلِكَ) بين الإسراف والتقتير (قَوَامًا) يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم.
قال ابن كثير: أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصرون في حقِّهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ، كما قال: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) [الإسراء:29]
نعم حذرنا ديننا من الإسراف وهو تجاوز الحد حتى في النفقات الواجبة أو المستحبة على حد سواء ونهى في المقابل عن التقتير بالبخل والشح وسلك بنا الوسطية في ذلك.. وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ" رواه أحمد وحسنه الألباني عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة؛ فإنَّ السرف في كلِّ شيء يضرُّ بالجسد، ويضرُّ بالمعيشة؛ فيؤدِّي إلى الإتلاف، ويضرُّ بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضرُّ بالنفس حيث تكسبها العجب، وتضرُّ بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس..
نحذر من الإسراف لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذر من إضاعة المال وهي: إنْفَاقَه في غير طاعةِ اللّه تعالى والإسراف والتَّبذير.. وجعلها مما يكره ربنا سبحانه فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وأنْ تُناصِحُوا مَنْ وَلاّه الله أَمْرَكُمْ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ». رواه مسلم عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
نحذر من الإسراف لعدم محبة الله للمسرفين والمبذرين قال تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141].
نحذر من الإسراف لأنه يفضي إلى طلب المال بالكسب الحرام يجرُّ إلى مذمَّات كثيرة.. لأنَّ المسرف ربما ضاقت به المعيشة، نتيجة لإسرافه؛ وإذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذَّة إلى ملذَّة فلا يقف عند حدٍّ.
نحذر من الإسراف والتبذير لأنه من صفات إخوان الشياطين.. قال تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:26-27].
قال السعدي: لأنَّ الشيطان لا يدعو إلا إلى كلِّ خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوالَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].
نحذر من الإسراف والتبذير لأننا سنتعرض للمسائلة والحساب الدقيقين يوم القيامة قال الله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:8،7،6] وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » رواه الترمذي والدارمي عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ رضي الله عنه وصححه الألباني.


الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله المؤيد ببرهانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثير. أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،71] نعم أيها الأحبه: سنسأل عن أموالنا من أين اكتسبنها، أمن حلال أمن حرام؟! وفيما أنفقنها أفي البرِّ والمعروف أو في الإسراف والتبذير؟! والهدر يروى أن أحد السعوديين المبتعثين استضاف مجموعة من أصدقائه في أحد المطاعم وطلبوا من الأكل ما زاد على حاجتهم وقاموا وتركوا بقية الطعام كحال كثير منا هنا.. وذهب المضيف للحساب فرأى صاحبة المطعم متجهمة الوجه يظهر عليها الغضب وقالت له لما طلبتم أكثر من حاجتكم فقال سندفع ثمنه فقالت ليس المقصود دفع القيمة فقط وإنما أهدرتم بفعلكم هذا مقدراً وطنياً لبلادنا.! واتصلت على جهة مختصة وحررت له مخالفة يدفع بسببها مبلغاً مالياً لهذا الفعل المحرم عندهم..
كم منا من يستحق عشرات المخالفات لوجود الهدر العظيم عندنا فعندنا هَدرٌ بالمياهِ ، وهَدرٌ بالكهرباء ، وهَدرٌ باستخدام السيارات والمركبات.. خذْ مسحاً سريعاً على أماكن تشليح السيارات لترى العجب غير الأعداد الضخمة ممن مات أو أعيق أو بقي بين الحياء بنفس ونبض فقط!
كم عندنا من السَرفِ في الأثاث ، والملابس ، والممتلكاتِ والكماليِّات..
خذْ جولةً في سوق القشلة كما يسمى أو في المستودع الخير أو زر مرمى النفايات لتقتنع بنجاحِنا في الهَدرِ بكل جدارة.! أسمع عن الهدر في الطعام لتسمع الأرقام الفلكية من الهدر ..
قال رئيسُ جمعيةِ إطعام في المنطقة الشرقيه: إنَّ الوجباتِ التي تم حفظها في الجمعية عام 2014 تجاوزت 7 ملايين وجبةً في منطقة الرياض والشرقيه فقط.!! وإلى أن ثلث الطعام الذي يُطبخ يذهب هدراً في النفايات .ونقل بيانٌ عن وزارة الزراعة السعودية وجود كميات كبيرة من المواد الغذائية لا تتمّ الإستفادة منها، وأن حجم الفاقد من الهدر الغذائي بلغ 250 كجم للفرد الواحد سنوياً.
وأن قيمة المهدر من الرز فقط مليار ونصف ريال..
أحبتي: ومن الإسراف المقيت والانهزام النفسي الأكيد نوع من الإسراف غريب بلي به شريحة من الأمة كبيرة خصوصاً أولئك المكبون على وسائل التواصل الاجتماعي.. ألا وهو الإسراف على النفس والأمة بترويج مقاطع الفديو التي تحكي الإسراف والتبذير ظناً منه أنه يحارب التبذير بإرسال مقاطعه وما علم أنه يروج لها ويروج لفعل مشين في المجتمع فيطلع عليها العدو فتفرحه.. ويطلع عليها الصديق فتغمه..
وبعد: أدعوكم أحبتي جميعاً ونفسي إلى التبصر في عواقب الإسراف ونتائجه وأضراره على الدين واستقرار النعمة واقتصاد الأمة ومقدراتها..
إننا يجب أن نوجه كل من سلك مسلكاً فيه إسراف.. ليتنا نوجه أهل الولائم بعدم المبالغة وأن حسن الضيافة ليس بالمبالغة بكثرة الطعام.. ونوجه الضيوف خصوصاً من وضع لهم الطعام ليغرفوا منه حاجتهم بأن يأخذوا بقدر الحاجة فقط..
ونوجه أبناءنا بالاقتصاد باستعمال المركبات وأنها لم تصنع لإهلاكها روحة وجيئة في الطرقات والبراري والعبث بها والتفحيط وغيرها من الهدر..
ليتنا نرشد استخدام الكهرباء والماء والهاتف وغيرها فهي مقدرات وطنية للأمة وهدرها إضاعة للمال الذي نهينا عنه.. ليتنا نرشد استخدام المرافق العامة مثل الطرق والحدائق والمدارس وغيرها من المرافق بالاستخدام الأمثل وعدم العبث بها، وإلا ماذا يعني أن يُدْخِلَ شابٌ سيارتَه إلى منتزه وسط الحي ثم يفحط فيه ويفسده..
أما أولائك المسرفون الذين عصوا الله وحازوا مقت الأمة وعبثوا بمال الله الذي آتاهم.. وتعرضوا للوعيد الشديد من عدم محبة الله لهم بإسرافهم.. فلن أذكر أخطاءهم فأنتم تعلمونها.. وأدعو الله لهم بالهداية والرشاد وألا يؤاخذهم بما صنعوا، وأن يغفر لهم.. وأدعو الله أن يوفق ولي أمرنا لوضع عقوبات تعزيره على العابثين بمال الله الذي آتاهم وكذا مهدري مقدرات الأمة..
وصلوا على نبيكم يعظم الله أجركم..
المشاهدات 1599 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا