عناية الإسلام بكبار السن

عمر الزبيدي
1446/04/07 - 2024/10/10 05:46AM

الحمد لله، ذي الفضل والإحسان، والجود والإنعام، خلق فسوى، وقدر فهدى، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، له ملك السماوات والأرض، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم    أما بعد:

فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله سبحانه فهو بكل شيء عليم، وهو على كل شيء شهيد.

 عباد الله: خلق الله تعالى الإنسان ضعيفًا، يولد حين يولد عاجزاً عن نفع نفسه، محتاجاً إلى غيره في رعايته والقيام عليه، هذا بدؤه وأول أطوار حياته، وحياة الإنسان آيةٌ للمستبصرين، فهي تبدأ من ضعف ثم تؤول إلى ضعف، وفي الكتاب العزيز: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ وبين الضعفين تشابه وتوافق فهو يولد عادماً للعلم كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شيئاً﴾ ثم يؤول أمرُه في حال الهرم كحاله في طفولته فاقداً للعلم والإدراك كما قال تعالى: ﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً﴾، حياة الإنسان أطوار متباينه تتجلى فيها قدرة الله وحكمته: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ. وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَكُمُ تَعْقِلُونَ﴾.

عباد الله: ولما كان الإنسان محلاً للتكريم، وموطناً للتفضيل، فقد شرع الإسلام له حقوقاً واجبة، في كل طور من أطوار حياته، وهذه وقفة مع حقوق المسنين وما لهم من الواجبات وما يجمل معهم من الآداب، فقد ذهبت شبيبتُهم، وهرمت أعمارهم، وخارت قواهم، وضعفوا عن كثير من حاجاتهم، فاستوجبوا الرعاية واستحقوا العناية، مع مالهم من قِدم في الطاعة، وسبق بر وعبادة، والإسلام يراعي أحوال العباد، فيخفف عن الضعيف لضعفه، ويقيل عثرة ذوي الهيئة لسالف إحسانهم، ويعامل كل فرد على حسَب حاله، وقد جاءت نصوصٌ صريحةٌ تحض على مراعاة حال كبير السن، وطلب الرفق به، فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ في الفَجْرِ ممَّا يُطِيلُ بنَا فُلَانٌ فِيهَا، فَغَضِبَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ما رَأَيْتُهُ غَضِبَ في مَوْضِعٍ كانَ أَشَدَّ غَضَبًا منه يَومَئذٍ، ثُمَّ قالَ: »يا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فمَن أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فإنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ والكَبِيرَ وذَا الحَاجَةِ« ذلكم- أيها الإخوة- هو هدي الإسلام في لزوم مراعاة أحوال الناس، فالشيخ الكبير يشق عليه طول القيام لأجل ذلك جاء الأمر بالتخفيف والإيجاز مع الإتمام، بل إن الإسلام أسقط عنه الصيام إن كانت ثمة مشقة بالغة أو عجز يمنعه من الصيام، فيفطر ويُطعم لقول الله عز وجل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، وفي الحج أُسقطت عنه فريضة الأداء حال ضعفه وعجزه، روى ابنُ عباس رضي الله عنه أن امرأةً سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ: »نَعَمْ»، تلكم جوانب من مراعاة الإسلام لحال الكبير العاجز حيال التكاليف الشرعية، وكذلك الحال في التعامل معه، فقد وصى بالرفق به وإكرامه وأن ذلك من إجلال الله تعالى: فعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: »إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ« فإكرام ذي الشيبة وتوقيره من تعظيم الله وإجلاله، ومَنْ قَصَدَ الامتثالَ والانقياد فإن ميدان الإكرام فسيحٌ ينتظمُ صنوف الإحسان من القول والعمل، وخليق بمن كان هذا شأنه أن يجد عائدتَه عليه في حاله ومآله وفي الحديث: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ»، ويتأكد الإحسان ويقوى إذا كان أهل الضعف والعجز من ذوي القربى، وقد جاء في خصوص الوالدين قول الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، فأجلوا وأكرموا وأحسنوا كل من استوجب الإجلال والإكرام والإحسان، وفقني الله وإياكم لمرضاته، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

 

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لاإله إلاالله، وحده لاشريك له، وأشهداً أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

أما بعد: فإنَّ طولَ العمر فسحة للعبد يزداد فيها من الطاعات والقربات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُه وحَسُنَ عَمَلُه» فمن أطال الله عمره على طاعة وحسن عبادة كان ذلك سبيلاً لرفعة درجته في الآخرة، وحري بمن أمد الله له في عمره أن يُقبِل على الله وأن يحرصَ على الفرائض والواجبات وأن يستكثر من النوافل والتطوعات بحسب وسعه وطاقته، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: »أَعْذَرَ اللَّهُ إلى امْرِئٍ أخَّرَ أجَلَهُ، حتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» أي لم يترك له عذراً، فلا يليق بذوي الشيب التفريطَ في الواجبات الشرعية أو تقحّم المنهيات والمحرمات، وليمتثل الهدي الوارد في قول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ اللهم أوزعنا شكر نعمك، ووفقنا لذكرك وحسن عبادتك، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها.

المرفقات

1728528378_‎⁨رعاية الإسلام لكبار السن⁩.pdf

المشاهدات 802 | التعليقات 0