عمود الدين

أنشر تؤجر
1445/11/15 - 2024/05/23 08:56AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ : يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ :( الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ : الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
أيها المؤمنون الصَّلَاةُ لها في مقامِ العبوديةِ للهِ أسمى مقام ، فهي أعظمُ أركانِ الإسلامِ بعد الشهادتين ، وهِيَ عِمَادُ الدِّيْنِ ، وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ العَبْدُ يَومَ القِيَامَةِ ، وَهِيَ آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنَ الدِّينِ ؛ وَإِذَا فُقِدَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيءٌ .
الصَّلَاةُ حَدٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالكُفْرِ ، وَفِي الحَدِيثِ :( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ) رواه مسلم .
لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاتِهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَتَهَاوَنُ بِهَا إِلَّا مُنَافِقٌ ؛ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ عِبَادِهِ :{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ }المعارج 34 ـ 35
الصَّلَاةُ فَلَاحٌ وَسَعَادَةٌ طُمَأْنِيْنَةٌ وَرَاحَةٌ ؛ وَقَدْ كَانَ نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :( يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّـلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
الصَّلَاةُ مُكَفِّرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ورافعة للدرجات ؛ فَفِي الصَّحِيْحَيْنِ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ).
عباد الله : الصَّلَاةُ فَرِيْضَةٌ يُحِبُّهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا ، وَيُحِبُّ أَهْلَهَا ، وَيُحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ العِبَادُ مِنْهَا ، حَتَّى إِنَّهُ تَعَالَى فَرَضَهَا أَوَّلَ الأَمْرِ خَمْسِيْنَ صَلَاةً ؛ ثُمَّ خَفَّفَهَا إِلَى خَمْسٍ فِي العَدَدِ ، وَخَمْسِيْنَ فِي الأَجْرِ ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا رَبَطَ المُسْلِمَ بِصَلَاتِهِ ؛ فَرَائِضِهَا وَنَوَافِلِهَا ، وَشَرَعَ لَهُ أَنْوَاعًا مُتَعَدِّدَةً مِنْهَا .
فَيَومُ المُسْلِمِ مَلِيئٌ بِالصَّلَاةِ ، بَلْ حَيَاتُهُ كُلُّهَا عَامِرَةٌ بِالصَّلَاةِ ؛ فَفِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ مَفْرُوضَةٍ ، وَلِلْجُمُعَةِ صَلَاةٌ ، وَلِلْعِيْدَيْنِ صَلَاةٌ ، وَلِلْجِنَازَةِ صَلَاةٌ ، وَإِذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ فَزِعَ النَّاسُ لِصَلَاةِ الاِسْتِسْقَاءِ ، وَإِذَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَ القَمَرُ فَزِعُوا لِصَلَاةِ الكُسُوفِ ، وَإِذَاهَمَّ أَحَدُنَا بِأَمْرٍ صَلَّى صَلَاةَ الاِسْتِخَارَةِ .
وَفِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَثِيْرٌ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ ؛ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ ، وَصَلَاةِ الضُّحَى ، وَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَالوِتْرِ .
يُصَلِّي المُسْلِمُ فِي إِقَامَتِهِ فَيُتِمُّ ، وَفِي سَفَرِهِ فَيَقْصُرُ ، يُصَلِّي فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ ؛ إِنِ اِسْتَطَاعَ القِيَامَ صَلَّى قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ، يُصَلِّي فِي حَالِ أَمْنِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي خَوفٍ أَوْ حَرْبٍ صَلَّى صَلَاةَ الخَوفِ .
فَمَا أَعْظَمَ أَمَرَ هَذِهِ الصَّلَاةِ ؛ مَا أَعْظَمَ أَمَرَ هَذِهِ الفَرِيْضَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِهَا كَثِيْرًا ؛ حَتَّى قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :( كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) رَواهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ .
نَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلَا أَن يعيننا على ذكره ، وعلى شكره ، وعلى حسن عبادته .
وَأَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَينَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ ؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية :
الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ؛ أمَّا بَعدُ :
فَاتَّقُوا اللهَ – عباد الله - وَعَظِّمُوا هَذِهِ الفَرِيْضَةَ ، وَرَبُّوا أَوْلَادَكُمْ وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِكُمْ عَلَى تَعْظِيْمِهَا وَحُبِّهَا ؛ مُرُوهُمْ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، وَاصْبِرُوا فِي ذَلِكَ ، وَصَابِرُوا ، وَأْبِشُرُوا ، قَالَ تَعَالَى :{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }طه 132
تَدَارَسُوا مَعَ أَهْلِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ ، وَعَلِّمُوهُمْ أَحْكَامَهَا
ولنحذر من أَنْ تَتَهَاوَنُ بِصَلَوَاتِنا ؛ وَمن تَأْخِيْرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا ، فَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؛ فَقَالَ:{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ }الماعون 4 ـ 5 قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: ( هُمُ الَّذِيْنَ يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِهَا ).
وَقَرَأَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَــزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ قَــوْلَ اللهِ تَعَـــالَى :{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } مريم 59 ثُمَّ قَالَ :" لَمْ تَكُنْ إِضَاعَتُهُمْ تَرْكُهَا ؛ وَلَكِنْ أَضَاعُوا الوَقْتَ .
لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ صَلَاتِكُمْ .
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الأَتْقِيَاءِ، وَأَوْرَثَنَا جَنَّاتِ النَّعِيْمِ .
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ .
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ .
عِبَادَ اللهِ : اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .

المشاهدات 423 | التعليقات 0