عمل المرأة بين المشروع والممنوع
عبدالله اليابس
1434/02/27 - 2013/01/09 19:59PM
بسم الله الرحمن الرحيم
ففي الوقت الذي كثرت فيه الدعوات لخروج المرأة للعمل, وأجلب دعاة الفساد بخيلهم ورجلهم في هذا الميدان, وأصبحوا يتهمون المتدينين بأنهم يحرمون عمل المرأة بشكل عام, برزت الحاجة لطرق مثل هذا الموضوع, ولعله يكون حلقة أولى من سلسلة خطب قادمة بإذن الله, ولا أستغني عن ملاحظاتكم وتصويباتكم واقتراحاتكم.... أخوكم المحب
عمل المرأة بين المشروع والممنوع ---- الجمعة 29/2/1434هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: خلق الله تعالى البشر, وجعلهم ذكرًا وأنثى, وميز الله كل واحد منهما بخصائص تختلف عن الآخر, (وليس الذكر كالأنثى), ميز الله تعالى الرجل بخصائص جسمية ونفسية وجعل له القوامة على المرأة, وأوجب عليه الإنفاق عليها ولو كانت مقتدرة, وأمره بالكد وطلب العيش والسعي في الأرض, وميز الأنثى بخصائص أخرى لا تتوفر في الرجل, وجعل من نصيبها الحمل والإرضاع, ورعاية والأولاد وتربيتهم, فتجد الأم إذا مرض طفلها تسهر معه حتى طلوع الفجر ولا تجد لذلك عناء ولا تعبًا إلا خوفها على ولدها, فاللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارًا.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إذا تقرر لدينا أن لكل من الجنسين خصائص تميزه عن الآخر, ويختلف بها على الآخر, وأن لكل منهما وظيفة في الحياة, فإن ذلك يجرنا للحديث عن موضوع ذي صلة, كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة, واشتدت الحاجة إلى بيانه, ألا وهو موضوع عمل المرأة, فما حكم عمل المرأة في الإسلام؟ وهل صحيح أن الإسلام يحرم عمل المرأة؟ وماذا نفعل مع الأعداد المتزايدة من بطالة النساء في المجتمعات؟ فأقول وبالله التوفيق:
الأصل في دين الإسلام أن الرجل هو المكلف بالسعي في الأرض, وبطلب الرزق وبالإنفاق على نفسه وعلى أهل بيته, يقول الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم), وقد أخبر الله تعالى أن الأصل في مكان المرأة هو قرارها في البيت وعدم خروجها إلا لحاجة, يقول تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى), والنبي صلى الله عليه وسلم يجعلها ببقائها في بيتها شريكة للرجل في صناعة المجتمع ولها وظيفة وعمل فيقول: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).
وعمل المرأة في بيتها سواء كانت زوجة أو أماً أو بنتًا ليس بالأمر الهين, ولذلك يلجأ كثير من الناس إلى الاستعانة بعاملات ليساعدنهن في أعمال المنزل, بل إن بعض الدراسات أشارت إلى أن متوسط العمل الطبيعي للمرأة في البيت يتراوح بين 10 ــــ 12 ساعة يوميًا, يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن زوجه فاطمة رضي الله عنها: كانت ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم, و كانت من أكرم أهله عليه، و كانت زوجتي, فجرت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها, و أسقت بالقربة حتى أثرت بنحرها, و قمت – أي كنست – البيت حتى اغبرت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها.
رعاية المرأة لبيتها وظيفة شريفة, ومهنة عالية نزيهة, لكن تم تشويهها من قبل وسائل الإعلام حتى أصبحت المرأة التي لا تعمل في وظيفة حكومية أو أهلية تسمى عاطلة, وأصبحت تستحي من أن يطلق عليها وصف البطالة, وأصبحت المرأة التي تعمل في بيتها, وتقوم بشؤون أهلها, تطبخ طعامهم, وتغسل ثيابهم, تذاكر لصغيرهم, وتقوم بشؤون كبيرهم, صارت عاطلة, وينظر إليها نظرة عطف, وفي المقابل صارت المرأة التي تعمل في بيت غيرها أو في فندق وتقوم بنفس الأعمال السابقة موظفة, قد شقت طريق حياتها, وخلعت عنها عباءة البطالة.
الأصل في المرأة أنها لا توصف بالبطالة فجلوسها في بيتها ورعايتها مصالح أهلها عمل عظيم, وهدف كريم.
وخير نساء العالمين هي التي تدير شؤون البيت أو فيه تعمل
إذا بقيت في البيت فهي أميرة يوقرها من حولها ويبجل
وإسهامها للشعب إن قدمت له رجالاً أُعدوا للبناء وأُهلوا
رعتهم صغارًا فهي كانت أساسهم تُلقِن كلاً ما يقول ويفعل
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إذا احتاجت المرأة للعمل, أو احتاج المجتمع لعمل المرأة فإن الإسلام لا يمنع من ذلك, فإن الله تعالى يقول: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) ففي الآية أنه يجوز استئجار المرأة للرضاعة ويجب على ولي الطفل أن يقدم لها أجرها وقد تكون هذه الرضاعة في بيتها كما قد تكون في منزل الطفل, وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح, (هو الجمل الذي يسقي عليه ) وفرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه ( الدلو الكبير ) وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز, وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير – التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم – على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ, فجئت يومًا والنوى علي فلقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: (( إخ إخ (كلمة تقال لإناخة البعير). )) ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته, وكان أغير الناس فعرف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إني قد استحيت فمضي فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه ، فأناخ لأركبه ، فاستحيت منه وعرفت غيرتك فقال : والله لحملك النوى أشد على من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.
وعن جابر رضي الله عنه قال : طُلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها (تقطع ثمارها) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي – صلي الله عليه وسلم – فقال: (( بلى فجذي نخلك ، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا)).
إن هذين الحديثين يدلان على جواز خروج المرأة للعمل الذي لا بد لها منه, تخدم فيه زوجها أو تعينه أو تكسب قوتها, فأسماء رضي الله عنها كانت تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير رضي الله عنه وهي بعيدة عنها وكانت تستقي الماء، وأجاز النبي – صلى الله عليه وسلم – لخالة جابر رضي الله عنهما أن تخرج إلى نخلها فتجني ثمارها فتنفع نفسها وتنفع غيرها بالصدقة, فإذا تقرر هذا فإنه يجوز للمرأة أن تعمل بضوابط ذكرها علماء الشريعة, نتعرض لها بعد جلسة الاستراحة بإذن الله.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله وكفى, وصلاة وسلامًا على عبده المصطفى, وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد: فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إن عمل المرأة على قسمين: القسم الأول: أعمال تمس فيها الحاجة إلى المرأة : كالتوليد والتطبيب للنساء، وكتعليم النساء في مدارس خاصة لهن، فمثل هذه المرافق ينبغي للأمة أن تهيئ لها طائفة من النساء تسد حاجة المجتمع وتقوم بمتطلباته، فإن هذه الأمور النسائية من أهم فروض الكفايات.
القسم الثاني: أعمال لا تمس فيها الحاجة إلى المرأة, ويمكن أن يقوم بها غيرها من الرجال, فيقال إن الأصل أن يقوم الرجال بهذه الأعمال, لكن إن دعت حاجة لعمل المرأة فيها فإنه يجوز لها أن تعمل في مثل هذه الأعمال بضوابط منها:
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك, والمتتبع لحال الغرب يلاحظ أن المرأة تعمل في جميع المهن, فهي تقود شاحنات الوقود, وتعمل شرطية تلاحق المجرمين, وتعمل في ورشة للحدادة أو النجارة, مما يتنافى تنافيًا تامًا مع الطبيعة البشرية التي خلق الله النساء عليها, وقد أظهرت الدراسات الأثر السيئ لعمل المرأة في مثل هذه الأعمال, فهذه عالمة أحياء أمريكية تقول: (إن النساء الأمريكيات أصبحن يصبن بالشيخوخة في سن مبكرة نتيجة صراعهن لتحقيق المساواة مع الرجال).
-ومن الضوابط أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها, فإن الاختلاط ضرره عظيم في العاجل والآجل, على الأفراد والمجتمعات, وفي تقرير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أن 42% من النساء العاملات يتعرضن له, وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسؤولة, وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسيًا.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين : " المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً, وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك, وأما العمل في مجالات تختص بالرجال، فإنه لا يجوز لها أن تعمل؛ حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها, ويجب أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال "أ.ه
لا يأمنن على النساء أخُ أخًا ما في الرجال على النساء أمين
-ومن ضوابط عمل المرأة أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي, فتتجنب التبرج أو السفور, وتحرص على أن تكون محتشمة مستترة, فإن الله تبارك وتعالى يقول: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى), ويقول جل وعلا: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
-ومن الضوابط في عمل المرأة ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافرُ المرأةُ إلا مع ذي محرمٍ فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ! إنَّ امرأتي خرجت حاجةً, وإني اكتتبتُ في غزوةِ كذا وكذا. قال انطلِقْ فحُجَّ مع امرأتكَ) فهذه المرأة قد سفرت في عبادة عظيمة وهي الحج, وزوجها ما صرفه عن مرافقتها إلا الجهاد في سبيل الله, ومع ذلك يأمره صلى الله عليه وسلم أن يترك الجهاد ويرافق امرأته في سفرها, وقد تساهل الناس كثيرًا اليوم في مسألة سفر النساء بلا محرم, فليتق الله من ولي من أمر النساء شيئًا, فإن الله تعالى سائلك عن ذلك: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته), ويقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا).
وبعد: فهذه الضوابط الشرعية لعمل المرأة, إن اختل منها ضابط لم يجز للمرأة أن تعمل, وحرم على وليها أن يأذن لها بالعمل, وحرم على صاحب العمل أن يمكنها من العمل.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
ففي الوقت الذي كثرت فيه الدعوات لخروج المرأة للعمل, وأجلب دعاة الفساد بخيلهم ورجلهم في هذا الميدان, وأصبحوا يتهمون المتدينين بأنهم يحرمون عمل المرأة بشكل عام, برزت الحاجة لطرق مثل هذا الموضوع, ولعله يكون حلقة أولى من سلسلة خطب قادمة بإذن الله, ولا أستغني عن ملاحظاتكم وتصويباتكم واقتراحاتكم.... أخوكم المحب
عمل المرأة بين المشروع والممنوع ---- الجمعة 29/2/1434هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}, {ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً},(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد: خلق الله تعالى البشر, وجعلهم ذكرًا وأنثى, وميز الله كل واحد منهما بخصائص تختلف عن الآخر, (وليس الذكر كالأنثى), ميز الله تعالى الرجل بخصائص جسمية ونفسية وجعل له القوامة على المرأة, وأوجب عليه الإنفاق عليها ولو كانت مقتدرة, وأمره بالكد وطلب العيش والسعي في الأرض, وميز الأنثى بخصائص أخرى لا تتوفر في الرجل, وجعل من نصيبها الحمل والإرضاع, ورعاية والأولاد وتربيتهم, فتجد الأم إذا مرض طفلها تسهر معه حتى طلوع الفجر ولا تجد لذلك عناء ولا تعبًا إلا خوفها على ولدها, فاللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارًا.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إذا تقرر لدينا أن لكل من الجنسين خصائص تميزه عن الآخر, ويختلف بها على الآخر, وأن لكل منهما وظيفة في الحياة, فإن ذلك يجرنا للحديث عن موضوع ذي صلة, كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة, واشتدت الحاجة إلى بيانه, ألا وهو موضوع عمل المرأة, فما حكم عمل المرأة في الإسلام؟ وهل صحيح أن الإسلام يحرم عمل المرأة؟ وماذا نفعل مع الأعداد المتزايدة من بطالة النساء في المجتمعات؟ فأقول وبالله التوفيق:
الأصل في دين الإسلام أن الرجل هو المكلف بالسعي في الأرض, وبطلب الرزق وبالإنفاق على نفسه وعلى أهل بيته, يقول الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم), وقد أخبر الله تعالى أن الأصل في مكان المرأة هو قرارها في البيت وعدم خروجها إلا لحاجة, يقول تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى), والنبي صلى الله عليه وسلم يجعلها ببقائها في بيتها شريكة للرجل في صناعة المجتمع ولها وظيفة وعمل فيقول: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).
وعمل المرأة في بيتها سواء كانت زوجة أو أماً أو بنتًا ليس بالأمر الهين, ولذلك يلجأ كثير من الناس إلى الاستعانة بعاملات ليساعدنهن في أعمال المنزل, بل إن بعض الدراسات أشارت إلى أن متوسط العمل الطبيعي للمرأة في البيت يتراوح بين 10 ــــ 12 ساعة يوميًا, يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن زوجه فاطمة رضي الله عنها: كانت ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم, و كانت من أكرم أهله عليه، و كانت زوجتي, فجرت بالرحى حتى أثر الرحى بيدها, و أسقت بالقربة حتى أثرت بنحرها, و قمت – أي كنست – البيت حتى اغبرت ثيابها، و أوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها.
رعاية المرأة لبيتها وظيفة شريفة, ومهنة عالية نزيهة, لكن تم تشويهها من قبل وسائل الإعلام حتى أصبحت المرأة التي لا تعمل في وظيفة حكومية أو أهلية تسمى عاطلة, وأصبحت تستحي من أن يطلق عليها وصف البطالة, وأصبحت المرأة التي تعمل في بيتها, وتقوم بشؤون أهلها, تطبخ طعامهم, وتغسل ثيابهم, تذاكر لصغيرهم, وتقوم بشؤون كبيرهم, صارت عاطلة, وينظر إليها نظرة عطف, وفي المقابل صارت المرأة التي تعمل في بيت غيرها أو في فندق وتقوم بنفس الأعمال السابقة موظفة, قد شقت طريق حياتها, وخلعت عنها عباءة البطالة.
الأصل في المرأة أنها لا توصف بالبطالة فجلوسها في بيتها ورعايتها مصالح أهلها عمل عظيم, وهدف كريم.
وخير نساء العالمين هي التي تدير شؤون البيت أو فيه تعمل
إذا بقيت في البيت فهي أميرة يوقرها من حولها ويبجل
وإسهامها للشعب إن قدمت له رجالاً أُعدوا للبناء وأُهلوا
رعتهم صغارًا فهي كانت أساسهم تُلقِن كلاً ما يقول ويفعل
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إذا احتاجت المرأة للعمل, أو احتاج المجتمع لعمل المرأة فإن الإسلام لا يمنع من ذلك, فإن الله تعالى يقول: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) ففي الآية أنه يجوز استئجار المرأة للرضاعة ويجب على ولي الطفل أن يقدم لها أجرها وقد تكون هذه الرضاعة في بيتها كما قد تكون في منزل الطفل, وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح, (هو الجمل الذي يسقي عليه ) وفرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه ( الدلو الكبير ) وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز, وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير – التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم – على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ, فجئت يومًا والنوى علي فلقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: (( إخ إخ (كلمة تقال لإناخة البعير). )) ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته, وكان أغير الناس فعرف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إني قد استحيت فمضي فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه ، فأناخ لأركبه ، فاستحيت منه وعرفت غيرتك فقال : والله لحملك النوى أشد على من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني.
وعن جابر رضي الله عنه قال : طُلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها (تقطع ثمارها) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي – صلي الله عليه وسلم – فقال: (( بلى فجذي نخلك ، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا)).
إن هذين الحديثين يدلان على جواز خروج المرأة للعمل الذي لا بد لها منه, تخدم فيه زوجها أو تعينه أو تكسب قوتها, فأسماء رضي الله عنها كانت تنقل النوى على رأسها من أرض الزبير رضي الله عنه وهي بعيدة عنها وكانت تستقي الماء، وأجاز النبي – صلى الله عليه وسلم – لخالة جابر رضي الله عنهما أن تخرج إلى نخلها فتجني ثمارها فتنفع نفسها وتنفع غيرها بالصدقة, فإذا تقرر هذا فإنه يجوز للمرأة أن تعمل بضوابط ذكرها علماء الشريعة, نتعرض لها بعد جلسة الاستراحة بإذن الله.
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. إن عمل المرأة على قسمين: القسم الأول: أعمال تمس فيها الحاجة إلى المرأة : كالتوليد والتطبيب للنساء، وكتعليم النساء في مدارس خاصة لهن، فمثل هذه المرافق ينبغي للأمة أن تهيئ لها طائفة من النساء تسد حاجة المجتمع وتقوم بمتطلباته، فإن هذه الأمور النسائية من أهم فروض الكفايات.
القسم الثاني: أعمال لا تمس فيها الحاجة إلى المرأة, ويمكن أن يقوم بها غيرها من الرجال, فيقال إن الأصل أن يقوم الرجال بهذه الأعمال, لكن إن دعت حاجة لعمل المرأة فيها فإنه يجوز لها أن تعمل في مثل هذه الأعمال بضوابط منها:
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك, والمتتبع لحال الغرب يلاحظ أن المرأة تعمل في جميع المهن, فهي تقود شاحنات الوقود, وتعمل شرطية تلاحق المجرمين, وتعمل في ورشة للحدادة أو النجارة, مما يتنافى تنافيًا تامًا مع الطبيعة البشرية التي خلق الله النساء عليها, وقد أظهرت الدراسات الأثر السيئ لعمل المرأة في مثل هذه الأعمال, فهذه عالمة أحياء أمريكية تقول: (إن النساء الأمريكيات أصبحن يصبن بالشيخوخة في سن مبكرة نتيجة صراعهن لتحقيق المساواة مع الرجال).
-ومن الضوابط أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها, فإن الاختلاط ضرره عظيم في العاجل والآجل, على الأفراد والمجتمعات, وفي تقرير نشرته مجلة الطب النفسي الأمريكية عن الاعتداء الجنسي خلال العمل ذكرت أن 42% من النساء العاملات يتعرضن له, وأنه فقط أقل من 7% من الحوادث يرفع إلى الجهات المسؤولة, وأن 90% من المعتدى عليهن يتأثرن نفسيًا.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين : " المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً, وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك, وأما العمل في مجالات تختص بالرجال، فإنه لا يجوز لها أن تعمل؛ حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها, ويجب أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال "أ.ه
لا يأمنن على النساء أخُ أخًا ما في الرجال على النساء أمين
-ومن ضوابط عمل المرأة أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي, فتتجنب التبرج أو السفور, وتحرص على أن تكون محتشمة مستترة, فإن الله تبارك وتعالى يقول: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى), ويقول جل وعلا: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
-ومن الضوابط في عمل المرأة ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافرُ المرأةُ إلا مع ذي محرمٍ فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ! إنَّ امرأتي خرجت حاجةً, وإني اكتتبتُ في غزوةِ كذا وكذا. قال انطلِقْ فحُجَّ مع امرأتكَ) فهذه المرأة قد سفرت في عبادة عظيمة وهي الحج, وزوجها ما صرفه عن مرافقتها إلا الجهاد في سبيل الله, ومع ذلك يأمره صلى الله عليه وسلم أن يترك الجهاد ويرافق امرأته في سفرها, وقد تساهل الناس كثيرًا اليوم في مسألة سفر النساء بلا محرم, فليتق الله من ولي من أمر النساء شيئًا, فإن الله تعالى سائلك عن ذلك: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته), ويقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا).
وبعد: فهذه الضوابط الشرعية لعمل المرأة, إن اختل منها ضابط لم يجز للمرأة أن تعمل, وحرم على وليها أن يأذن لها بالعمل, وحرم على صاحب العمل أن يمكنها من العمل.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
عمل المرأة بين المشروع والممنوع 29-2-1434.doc
عمل المرأة بين المشروع والممنوع 29-2-1434.doc
المشاهدات 2802 | التعليقات 3
جزاك الله خير الجزاء
وهذه خطبة جميلة عن نفس المضمون
https://khutabaa.com/forums/موضوع/139486
الأخ الفاضل/ أحمد أبو بكر
بارك الله فيك على الإضافة
وأسأل الله تعالى أن يجنبنا جميعا الفتن .. ما ظهر منها وما بطن
الأخ الكريم/ منصور الفرشوطي
شكر الله لك على إثراء الموضوع بهذه الخطبة
احمد ابوبكر
بارك الله فيكم شيخنا ، موضوع هام وخطبة صائبة
فعلا افتقدنا المرأة في البيت في هذا العصر ، المرأة المربية صانعة الأجيال ، فإن أسمى وظيفة للمرأة هي أن تكون أميرة في بيتها ، عابدة لربها ، راعية لزوجها وأولادها كما قال صلى الله عليه وسلم ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) صححه الألباني ، فليس مطلوب منها الخروج للعمل فهذه وظيفة الرجل ، إلا إذا كانت مطلقة أو زوجها متوفى أو ما شابه ففي هذه الحالة الدولة مسئولة عن رعايتها ونفقتها حتى لا تتعرض للفتن ، نسأل الله أن يجنبنا الفتن .
وجزاكم الله خيرا ..
تعديل التعليق