(عليك بالجوامع والكوامل) مشكولةومعنصرة الجمعة الثالثة شهر ذي القعدة 1441/7/19هـ

يوسف العوض
1441/11/17 - 2020/07/08 14:14PM

الخطبة الأولى
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ خُبْرًا ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ، وَأَسْبَغَ عَلَى الْخَلَائِقِ مِنْ حِفْظِهِ سِتْرًا أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشكُرُهْ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً عُذْرًا وَنُذْرًا ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْه ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ . . أَخْلَدَ اللَّهُ لَهُمْ ذِكْرًا وَأَعْظَمَ لَهُمْ أَجْرًا ،، أما بعد ..
المقدمة
أيُّها المُسلِمون: اعتَادتْ النُّفوسٌ أنْ تُفَضْفضَ إلى بَعْضِها وأَنْ تَبُثَّ شُجُونَها وَهُمُومَها لمَن تَرْتَاحُ إليهِ وتَأنسُ بِهِ فيَذْهَبَ مَا تَجدُ مِنْ الْأَلَمِ ومَا تُعاني مِنْ الْأَذَى ! وَلَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ الكُبْرَى والمُعضِلةَ العُظْمَى أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ أَحَدَاً مِنْ الْبَشَرِ يَسْلمُ مِنْ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ ولا مِنَ المَشاكلِ والأَزَمَاتِ ! فإنْ لَمْ يَتَكلَّمُوا بِأَلْسِنَتِهِم فستُخبِرُك عُيُونُهُم أَنَّ فِينَا مايَكفِينا مِنَ الْهُمُومِ ومَا يُشقِينا مِنَ الْغُمُومِ فَلِمَنْ نَشْكُوا ولمَنْ نَلْجَأ إِذَنْ ؟!
يَقُولُ رَبَّي جَلَّ فِي عُلَاهُ (( فَـــــفِــــــرُّوا إِلَـــــــــى الــــــــلَّــــــــهِ )) نَعَمْ الفِرارُ إلى اللهِ بالدُّعَاءِ وتَبتّلُ له بالسُّؤالِ فَهُوَ مَنْ يَسْمَعُ أَصْوَاتَنَا وَيُسَكِّنُ آلامَنا وَيُدَاوِي جِرَاحَنَا وَلِهَذَا اِمْتَدَحَ اللَّهُ الأَنْبِيَاءَ وَذَكَرَ أَحْوَالَهَم مَعَ الدُّعاءِ فقَالَ :((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )) إنَّه رَدَّةُ الْفِعْلِ الطَّبِيعِيَّةِ لكلِّ مُؤْمِنٍ تُجاه الأزَمَاتِ الَّتِي تَمرُّ بهِ وتُعكّرُ صَفوَ حَياتِه أنْ يَلْجَأَ إلى مَولاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهُوَ المُسْتَعانُ وعَليِه التُّكْلانُ ..
الموضوع
 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَاهِي أمُّ الْمُؤْمِنِينَ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ : ((كانَ النبيُّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سلّم يُعجبُه الجوامِعُ مِن الدُّعاءِ ، وَيَدَعْ مَا بَيْنَ ذلك)) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْإِمَام أحمد  وَابْنُ حِبَّانَ ، وَقَدْ كَانَ النبيَّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّم يُعلِّمُ أَصْحَابَه الدُّعَاءَ كَمَا يُعلِّمُهم السورةَ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، وَكَان الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يُعلِّمَهم دعاءً يَدْعُونَ بِهِ مَعَ أنَّهم كَانُوا أهلَ علمٍ وفصاحةٍ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سلّم  يُصوِّبُ مِن يُخْطِئ مِنْهُمْ وَلَوْ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفَاظِ الذِّكرِ وَالدُّعَاءِ .
ونحن الْيَوْمَ نَقِفُ مَعَ أحَدِ الْجَوَامِع وَالْمَوَانِعِ مِنَ الْأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالْآثَارِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ وَاَلَّتِي كَان الْحَبِيبُ الْمُصْطَفَى ﷺ يَدُلُّ زَوجَتَه وحَبِيبتَه عَائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عليها - وهي للأمّة جَمعاء أيضاً  - فَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((يا عَائِشَةُ ، عَلَيْك بالجَوامعِ والكَواملِ ، قَوْلَي : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلِ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلِ أَوْ عَمَلٍ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِمَّا سَأَلَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَعُوذُ بِك مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اللَّهُمَّ مَا قَضَيْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍِ فَاجْعَل عَاقِبَتَه لِي رُشْدًا . )) وَفِي رِوَايَةٍ ((وأسألُكَ أَن تَجْعَلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لِي خيرًا)) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ شُعَيْب الأرناؤوط : إِسْنَاده صَحِيح ، وَصَحَّحَه الْأَلْبَانِيّ .
فَقَوْلُه :  ((اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَ مَا لَمْ أعلم)) : أَيْ يَا اللَّهُ أَعْطِنِي مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ مطلقاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَاَلَّتِي لَا سَبِيلَ لاكتسابها بِنَفْسِي إلَّا مِنْك , فَأَنْتَ تَعْلَمُ أَصْلَحَ الْخَيْر لِي فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ .
وقَوْلُه :  ((وأعوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ ، وَمَا لَمْ أعلم)) أَي : اللَّهمّ أَجِرْنِي وَاعْصِمْنِي مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، الظَّاهِرَةِ مِنْهَا وَالْبَاطِنَةِ ، وَاَلَّتِي أَعْلَمُ مِنْهَا ، وَاَلَّتِي لَا أَعْلَمُهَا ؛ فَإِن الشُّرُورَ إذَا تَكَالبت عَلَى الْعَبْدِ أَهْلَكَتْه .
وقَوْلُه :  ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرٍ مَا سَأَلَك عَبْدُك ونبيُك)) تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ ، وَتَفْضِيلٌ لِاخْتِيَار الرَّسُولِ عَلَى اخْتِيَارِ الدَّاعِي ، لِكَمَالِ نُصْحِه ، وَحِرْصِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَهَذَا الدُّعَاءُ الْجَلِيلُ ، يَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا فَاتَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَدْعِيَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّتِي لَمْ تَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ بِهَا ، فَهُو يَسْأَلُ كُلَّ مَا سَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم .
وقَوْلُه :  ((وأعوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِهِ عبدُك ونبيُّك))  وَهَذَا كَسَابِقَه ، فَذَاكَ فِي سُؤَالِ الْخَيْرِ وَهَذَا فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الشَّرِّ ، وَيَدْخُلُ كَذَلِكَ كُلُّ شَرٍّ  اسْتَعَاذَ مِنْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقَوْلُه :  ((اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عمل)) أَي: وَفِّقْنِي يَا اللَّهُ إلَى الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّة وَالْفِعْلِيَّة الْمُوَصِّلَةِ إلَى الْجَنَّةِ ، وَهَذَا الدُّعَاءُ فِيهِ تَخْصِيصُ الْخَيْرِ الَّذِي سَأَلَهُ مِنْ قَبْلُ ، لِأَنَّ هَذَا الْخَيْرَ هُوَ أَعْظَمُه ، وَأَكْمَلُه ، وَهُوَ الْجَنَّةُ ، فَلَا خَيْرَ أَعْظَمَ مِنْهَا إلا رِضَى اللَّهِ ، وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِهِ الكريم. وقَوْلُه :  ((وأعوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عمل)) أَي: قِنِي وَاعْصِمْنِي مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِدُخُولِ النَّار ، سَوَاءٌ كَانَتْ اعْتِقَادِيَّةً ، أو قوليةً أَوْ فِعْلِيَّةً ، وَهَذَا الدُّعَاءُ فِيهِ تَخْصِيصٌ مِنْ الشَّرِّ المستعاذِ مِنْهُ مِنْ قَبلُ ، وَالْعِيَاذُ باللَّه ، فالنَّارُ أَشَدُّ الشَّرِّ وأخطرُه ، فَمَا مِنْ شَرِّ أَشَدُّ مِنْهَا .
وقَوْلُه : ((وأسألُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خيراً))  وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ((وَمَا قَضَيْتَ لِي مِنْ قَضَاءٍ ، فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ لِي رُشْدًا)) أَيْ: أَسْأَلُك يَا اللَّهُ أَنْ تَكُونَ عَوَاقِبُ كُلِّ قَضَاءٍ تَقْضِيه لِي خيراً ، سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّرَّاءِ أَو الضَّرَّاء وَافَقَ النَّفْسَ أَوْ خَالَفَهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْفَوْزِ و الْغَنِيمَةِ فِي الرِّضَا بِقَضَائِك ؛ فَإِنَّك لَا تَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ إلَّا خَيراً ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ((عَجباً لِأَمْر الْمُؤْمِن ، إنّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، أَنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَر ، فَكَان خيراً لَه ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُصَبَرَ فَكَان خَيراً له)) . .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي السَّرَّاءِ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَفِي الضَّرَّاءِ مِنْ الصَّابِرِينَ ...
 
الخطبة الثانية
الحَـــــــــمْدُ للّــــــــه وَكَــــــــــفَى وَالصَّـــــــــــــــلَاةُ وَالسَّـــــــــلَامُ عَـــــــــلَى النَّبِـــــــــــيِّ الْمُصْطَـــــــــــفَى وَعَـــــــــلَى آلِــــــــهِ وَصَحْـــــــــــــــبِهِ وَمَــــــــــنِ اهْتَــــــــــــدَى ،، وبعـــــــــــــــد ..
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَهُنَا يَأْتِي سُؤَالٌ مُلِّحٌ يَقُولُ : هَل يَرُدُّ دُعَـــــــــاؤنا مَا قَدَّره اللَّهُ عليـــــــنا فِي حياتــــِــــنا ؟؟
فَدُونَكُم الْجَوَابُ مِنْ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لا يَرُدُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ)) رَوَاه الترمذيُّ بسندٍ حسَن ومعناه‏‏ أَنَّ الدُّعَاءَ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْخَيْرِ ، وَأَنَّ هُنَاكَ أَشْيَاءً مُقَدَّرَةً ومربوطةً بِأَسْبَابٍ ، فَإِذَا تَحَقَّقَ السَّبَبُ وَقَع الْمُقَدَّرُ ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ لَمْ يَقَعْ ، فَإِذَا دَعَا الْمُسْلِمُ رَبِّه حَصَلَ لَهُ الْخَيْرُ ، وَإِذَا لَمْ يدعُ وَقَعَ بِهِ الشَّرُّ .
 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ولو تأمَّلْنا فِي أَقْدَارِ اللهِ النَازلَةِ في كِلِّ يَومٍ مِنْ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ، وكُشف عنَّا الحجابُ لَرَأينَا الأَقدارَ بما لا يَستطيعُ مَخلوقٌ إحْصَاءَه؛ فهذا يُبتلى بِمَرَضٍ، وذاكَ بِفَقْرٍ، وهذا يُصابُ بحادِثٍ، وذاك يَغرقُ، وهذا يُقتلُ ... إلخ من الأقْدَارِ التي نَراهَا في كِلِّ سَاعةٍ ، بَلْه فِي كِلِّ دَقِيقةٍ وثاَنيةٍ، فكَيفَ لنَا دَفْعُها وتَخْفِيفُها ؟؟
 استَمِعُوا لِمَا يَقُولُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : “والدُّعاءُ مِنْ أَنْفَعِ الأدْوِيةِ ، وَهُو عَدوُّ الْبَلَاءِ ، يُدافِعُه وَيُعَالِجُه وَيَمْنَعُ نُزولَه ، وَيَرْفَعُه أَو يُخفِّفُه إذَا نَزَلَ ، فالدُّعاءُ عدوُّ البلاءِ” ، ثُمَّ يَقُولُ : لِلدُّعَاء مَع الْبَلَاء مَقَامَات .
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْبَلَاءِ فَيَدْفُعُه (والدُّعاء القويُّ هو الدعاء المستوجِب لشروط القبول)
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَضْعَفَ مِنْ الْبَلَاءِ (وهنا سيَنزلُ البلاءُ، لكنَّه سيُخَفِفُ منه)
الثَّالِث : أَن يتقاوما وَيَمْنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ (وهنا يتصارعان حتى قِيام الساعة) 
 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيُبَيِّنُ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلاقةَ الدُّعاءِ بِالْبَلَاءِ فَيَقُولُ  : (( لا يُغني حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وإنَّ الدُّعاءَ يَنفعُ ممَا نَزَلَ وممَا لم يَنزِل ، وإنَّ الدعاءَ ليَلقَى البلاءَ فيَعْتَلِجَانِ إلى يَومِ القيامةِ )) أخرجه الطبراني، وحسنه الألباني ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ للمصارعةِ الَّتِي تَحدثُ فِي مكانٍ مَا بَيْنَ السَّماء وَالْأَرْض فالبلاءُ نازِلٌ ، والدُّعاءُ صاعِدٌ ، واللِّقاءُ بَيْنَهُمَا مَحْتُومٌ ، والْغَلَبَةُ للأقوى .. 
 فَهَذَا الدُّعَاءُ النَّبَوِيُّ الْمُبَارَكُ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكَرِّرَهُ؛ لِمَا فِي الدُّعَاءِ بِهِ مِنَ التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْتِزَامِ سُنَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ جَوَامِعِ الدُّعَاءِ وَكَوَامِلِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَوْصَاهَا بِهِ.
الخاتمة
 ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الهُدَى وَإِمَامِ الوَرَى، فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: ((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهُدِيينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحمَ الرَاحِمينَ ..
المشاهدات 1735 | التعليقات 0