عُلُوٌّ في الحياةِ وفي المماتِ

إبراهيم بن صالح العجلان
1442/03/06 - 2020/10/23 00:31AM

علوٌّ في الحياة وفي الممات 6 / 3 / 1442هـ  

إخوة الإيمان:

من أينَ أبدأ ُوالحديثُ غــرامُ ؟**  فالشعرُ يقصرُ والكلامُ كلامُ

 من أينَ أبدأ ُفي مديح ِمحمـــدٍ ؟** لا الشعرُ يُنْصِفُهُ ولا الأقلامُ

 هو صاحبُ الخلق ِالرفيع ِعلى المدى ** هو قائدٌ للمسلمينَ همــامُ

 هو سيدُ الأخلاق ِدون منافـس ٍ** هو ملهمٌ هو قائدٌ مقـــــدامُ

 ماذا نقولُ عن الحبيبِ المصطفى ** فمحمدٌ للعالمينَ إمــــــامُ

 ماذا نقولُ عن الحبيـبِ المجتبى ** في وصفهِ تتكسرُ الأقـــلامُ

كم تنجذب الأرواح، وتهفوا القلوب، وتصغي الآذان، حينما يكون الحديث عن حبيبنا وقدوتنا، وقائدنا وأسوتنا.

فالحديث عن النبي  صلى الله عليه وسلم ليس له وقتٌ محدد ينتهي بمروره وينقضي بزوال أيامه، ومحبته صلى الله عليه وسلم ليست احتفالات وتبريكات، وتمايل ورقصات.

فحق على المؤمنين، أن يتذكروا من كان سبباً لنجاتهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

حق على المؤمنين، أن ينشروا للعالمين، في كل مكان وحين، أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم ورحمته، وعدله وإنسانيته.

حق على أمة محمد أن تعرف عظمة نبيها، لا على أنه عظيم من العظماء، بل على أنه أغلى موجود، يرخص دونه المال والولد والدماء.

هو أَعْظَمُ إنسانٍ في تاريخِ الإنسانِ، عَلَاَ بِأَمْرِ ربَّه شأنُه، ومَلَكَ شِغَافَ القلوبِ اِسْمُهُ وَرَسْمُهُ.

علا اسمُه على كلَّ المنائرِ والمنابرِ،  فلا تـَمُرُّ لحظاتٌ إلا ونداءُ شهادةِ الأذانِ يُجَلْجِلُ في الآفاقِ، حتى لكأنَّما الأرضُ كلُّها تَهْتُفُ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.

عُلُوٌّ فِي الحَيَاةِ وَفِي المَمَاتِ *** لَحَقٌّ أَنْتَ إِحْدَى المُعْجِزَاتِ

هل عرفت البشرية كلام رجلٍ اِخْتَرَقَ حديثه حُجُبَ الزَّمانِ، وبَلَغَ خبرُه السِّهالَ والجبالَ، وما تَرَكَ اللهٌ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرَ إلا تشنَّفَ أهلُه بِسَماعِ أقوالِه، ولامَسَتْ بَشَاشَةُ الإيمانِ قلوبَهم حينَ سَمَاعِ أَخبارِه.

إنَّها عَظَمَةُ مَنْ جَمَعَ المكارِمَ كلَّها، وَأَنْسَتْ شخصيتُه كلَّ شَخصيةٍ قبلَها، لقد كان رسولُنا r عالماً في فَرْدٍ ، فكان بذلك فرداً في العالم .

فأين فصاحةُ لَبِيْد، وأينَ شجاعةُ عَنْترة، وأَينَ كَرَمُ حاتمٍ، وأَيْنَ بلاغةُ طَرَفَة.

تَقَاصَرَتِ المدائِحُ في نَعتِه، وعَجِزَتِ القَصائد عن بلوغِ عَظمتِه، وتَزَيَّنَتِ الأرضَ بعد مَبْعَثِه وإشراقَتِه.

أنها عظمة من من تجرَّعَ البلاءَ والصبْر، وتعايشَ مع الجوعِ والفقْر، وحمل همَّ هداية البشر، فعظمت حسراته، وحانت زفراته، حتى خاطبه ربه: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات).

تعرض للأذى النفسي والجسدي الذي لا يطاق، من أجل تبليغ رسالته، جُرِحَ وجهُهُ، وشُجَّ رأسُه، وكُسرت رَبَاعيته، حاصروه سنواتٍ ورجموه، وجرَّحوه مراراً وخنقوه،  حتى كادت تخرج روحه، وهو لا يزيد أن يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

حقٌّ على أمة محمد أن تتذكر عظمة نبيها الذي أحسن إليهم في دنياهم، ولن ينقطع هذا الإحسان حتى في أخراهم، فيوم ينادي الأنبياء، في يوم الحساب والجزاء: اللهم سلم سلم ، ينادي صفوة الخلق: اللهم أمتي أمتي. 

عظمة محمد، باقية وتتمدَّد، نرى ذلك في غيرة أتباعه عليه، وذبهم عن عرضه، حتى لكأنما قلوبهم تصحو مع كل حادثة تنال من عرضه الشريف.

وقد تَصْحُو القلوبُ إذا اسْتُفِزَّتْ ** ولَفْحُ النَّارِ يُوقِظُ مِنْ سُبَاتٍ 

تظهر عظمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن الله وحده هو الذي تكفل بالذب عنه، فبتر الله من آذاه أو خانه، وقطع الله دابر من عابه أو أهانه، (إنا كفيناك المستهزئين) (أليس الله بكاف عبده).

وتتجلى عظمة محمد صلى الله عليه وسلم بسمو سيرته، وجمال إنسانيته، كم قالَ عنه مَنْ صاحبَه وجالسَه : (كان أحسنَ الناسِ خُلُقاً )

كان عليه الصلاة والسلام يجالسُ الفقراءِ ، ويُؤاكلُ المساكينَ ، ويَحضُّ على كفالةِ الأرملةِ واليتيم .

لم يَتميزْ على أصحابِه بمجلسٍ ، فكان يأتي الغريبُ فلا يعرفُه بين الناسِ إلا حين يُدلُّ عليه ، وكان ينهى أن يتمثل الناس له قياماً .

كان يتدفق أدباً وحياءً ، إذا كَرِهَ شيئاً عُرفَ ذلك في وجهِهِ ، كان من أبعدِ الناسِ غضباً ، وأَسْرَعِهم رضا ، كان أَرْفَ الناسِ بالناس ، وخيرَ الناسِ للناس .

عُرِضَتْ عليه بَطْحَاءُ مكةَ ذهباً  فردَّها ،لأنه يريدُ عيشَ الآخرةِ(والآخرة خير وأبقى)

لم يَتَمَيَّزْ على الناسِ بطعامٍ ولا لباسٍ، كان يَرضى باليسيرِ، ويَضطجعُ على الحصيرِ، قَرْقَرَ بطنُه من الجوع أيامٌ وأيامٌ، كان يَمُرُّ الأسبوعُ والشهرُ وليس في بيتِهِ طعامٌ إلا التمرُ والماءُ، وما شَبِعَ ثلاثةَ أيامٍ تِباعاً من خُبزٍ حتى فارق الدنيا.

هذا هو رسولُ الله، هذا خيرُ من أَقَلَّتْهُ الغَبْرَاءُ، وأظلَّتْهُ الخضراءُ، هذا خيرُ أهلِ الأرضِ والسماء.

والله لَوْ ذَابَتِ الْقُلُوبُ فِي أَجْوَافِهَا، وَتَفَتَّتِ الْأَكْبَادُ فِي أَحْشَائِهَا، حُبًّا وَشَوْقًا له صلى الله عليه وسلم، لَمَا كَانَتْ-وَرَبِّي- مَلُومَةً.

ماذا يَزِيْــدُكَ مَدْحُـنا وثَنَـاؤُنَا ** واللهُ في القـرآن ِقدْ زكَّــاكَ

سبحــانَه أَعطاكَ فَيْضَ فضائلٍ** لم يُعْطِها في العالمينَ سِوَاكَسبحانَه أَعطاك خيرَ رســــالةٍ ** في العالمينَ بها نَشَرْتَ هُـداكَاللهُ أرسلَكم إلينــــا رحمـــةً ** ما ضلَّ من تَبِعَتْ خُطَاهُ خُطَاكَ

أقول ما تسمعون ،  وأستغفر الله فاستغفروه ...

 

الخطبة الثانية

أما بعد، فيا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم ...

يومُ ولادتِه عليه الصلاة والسلام لا يتعلق بها أحكام وأعمال، ولا تشريعات واحتفال.

وإذا كانت ولادتُه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، من عام الفيل، وهذا محل اتفاق، إلا إنَّ تاريخَ ولادتِه مختلفٌ فيه على أقوال كثيرة.

وهذا يدل على أن الصحابةَ ومن بعدَهم لم يتوقفوا عندها، ولم يحرروا ويتناقلوا يوم ولادته.

بل قد ذكر غير واحد من المحققين أن أول من ابتدع الاحتفال بيوم ولادته هم الفاطميون، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد علي، وفاطمة والحسن والحسين والإمام الغائب.

وعبر باب المولد استغفلوا البسطاء، ليتمكنوا من نشر مذهبهم الرافضي الباطني وعقائدهم الفاسدة بين الناس وإبعادهم عن دين الله.

ومع تقادم الزمن أصبحت هذه الاحتفالات التي ما عرفها نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته ولا خير القرون، من الأعياد الثابتة في بعض البلدان، تجعل لها الإجازات، وتكون مناخاً لنشر المنكرات والشركيات.

وربما استغله بعض المغرضين المأزومين، للنيل ممن يسمونهم بالمتشدّدين، بلمزهم على محافظتهم، المتمثلة بتمسكهم بدينهم وسنة نبيهم، وعدم ابتداعهم في دينهم.

عباد الله: وكما نمقت الغلو في نبينا صلى الله عليه وسلم وبدعة الاحتفال بميلاده، كذلك  نَحْذرُ كلَّ جفاءٍ فيه صلى الله عليه وسلم.

نَحْذَرُ جفاءَ نبينا صلى الله عليه وسلم بهُجْرانِ سنته، والتقصيرِ في محبتِه، وتحكيم شريعته.

نحترزُ من جفاء حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم من رد شيء من حديثه الصحيح، بدعوى مخالفة المعقول، أو مسايرة للواقع.

نتوقى جفاء حبيبنا صلى الله عليه وسلم، حينما تكون غالب أحاديثنا عن رموز معاصرة أيا كان فضلها ومكانتها، ويقل الحديث عن صاحب الفضل حتى يكون نزراً ولماماً.

نحترس من جفاء قدوتنا صلى الله عليه وسلم، بجفاف الألسن من الصلاة والسلام عليه،  وأبخل الناس من بخل بالصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم .

نتوقَّى من جفاء سيدنا صلى الله عليه وسلم،  من أن تنزع من قوله المهابة والتوقير، ونجل ونتناقل كلام غيره من الرؤساء والشعراء والأدباء أكثر من كلامه.

نخشى من جفاء نبينا صلى الله عليه وسلم، بنسيانا الحديث عن آل بيته وذكر فضائلهم والحديث عن مآثرهم، كل ذلك خشيةَ مشابهة المبتدعة في غلوهم وانحرافهم.

وأخيرا يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم، حققوا هذه المحبة بالاتباع، والسير على نهجه وعدم الابتداع، حققوها بمحبة ما يحب وكراهية ما يكره، حققوها بكثرة ذكره والشوق إلى لقائه، والابتهال إلى الله بالشرب من حوضه، ومرافقته في الجنة.

اللهم صلِّ على محمد ....

المرفقات

علوٌّ-في-الحياة-وفي-الممات

علوٌّ-في-الحياة-وفي-الممات

علوٌّ-في-الحياة-وفي-الممات-1

علوٌّ-في-الحياة-وفي-الممات-1

المشاهدات 1746 | التعليقات 0