علماء الشام وطغاتها

احمد ابوبكر
1434/04/22 - 2013/03/04 19:58PM
بقلم / ابو مضر

مرَّ على بلاد الشام فيما مضى من الزمان من الظلم والطغيان، ما تشيب له الولدان، وما يجعل الحليم حيران، وغالباً ما يكون لعلماء الشام عظيم الشان، فهم لا يخافون في الله لومة لائم. يحرضون على الجهاد، ويقفون للظالم بالمرصاد. ومن تلك المواقف المشرقة...ما جرى بين الإمام الأوزاعي والطاغية العباسي.
لما دخل عبد الله بن علي العباسي(عم أبي العباس السفاح) دمشق قتل في يوم واحد ستة وثلاثين ألف مسلم، وأدخل خيوله في المسجد الاموي الكبير ثم جلس للناس وقال للوزراء : هل يعارضني أحد؟ قالوا: لا قال : هل ترون أحدا سوف يعترض علي؟ قالوا: إن كان فالاوزاعي..(والأوزاعي عالم كبير ومحدث شهير، قال عنه الإمام مالك: ). قال: أحضروه لنرى، فلما أخبروه قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، ثم ذهب فاغتسل ولبس أكفانه قال لنفسه: آن لك يا أوزاعي ان تقول كلمة الحق لا تخشى في الله لومة لائم، ثم قال: وقال:يا ذا العزة التي لا تُضام، والركن الذي لا يُرام، يا من لا تُهزَم جنوده، ولا يُغلب أولياؤه، اللهم أنت حسبي، ومن كنت حسبه فقد كفيته، ثم دخل على الأمير فرآه وقد صف وزراءة وسيافيه صفين، وقد رفعوا سيوفهم حتى التقت رؤوسها ليرهبوه.

يقول الأوزاعي فوالله ما رأيته أمامي إلا كالذباب، وتصورت عرش ربي بارزا والمنادي ينادي: فريق في الجنة وفريق في السعير، والأمير معقد جبينه وينكث في خيزرانته، فألقيت عليه السلام فلم يرد. قال: يا أوزاعي ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد، أجهاداً ورباطاً هو؟ فقلتُ: أيها الأمير سمعت (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فإذا بكل واحد يقبض على سيفه، والأمير ينكث الأرض بخيزرانته، ثم قال: ما تقول في الدماء التي أرقناها، والأرواح التي أزهقناها؟ فقلت: سمعت فلاناً عن فلان عن جدك ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فإن كان من قتلهم من هؤلاء فقد أصبت وإن لم يكونوا منهم فدمائهم في عنقك. قال: فرأيت الوزراء يستجمعون ثيابهم ويرفعونها كي لا يصيبها دمي؛ فرفعت عمامتي ليقع السيف مباشرة على رقبتي. قال فنكث بالخيزرانة أشد من ذلك فرفع رأسه فقال: ما تقول في الدور التي اغتصبناها والأموال التي أخذناها؟ فقلت: اعلم ايها الأمير أن الله سيجردك حتى من ثيابك لتقف أمامه عريانا وسيسألك عن الصغير والكبير والفتيل والنقير والقطمير، فإن كانت حلالا فحساب، وإن كانت حرامًا فعقاب، إن كانت في أيديهم حراما فهي لك حرام، وإن كانت في أيديهم حلالاً، فلا تحل لك إلا بطريق شرعي. قال: فأعطاه كيساً مملوءاً بالذهب فقلت: لا حاجة لي بالمال فغمزني أحد الوزراء أنه يريد حجة لقتلك، فأخذت المال ووزعته على الجنود وخرجت وأنا أقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.

ولما مات الإمام الأوزاعي، أتى عبد الله بن علي إلى قبره، وقال:والله إني كنت أخافك أخوف أهل الأرض، والله إني كنت إذا رأيتك رأيت الأسد بارزًا...هكذا كان العلماء يوم كانت مرضاة الله ومخافته شغلهم الشاغل، فمن خاف الله واعتصم بحبل الله وصدق مع الله؛ كان الله معه وخوّف منه كل شيئ... واليوم ترزخ الشام ومنذ عقود أربعة تحت حكم النصيرية الباطنية، يسومونهم سوء العذاب، يجلدون ظهورهم، ويغتصبون نساءهم وصبيانهم، وينهبون أموالهم، ويدمرون منازلهم ومساجدهم. ولما بلغ السيل الزبى، والظلم المنتهى ، خرج الأحرار والحرائر يطالبون بإسقاط طاغية الشام وزبانيته، وإنهاء ظلمه واستبداده وفجوره، وتخليص (شام شريف، الشام الطاهرة) من العصابة المجوسية الكافرة الفاجرة..وبدل أن يقف علماء الشام وقفة الأوزاعي ووقفة ابن تيمية الحراني ووقفة العز بن عبد السلام وغيرهم من الأئمة الأعلام ... نرى أمثال البوطي وحسون والعكام والحوت وغيرهم من علماء السلطان يحاول الواحد منهم أن يلوي عنق آيات القرآن، وأحاديث النبي العدنان ليبرر وقوفه في صف الطغيان وتسبيحه بحمد الحاكم والأركان، وكأنه لن يقف بين يدي الواحد الديان، ليسأل عن تخاذله في نصرة أهل الحق والإيمان...ولكنا نقول لكل سوري حر أبيّ: لا تسمعوا لأصوات الباطل مهما تعالت، فللحق جولة يَصرع فيها الباطلَ وأهله، والشام أرض مباركة ...الله حاميها .. يقول فيها الذي لا ينطق عن الهوى كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه سلم- يقول: (يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، قالوا: يا رسول الله! وِلمَ ذلك؟ قال: تلك ملائكةُ الله باسطوا أجنحتها على الشام). وإن كانت الملحمة الكبرى في الشام فادعوا الله تعالى أن تكونوا في صفوف أحبابه وأصفيائه وجنده لمقارعة أعدائه وأتباعهم، ففي سنن أبي داود، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( يومُ الملحمة الكبرى؛ فسطاط المسلمين بأرضٍ يقالُ لها:الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق؛ خير منازل المسلمين يومئذٍ).

نسأل الله المنتقم الجبار ..أن يؤيد جند الشام الأحرار بملائكته الأبرار، وأن ينصرهم على الطاغية بشار الغدار ، وجنده الظلّام الأشرار، وأعوانهم من المنافقين الفجار... إنه القوي القهار وهو على كل شيئ قدير.
المشاهدات 1422 | التعليقات 0