علامات محبة الله للعبد (2)
محمد بن إبراهيم النعيم
إن أوجب عبادة في هذه الحياة أن تحب الله -عز وجل-، وإن أسمى حبٍ أن تحب الله -عز وجل-، ومع ذلك فقد ذكرنا في الخطبة السابقة أن هناك حبا أسمى من هذا الحب ، وهو أن يحبك الله -عز وجل-، فإذا أحبك نلت رضاه ودخلت جنته.
وقد ذكرت لكم خمس علامات لمحبة الله تعالى لعبده المسلم، أولها: أن يوفقك الله عز وجل للإيمان والتدين لقول ابن مسعود " وان الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب". ثانيا: أن يحميك من فتن الدنيا وشهواتها، لقوله : (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ). ثالثا: أن يوفق العبد إلى الرفق واللين وترك العنف، لقوله (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق).
رابعا: أن يبتلى العبد في دينه أو دنياه، لقوله : (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ). خامسا: أن يعجل الله للعبد عقوبة ذنبه في الدنيا ولا يستدرجه، لقوله لذلك الرجل الذي التفت إلى امرأة ينظر إليها وهو يمشي فأصاب وجهه الجدار: قال له: (أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ).
أيها الأخوة في الله
وهناك مزيد من العلامات الدالة على حب الله تعالى للعبد، والتي منها: وهي العلامة السادسة: أن توفق لخدمة الناس وإعانتهم وتفريج كربهم، حيث روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ , وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثَبِّتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ» رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا.
سابعا: ومن علامات حب الله للعبد أن يوفق إلى حسن الخلق، فعن أسامة بن شريك قال: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، مَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ، إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ فَقَالُوا: مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: " أَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا» رواه الطبراني.
ثامنا: ومن علامات حب الله للعبد أن يُوفق إلى حسن الخاتمة والموت على عمل صالح، فعن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله : («إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا عَسَلَهُ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا عَسَلَهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ» أَوْ قَالَ: «مَنْ حَوْلَهُ» رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي
وفي حديث آخر عن أبي أمامة أن النبي قال: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طَهُورُ الْعَبْدِ؟ قَالَ: «عَمَلٌ صَالِحٌ يُلْهِمُهُ إِيَّاهُ، حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ» رواه الطبراني.
فالذي يموت محرما مثلا فهذا مما يدل على حسن خاتمته، كمثل ذلك الصحابي الذي وقصته دابته في حجة الوداع، فقال النبي : «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا» رواه البخاري.
أيها الإخوة في الله
إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات لحسن الخاتمة، يستدل بها على حسن خاتمة العبد، نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا منها، فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ويالها من بشارة، وهذه العلامات كثيرة ولله الحمد، ومنها أن يموت العبد من عرق الجبين، والمعنى أن يُشدد على العبد أثناء سكرات الموت إن كان عليه بقية ذنوب لتمحيصها أو لتزيد درجته، فيعرق جبينه من شدة ألم الموت، فقد روى بُرَيْدَةَ أن النبي قَالَ: (الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ) رواه الترمذي والنسائي.
ومنها أن يكونَ آخرُ كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، فقد روى معاذ بن جبلأن النبي قال: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه أبو داود. ومنها أن يموت شهيدا في سبيل الله، وإن شهداء هذه الأمة كثر، ولا ينحصرون في الموت في ساحات القتال، ومن سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه، فمن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن جعل بعض المصائب التي تصيبهم ترفع صاحبها إلى منزلة الشهداء، ولا يعني هذا أن يتمناها المؤمن وإنما يسأل الله العافية.
وأهم المصائب التي صح الخبر عنها بأنها ترفع أصحابها إلى منزلة الشهداء ما يلي:
من مات مدافعا عن ماله وعرضه ودينه ودمه، لما رواه سَعِيدُ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رواه أحمد والترمذي.
ومن الشهداء أيضا في هذه الأمة من مات بمرض الطاعون أو مات بالغرق، أو مات لمرض في بطنه أو مات محروقا، والمرأة تموت في أثناء الولادة أو النفاس، حيث روى رَاشِدُ بْنُ حُبَيْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ يَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (أَتَعْلَمُونَ مَنْ الشَّهِيدُ مِنْ أُمَّتِي)؟ فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ عُبَادَةُ: سَانِدُونِي، فَأَسْنَدُوهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: (إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ، الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَهَادَةٌ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ، وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ، وَالْبَطْنُ شَهَادَةٌ، وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَالْحَرْقُ وَالسَّيْلُ) رواه أحمد. والمقصود بالسيل الذي يغرق في ماء السيل.
وفي حديث آخر ذكر النبي أيضا صاحب الهدم، أي الذين يسقط عليه بيته عند وقوع الزلازل، حيث قال : (وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ) متفق عليه.
وكذلك أيضا الذي يموت بمرض السل وهو أحد الأمراض الصدرية حيث روى عبادة بن الصامت أن رسول الله قال : (السِّلُ شهادة) رواه ابن حبان.
كل تلك الأحوال والمصائب قد جعلها الله تعالى لعبادة في منزلة الشهادة وعلامة من علامات حسن الخاتمة، نسأل الله تعالى أن يحيينا ويميتنا على أحسن الأحوال التي ترضيه عنه، وأن يعصمنا من الزلل ويفقنا لصالح القول والعمل، وأن يوصلنا إلى محبته عز وجل.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: إذا أردت أن يحبك الله عز وجل فعليك باتباع سنة النبي ، فقد قال الله عز وجل } قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{، وإذا أردت أن يحبك الله عز وجل فعليك بمجالسة الصالحين وزيارتهم، فقد قال معاذ بن جبل سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) رواه أحمد. وروى أبو هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) رواه مسلم.
وإذا أردت أن يحبك الله عز وجل، فالزم فرائض الله تعالى ولا تضيعها وبادر إلى الإكثار من النوافل بشتى أنواعها، من صلاة وصيام وصدقة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : قال الله –عز وجل-: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ) رواه البخاري.
وما السبيل لحب النوافل لنكثر منها؟
اقرأ أحاديث الترغيب والترهيب في فضائل الأعمال، فمن عرف ثواب الأعمال سهلت عليه وأحب العمل بها، ومن جهلها ثقلت عليه.
ألم تقرءوا عن ذلك الصحابي الذي كان يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة فعندما سأله النبي عن سبب ذلك، قال بأنه يحب هذه السورة، فقال النبي : (أخبروه بأن الله يحبه)، هذه بعض العلامات ذكرتها على عجالة واختصار.
أسأل الله تعالى أن يوصلنا إلى محبته، اللهم حببنا إليك، اللهم ارزقنا حبك، والعمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخط والنار، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا.....