علامات الساعة العشرة الكبرى
عبدالرحمن سليمان المصري
علامات الساعة الكبرى
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ([1]) .
عباد الله :
إن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة التي لا يستقر إيمان أحد ولا يصلح إلا به ، وهو يشمل علامات الساعة الصغرى والكبرى، كما يشمل كل ما يكون بعد الموت من سؤال الملكين ، والإيمان بالبعث والنشور ، وأهوال يوم القيامة ، والإيمان بالجنة والنار ، وكل ما يتعلق بذلك مما جاء في كتاب الله تعالى ، وما صح من سنة رسول الله ﷺ .
قال الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ ([2]) ، وقال تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ ([3]) .
عباد الله : علامات الساعة الكبرى ؛ هي إرهاصات ومقدمات لقيام الساعة ، والنفخ في الصور.
وهي عشر علامات جاءت في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه ، قال: اطلع النبي ﷺ علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون؟» قالوا: نذكر الساعة، قال: " إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات - فذكر – الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ﷺ ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن ، تطرد الناس إلى محشرهم " رواه مسلم .
وليس هناك نص صريح يبين ترتيب هذه العلامات العشر، وإنّما جاء ذكرها في الأحاديث مجتمعة بدون ترتيب ، إلا أربع علامات هي خروج الدجال ثم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، ثم خروج يأجوج ومأجوج ، وآخر العلامات النار التي تخرج من اليمن ، وإذا ظهرت واحدة من العشر توالت الآيات بعدها كعِقد انفرط سلكه .
وأول هذه العلامات ورودا في الحديث : الدخان .
قال الله تعالى ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ([4]).
يُصيب المؤمن منه كالزكمة ، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه من منخريه وأذنيه ودبره أ. هـ من فتح الباري.
العلامة الثانية الواردة في الحديث : المسيح الدجال .
وهو مسيح الضلالة ، وسمي مسيحا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة ، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما ، وهو رجلٌ من بني آدم ، أعور العين اليمنى، عينه ليست بارزة ولا غائرة ، كأنّها عنبة طافئة أي ذهب ضوؤها ، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة أي لحمة نابتة على جفنه وعينه ، ومكتوبٌ بين عينيه (كافر) بالحروف المقَطعة، أو بدون تقطيع ، يقرؤها كلّ مسلم كاتب وغير كاتب.
عباد الله : يخرج الدجال من خراسان من مدينة أصبهان ، معه سبعون ألفا من اليهود ، ثم يسير في الأرض ، فلا يترك بلدا إلا دخله ؛ إلا مكة والمدينة ، فلا يستطيع دخولهما ؛ لأنَّ الملائكة تحرسهما .
وفتنته من أعظم الفتن منذ خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام السّاعة ، ما من نبي إلا حذر أمته منه ، وذلك بسبب ما يخلق الله معه من الخوارق العظيمة الّتي تُبهر العقول ، وتحيِّر الألباب .
معه جنة ونار ، فجنَّتُه نارٌ، ونارُه جنَة، ومعه أنّهار الماء، يأمر السَّماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تُنْبِت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض ، يمر على القوم فيدعوهم لعبادته فإن أطاعوه أخصبت أرضهم وسمنت دوابهم ، ومن عصاه أجدبت أرضهم وقحطت ، وضعفت دوابهم وضمرت .
ويقطع الأرض بسرعة عظيمة؛ كسرعة الغيث استدبرته الريح ، وتكون نهاية الدجال على يد نبي الله عيسى ابن مريم ﷺ ، فيقتله بحربته عند باب لُدّ قرب بيت المقدس.
عباد الله : والنجاة من فتنة الدجال تكون بالتمسك بالإسلام ، و التعوذ من فتنة الدجال، وخاصة في الصلاة بعد قراءة التحيات ، و حفظ العشر آيات من أول سورة الكهف وقيل من آخرها لورود السنة بذلك .
العلامة الثالثة الواردة في الحديث :الدابة.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ ([5])، قال ابن مسعود رضي الله عنه : وَقْعُ القول يكون: بموت العلماء ، وذهاب العلم ، ورفع القرآن([6]).
قال ﷺ: "تخرج الدَّابَّة، فتسم النَّاس على خراطيمهم، ثمّ يُعمّرون فيكم حتّى يشتري الرَّجل البعير، فيقول: ممَّن اشتريته؟ فيقول: من أحد المخطمين" رواه احمد وصححه الألباني .
ولم يذكر الله ورسوله ﷺ كيفية هذه الدابة ، وإنما ذكر أثرها والمقصود منها ([7]) ، فإنها تسم المؤمّن والكافر، فأما المؤمن؛ فإنها تجلو وجهه حتى يُشرق، ويكون ذلك علامة على إيمانه.
وأما الكافر؛ فإنها تُكلّمه بما يسوؤه ، وتخطمه على أنفه ؛ علامة على كفره والعياذ بالله .
وهذه العلامة يكون قبلها: خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج .
العلامة الرابعة الواردة في الحديث : طلوع الشمس من مغربها .
قال الله تعالى :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾([8]) ، وأكثر المفسرين على أن المراد ببعض الآيات المذكورة في الآية هو طلوع الشّمس من مغربها([9]) .
قال ﷺ:" لا تقوم الساعة حتّى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، فرآها الناس؛ آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " رواه البخاري .
فلا يُقبل الإيمان ممن لم يكن قبل ذلك مؤمنًا ؛ كما لا تقبل توبة العاصي، وذلك لأنها آية عظيمة يراها كل
الناس فتنكشف لهم الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته .
العلامة الخامسة الواردة في الحديث : نزول عيسى ابن مريم ﷺ .
وهو مسيح الهُدى ؛ يُبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله.
ينزل عليه السلام من السماء ، بعد خروج الدجال وإفساده في الأرض، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، واضعًا كفَّيْهِ على أجنحة ملكين، ويكون هذا مع صلاة الفجر حين يصطف المسلمون للصلاة ، ويصلي مأموما تكرمة لهذه الأمة ، ويحكم بشريعة الإسلام ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية فلا يقبل من أحد غير دين الإسلام ، ويعيش مع الناس سبع سنين، ويبارك الله تعالى بالأرض فتخرج ثمرتها وبركتها، ويفيض المال، وتذهب الشحناء والتباغض والتحاسد ، وتقع الأمنة على الأرض حتّى ترتع الأسود مع الإِبل، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم ، ثم يموت عليه السلام ويصلي عليه المسلمون .
العلامة السادسة الواردة في الحديث : خروج يأجوج ومأجوج.
قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ ([10]) .
وهما قبيلتان من ذريَّة يافث ولد نوح عليه السّلام ، وأشكالهم كبقية بني آدم ، وهم رجالٌ أقوياء، لا طاقة لأحد بقتالهم ، ولا يموت أحدهم حتى يرى من ذريته ألفا ، وكانوا مفسدين في الأرض ، فبنى ذو القرنين السدّ فحال بينهم وبين الناس ، والله أعلم بمكانه ، فإذا جاء الوقت المعلوم ؛ اندكَّ هذا السدُّ، وخرجوا بسرعة عظيمة، لا يقف أمامهم أحدٌ من البشر، فعاثوا في الأرض فسادا ، ثم يرسل الله عليهم النغف وهو كالدود الصغير فيموتوا كنفس واحدة .
قال تعالى: ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ ([11]) .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده الذي أصطفى وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتفى ،
أما بعد:
العلامة السابعة والثامنة والتاسعة الواردة في الحديث : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب .
والخسف هو انشقاق الأرض وابتلاع كل شيء عليها ، وهذه الخسوف الثلاثة لم يسبق أن حدث مثلها ، وهي عظيمة وكبيرة وغير مألوفة وتكون بين يدي الساعة .
العلامة العاشرة الواردة في الحديث : النار التي تحشر الناس .
وهي آخر علامات الساعة الكبرى ، وأول الآيات المؤذنة بانقضاء الدنيا ، وقرب النفخ في الصور .
وخروج هذه النّار يكون من اليمن، من قعرة عدن، ومن بحر حضرموت ، ثم تنتشر في الأرض ، وهي تلحق وتطرد الكفار ، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا ، ومن يتخلف عنها تأكله النار.
أما المؤمنون فلا تمسهم النار ، بل يُحشرون إلى الشام طواعية على نجائب الأبل .
عباد الله : إن الحكمة من ذكر علامات الساعة وأشراطها هو: المبادرة بالعمل الصالح ، والكفّ عن الظلم والعصيان ، وكثرة الذكر والاستغفار ، والتوبة إلى الله تعالى ، واستشعار رحمة الله بعباده أن لم يفجأهم بقيام الساعة دون مقدمات لها ، وتثبيت الإيمان في القلب ؛ لأن كل علامة تتحقق يزداد المؤمنون يقينا بوعد الله تعالى .
أيها المؤمنون : وإذا كانت القيامة الكبرى يتقدمها آيات وعلامات ؛ فإن القيامة الصغرى تأتي فجأة دون أي مقدمات ، والقيامة الصغرى هي الموت ، فمن مات فقد قامت قيامته، وانكشف له كل شيء من أمور الآخرة ، والقبر أول منازل الآخرة فإما أن يبشر بالجنة وإما أن يبشر بالنار .
قال تعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ ([12])
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ([13]) .
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
([1]) النساء : 131
([2])الأنبياء : 1
([3])محمد : 18
([4])الدخان :10-11
([5]) النمل : 82
([6])تفسير القرطبي: 13/ 234
([7])تفسير ابن سعدي عند الآية
([8]) الأنعام : 158
([9])تفسير ابن كثير عند الآية
([10]) الأنبياء :96-97
([11]) الكهف : 98
([12]) آل عمران : 185
([13]) سورة الأحزاب : 56