علامات الساعة الصغرى رقم 5.

عبد الله بن علي الطريف
1446/04/15 - 2024/10/18 00:48AM

سلسلة أركان الإيمان خامسًا: الإيمان باليوم الآخر. من علامات الساعة الصغرى رقم 5. 15/4/1446هـ

أيها الإخوة: من مات قامت قيامته، أما عموم الخلق فبقيام الساعة، وجعلَ اللهُ موعدَ قيامِها من الغيبِ الذي استأثرَ بعلمه، وأخفاه عن الخلقِ أجمعين، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف:187]، وقَالَ النّبيُّ ﷺ: «لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ [وهي النَّاقَةُ ذَاتُ الدَّرِّ] فَلا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ [أَيْ: يُصْلِحُهُ بِالطِّينِ وَيَسُدُّ خُرُقَهُ] فَلا يَسْقِى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلا يَطْعَمُهَا». رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ. ومن لطفه تعالى أنه جعل للساعة علامات تدل على قُرب قيامها، وقد كانت بعثة نبينا محمد ﷺ من أول أشراطها، ثم تتالت الأشراط فمنها ما وقع، ومنها ما لم يقع.. وقد ذكر العلماء منها ما يقارب السبعين.. وقد ذكرت في خطب سابقة بعضها وسنذكر اليوم شيء منها..

‌‌أيها الإخوة: مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الْخُسُوفِ وَالزَّلَازِل، قَالَ النّبيُّ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌تَكْثُرَ ‌الزَّلَازِلُ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ السَّكُونِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النّبيُّ ﷺ (فذكر الحديث، وفيه) «وَبَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَوْتَانٌ شَدِيدٌ، ‌وَبَعْدَهُ ‌سَنَوَاتُ ‌الزَّلَازِلِ». قال في مجمع الزوائد رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، والـمَوْتَان: الموت الكثير الوقوع.

قال ابن حجر رحمه الله: وقوله «‌تَكْثُرَ ‌الزَّلَازِلُ» قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثيرٌ من الزلازل، ولكن الذي يظهرُ أن المراد ‌بكثرتها ‌شُمولها ‌ودوامها.. ويؤيد ذلك ما رواه عَبْدُاللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ قَالَ: عَلَى هَامَتِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، ‌إِذَا ‌رَأَيْتَ ‌الْخِلَافَةَ ‌قَدْ ‌نَزَلَتْ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَحَهُ الْأَلْبَانِيُ.

وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «‌بَيْنَ ‌يَدَيِ ‌السَّاعَةِ ‌مَسْخٌ، وَخَسْفٌ، وَقَذْفٌ» رواه ابن ماجة وصححه الألباني ‌‌الْمَسْخُ: قَلْبُ الخِلْقَةِ من شيءٍ إلى شيءٍ، أو تحويلُ الصورة إلى أقبحِ منها أو مَسْخُ القلوبِ، والخَسْفٌ: أَيْ: الذَهَابٌ فِي عُمْقِ الْأَرْضِ.. والقَذْفُ: هُوَ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ السَمَاءِ.. ويبين وقتَ هذه الأحداثَ العظام ما رواته عَائِشَةُ رَضيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النّبيُّ ﷺ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا ظَهَرَ الْخَبَثُ» رواه الترمذي وصححه الألباني. وَعَنْ صُحَارٍ الْعَبْدِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النّبيُّ ﷺ: «لَا ‌تَقُومُ ‌السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌يُخْسَفَ ‌بِقَبَائِلَ، فَيُقَالُ: مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ؟» قَالَ صُحَارٌ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: "فَعَرَفْتُ حِينَ قَالَ: قَبَائِلَ أَنَّهَا الْعَرَبُ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ تُنْسَبُ إِلَى قُرَاهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ..

أيها الإخوة: الأحاديثُ التي فيها ذكرٌ للخسفِ والقذفِ والمسخِ فيها وعيدٌ شديد للعصاة خصوصًا إذا أظهروها بأن الله تعالى ربما عاقبهم بهذه العقوبات أو ببعضها في الدنيا على عصيانهم وتمردهم، وهي في نفس الوقت من أمارات الساعة التي كلما اقترب وقوعُها ازداد ظهور المعاصي والذنوب؛ لأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، والله أعلم..

أيها الإخوة: ومن علامات الساعة الصغرى كثرة موت الفجأة: ويقصد به وقوع الموت بغير سبب من مرض وغيره.. فقد روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَولُه: «مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ قِبَلًا فَيُقَالُ لِلَيْلَتَيْنِ، وَأَنْ تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدُ طُرُقًا، وَأَنْ يَظْهَرَ ‌مَوْتُ ‌الْفُجْأَةِ» رواه الطبراني في الصغير وحسنه الألباني.

وهنا قد يسأل سائل هل موتُ الفجأةِ علامةُ خيرٍ أو عَلامةُ شر.؟ فقد روى عُبَيدُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِي رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «‌مَوْتُ ‌الْفجْأَةِ أَخْذَةُ أَسِفٍ». رواه أحمد في مسنده وصححه الأرناؤوط. وَمَا رُيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا عَنْ ‌مَوْتِ ‌الْفجْأَةِ: "أَسَفٌ عَلَى الْفَاجِرِ، ‌وَرَاحةٌ ‌لِلْمُؤْمِنِ" رواه النسائي بالكبرى.. ولبيان ذلك قال النووي رحمه الله عَنْ ‌مُوْتِ ‌الْفجْأَةِ: هو محبوب بالمراقبين، أي: أصحاب المراقبة؛ وذلك لأن الأمر كما قال أحدهم: لو أن اللهَ تعالى جعلَ موتي غدًا، ما استطعت أن أزيد في عبادتي شيئًا؛ لأنه قائم بحق العبادة وحق الطاعة وحق المراقبة والخشية والإنابة والتوبة وغير ذلك في كل أحيانه، فلو علم أن موته غدًا أو بعد غد أو بعد عام لما استطاع أن يزيد في عبادته شيئًا، بخلاف غيره فإنه بالنسبة له حسرة: (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون:99-100]؛ لأنه يعلم أن عملَه ناقص، فلما جاءه الموت بغتة تمنى أن لو يرجع عندما عاين العذاب ليعمل صالحًا..

وهذا أمرٌ مشاهَدٌ في هذا الزمان، فقد كثُر في النَّاسِ موتُ الفجأة، فترى الرَّجلَ صحيحًا معافى، ثمَّ يموتُ فجأة، وهذا ما يسميه النَّاس في الوقت الحاضر بالسكتة القلبيَّة والجلطات والحوادث.. والحقُ أنَّه ينبغي لكل مسلم أن يستحضر في نفسه هذا الخطر؛ فربما كان موته فجأة، ولذلك كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ». رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. وكان الإمام البخاريّ رحمه الله يقول:

اغْتَـــنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْـــلَ رُكُــوعٍ … فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَةْ

‌كَمْ ‌صَحِيحٍ ‌رَأَيْتَ ‌مِنْ ‌غَيْرِ ‌سُقْمٍ … ‌ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَةْ

 وقد أوجز سائلٌ المراد من ‌مَوْتِ ‌الْفجْأَةِ بسؤال سأله سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: هل موت الفجأة من علامات القيامة؟ وهل هناك ما يعصمُ منه؟ وهل الاستعاذة منه كافية.؟. فأجاب رحمه الله بقوله: جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن موتَ الفجأة يكثُر في آخر الزمان، وهو أخذةُ غضبٍ للفاجر، وراحةٌ للمؤمنِ، فقد يصاب المؤمن بموت الفجأة بسكتة أو غيرها، ويكون راحةً له ونعمة من الله عليه؛ لكونه قد استعد واستقام وتهيأ للموت، واجتهد في الخير، فيؤخذ فجأة وهو على حالة طيبة، على خير وعمل صالح، فيستريح من كُروبِ الموت، وتعبه، ومشاقه.. وقد تكون تلك الأخذة بالنسبة إلى الفُجْارِ، أخذةُ غضبٍ عليهم، ففوجئوا على شر حال، نسأل الله العافية.. أ هـ.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: ومن علامات الساعة الصغرى: تمنِّي الموت من شدة البلاء، ويكون عند كثرة الفتن، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النّبيُّ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌يَمُرَّ ‌الرَّجُلُ ‌بِقَبْرِ ‌الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ.» رواه مسلم. وَعَنْهُ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ» رواه مسلم. أي يَا لَيْتَنِي كُنْتُ ميتًا حتى أنجو من الكرب، ولا أرى من المحن والفتن وتبديل وتغيير رسوم الشريعة ما أرى فيَكُونَ الْمَوْتُ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ أَهْوَنَ عَلَى الْمَرْءِ فَيَتَمَنَّى أَهْوَنَ الْمُصِيبَتَيْنِ فِي اعْتِقَادِهِ.. وقد قال ابْنُ مَسْعُودٍ: "إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ ‌لَوْ ‌وَجَدَ ‌أَحَدُكُمُ ‌الْمَوْتَ يُبَاعُ لَاشْتَرَاهُ" ذكره في السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها للداني المتوفى سنة 444هـ.

وَقال الحافظ العراقي: ولا يلزم كونه في كل بلد، ولا في كل زمن، ولا في جميع الناس، بل يصدق على اتفاقه للبعض في بعض الأقطار، وفي بعض الأزمان.. وفي تَعليقِ تَمنِّيهِ بالـمـُرورِ إشعارٌ بشدةِ ما نَزَلَ بالناسِ من فسادِ الحالِ حينئذٍ؛ إذ المرء قد يتمنى الموت من غير استحضار لهيئته، فإذا شاهد الموتى ورأى القبور نَشَز بطَبْعهِ ونفَرَ بسجيته من تمنيه؛ فلقوة البلاء لم يصرفه عن تمني الموت ما شاهده من وحشة القبور.. انتهى بتصرف. قوله: "وليس به الدين" أي: ليس الداعي له على هذا الفعل الدين، وإنما الداعي له البلاء.

أيها الإخوة: حرصًا من وزارة الصحة على وقاية المواطنين والمقيمين من الإصابة بمرض الإنفلونزا ومضاعفاته حيث تكثر الإصابة بها في مثل هذا الوقت من كل عام؛ فقد أطلقت وزارة الصحة حملة توعية بخطر هذا المرض، وهيئت للوقاية منه بإذن الله اللقاح اللازم، وهو مبذول للجميع مجانًا للمواطنين والمقيمين.. والمسلم يجوز له الأخذ بأسباب الوقاية، وتضل هذه اللقاحات من الأسباب، التي لا تغني المسلم عن التوكل على الله، والتيقن أنها الأسباب والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين...   

 

 

 

 

 

المرفقات
المشاهدات 3704 | التعليقات 0