علاقة المؤمن بالأسباب ومُسببها
ناصر بن عبدالرحمن الحمد
﷽
"علاقة المؤمن بالأسباب ومسبّبها"
الحمدلله أما بعد :
فقد قال العظيم الحليم : ﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾
وإن توحيداً تصاحبه عبادة لغير الله ﷻ لهو توحيد مقلوب وتعلّق معطوب ...
وعلى المؤمن أن يرقب لحظه ولفظه وعمله ليكون ما يعمله هو لله وبالله وعلى الله ﷻ
عباد الله....
لقد رأى نبيّكم ﷺ رجلاً في يده حلقة من صُفر -أي من نحاس- فقال ﷺ ما هذه ؟
قال : من الواهنة
فقال ﷺ : انزعها فإنّها لا تزيدك إلا وهنا فإنّك لو متّ وهي عليك ما أفلحت أبداً
وهذا الحديث فيه ضعف ولكنّ معناه صحيح
وذلك أنه في الحقيقة أنّ هذه الحلقة ليس لها أي مصدر علاجي وليس فيها مادة معينة للعلاج وإنّما هوتوّهم من المريض وتعلّق منه بهذه الحلقة....
وقد جاء في التعلّق بالأسباب وغيرها حديث صحيح :
قال ﷺ : من تعلّق تميمة فقد أشرك
وهذا يدلّ أنّ كل تعلّق بالأسباب فهو شرك أو طريق للشرك ...
والناس في الأسباب ثلاثة:
1-من ينكر الأسباب وهم بعض الضالين المنحرفين-من اعتقد انها مؤثرة بنفسها من دون الله تعالى فهذاشركٌ اكبر
ومن اعتقد أن شيئا له سبب وليس بسبب فقد وقع في الشرك الأصغر...
3-من لم ينكر الأسباب ولم يجعلها مؤثرة بنفسها بل بالله ﷻ وهذا هو شأن المؤمن
فالذي علّق تميمة أو ربط على يده شيئاً وقال تحفظني من كذا أو علق عظاماً أو وضع شعر الذئب فإنظن أنها مؤثرة بنفسها فقد أشرك شركاً اكبر
ومن ظنّ أنها ليست مؤثرة بنفسها فقد وقع في الشرك الأصغر لأنه جعل ما ليس بسبب سببا وكأنهأصبح أعلم من الله ﷻ به
ومعرفة الأسباب تكون إما عن طريق الشرع أو التجربة الصحيحة ...
أما أن تبنى على خزعبلات وتوهّمات واعتقادات ليس لها أساس فهذا ضلال مبين
ولذلك تجدون من يعلّق التمائم والتعليقات يتوهّم أنّها تنفع أو تضرّ ...
والتمائم محرمة فأما إن كانت من القرآن فهي على خلاف والأحوط الامتناع عنها ...
فعليكم عباد الله في اختبار نفوسكم كلّ حين وابتلائها وتمحيصها حتى لا يحرمنا فعل الأسباب تركالتعلّق بمسبب الأسباب ﷻ
الخطبة الثانية
الحمدلله الدي لم يزل سميعا بصيرا يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور..
وصلى الله وسلّم على الرحمة المهداة والنّعمة المسداة من تركنا على محجّة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغعنها إلا هالك..
أما بعد :
فعندما ابتلى الله ﷻ يعقوب بفقد ولده كان كل ما حصل منه متابعة للأسباب مع تعلّقه بمسبب الأسبابفقد بذل قصارى جهده في البحث عن ابنه ...
وكانت قصّته درساً في التوكّل وحسن الظن بالله ﷻ ...
ولما أمر أولاده أن يدخلوا من أبواب متفرّقة خشية العين أو خشية أن يتربّص بهم جنود الملك قال :
{وما أُغني عنكم من الله من شيء}
وهذا من أعظم التربيّة للأولاد، فإن يعقوب عليه الصلاة والسلام لمّا أمر أولادهُ بفعل الأسباب أراد أنيجعل علاقتهم الكبرى بالله ﷻ فإذا لم يحصل لهم شيء من تحقّق السبب كان إيمانهم بالله أعظموأقوى
وهكذا يبنبغي لنا في حال الأمراض والأوبئة أن نعمل قصارى جهدنا في متابعة الأسباب ونتعلّقبمسبب الأسباب حتى إذا أصاب البلاء أحداً من العباد كانت النفوس إلى الله ﷻ مفضية فلم يضعفإيمانها به ﷻ طرفة عين
اللهم أعزّ الإسلام وأهله وأذلّ الباطل وأهله وأرنا الحقّ حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنااجتنابه
اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده لما تحبّ وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى