علاقة العبد بنفسه

زراك زراك
1433/05/14 - 2012/04/06 14:45PM
علاقة العبد بنفسه
14جمادى الأولى 1433 / 6 أبريل 2012
محمد زراك إمام المسجد الكبير بأولاد برحيل تارودانت المغرب
الحمد لله معز من تاب إليه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وفق من شاء من عباده لما يحب ويرضاه، وفضل التائب على العاصي واجتباه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، طوبى لمن آب إلى سنته ووالاه، وويل لمن أعرض عن شرعه وعاداه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين تابوا إلى الله فنالوا محبته ورضاه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أخرج الترمذي وقال حديث حسن، عن أبي ذر جندب ابن جنادة، وأبي عبد الرحمان معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسَنَةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ الناسَ بخلُق حسن
اتق الله حيثما كنت: هذه علاقتك بالله تعالى.
وأتبعِ السيئة الحسنة تمحها :هذه علاقتك بنفسك.
وخالِقِ الناس بخلقٍ حسن: هذه علاقتك بالمجتمع.
وقد قدمنا لكم في الجمعة الماضية علاقة العبد بالله تعالى، واليوم سنتحدث عن علاقة العبد بنفسه.
أيها المؤمنون! إن من الحقائق الثابتة، أن الإنسان مخلوق ضعيف، يشتمل على غرائز شتى، لا يملك أن يضبط نفسه أمام منظر مثير من مفاتن الحسن والجمال، أو أمام نظرات مشحونة بالإغراء، أو حركات مشبعة بالإثارة، تستهويه المناظير الجميلة وإن كانت حراما، ويحلو له إشباع غرائزه غير مبال بالحلال منها والحرام، ومن الصعب أن يتمالك نفسه أمام شهوة من الشهوات، فكان بذلك مهيأ لارتكاب الذنوب، ولا يكاد يَسلم من الخطأ والوقوع في بعض المعاصي أحد، فاحتاج الإنسان إلى شي يمحو به هذه المعاصي والذنوب، لذلك يقول النبي في هذا الحديث:وأتبع السيئة الحسنة تمحها.
روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلة، فجاء إلى النبي يخبره بذلك ؛ فسكت النبي حتى نزلت هذه الآية الكريمة، فدعاه فقرأها عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ فلما قرأها عليه، قال رجل أهذا له خاصة؟ فقال: بل للناس عامة.
إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
ومعنى يذهبن: تمحها، كما في هذا الحديث: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) واختلف العلماء في معنى تمحها إلى ثلاثة أقوال:
الأول: الحسنة تمحو السيئة من الصحف فلا يبقى لها أثر.
الثاني: إذا وقعت منك سيئة فعملت حسنة في مقابلها فإنك تجبرها.
الثالث: عبر بالمحو، عن ترك المحاسبة والمؤاخذة بها.
أيها المؤمنون! إنها نعمة عظيمة وفضل كبير مِنْ الله، أن جعل حسناتنا تمحوسيئاتنا، وقد أكد الرسول هذا المعنى وبيَّنه ووضحه حين قال: إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقَتْهُ ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً أُخْرَى فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ أُخْرَى حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الأَرْض) أحمد والطبراني عن عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ)
وعَن أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَسَكَتَ عَنْهُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو أُمَامَةَ لَحِقَ الرَّجُلُ رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ أَوْ قَالَ ذَنْبَكَ(مسلم)
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُولُ : " أَذْنَبَ رَجُلٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي ، فيقول الله تعالى عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، قَالَ : ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي ، فيقول الله تعالى: عَلِمَ عَبْدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، قَالَ : ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي ، فيقول الله تعالى عَلِمَ عَبْدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ " ، (متفق عليه).
أخي الحبيب لا تيأس من رحمة الله:
كلنا بشر وكلنا أصحاب ذنوب، وما من عبد مؤمن إلا وله ذنبٌ يعتاده، فكلما عملت معصية فاعمل حسنة في مقابلها، وإذا عصيت الله للمرة الثالثة والعاشرة والمائة والألف، فسبيل النجاة من هذه الذنوب أن تعمل حسنات تقابلها بالكم والكيف، وكونوا على يقين بأن الله لا يمل حتى تملوا.
أتدرون أيها المؤمنون أن الشيطان قد بكى حين نزل قوله -تعالىوَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
هنا سؤال يطرح نفسه مباشرة أمامنا، ما هي الأمور التي يمحو الله بها السيئات؟؟
الجواب: هي أمور كثيرة نذكر بعضها:
منها الوضوء: عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ". رواه مسلم
ومنها الصلوات الخمس:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ ، قَالُوا : لا ، قَالَ : فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " .(البخاري ومسلم)
ومنها: كثرة الخطى إلى المساجد وإسباغ الوضوء وانتظار الصلاة بعد الصلاة
يقول النبي صلى الله عليه وسلّم: "ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفعُ به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكارة وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ذلكم الرِّباط ذلكم الرِّباط ذلكم الرِّباط (مسلم)
ومنها: الحجّ المبرور:يقول النبي صلى الله عليه وسلّم من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمُّه"(البخاري ومسلم) كم من شخص يتمنّى أن يرجع به العمر ليتخلص من ذنوبه، يمكنه ذلك بالحج، فهو يرجع كيوم ولدته أمُّه ويبدأ من جديد.
ومنها: حفظ القرآن: يقول النبي "لو جُمع القرآن في إهاب أي في جلد ما أحرقه الله بالنار" ".. الله أكبر أحبتي في الله ما أكرم المولى عز و جل .. فما بالكم لو جمع القران في قلوبكم أكيد أنكم ستضمنون الجنة بإذن الله(البيهقي)
ومنها: بعض الأذكار:من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مئة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر(البخاري عن أبي هريرة)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أكل طعامًا ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه بغير حولٍ مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ومن كُسِيَ ثوبًا فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه بغير حولٍ مني ولا قوّة غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه"( رَوَاهُ الإِمَام أَحْمَد عَنِ الْمُقْرِي)
الآن : ما هو عذرك لألا تُغْفر لك ذنوبك ؟ سبحان الله سبحان أكرم الأكرمين سبحان أرحم الراحمين، أعطانا كل الفرص ليغفر لنا وليعفو عنا "
اللهم اغفر ذنوبنا وتجاوز عن سيئاتنا،أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون: خلق الله الجنة طيبة وجعلها دارا لأهل طاعته، وخلق النار خبيثة وجعلها مأوى لأهل معصيته، لكن بما أن رحمة الله واسعة، جعل لنا عشرة أشياء يزيل بها عنا هذه المعاصي حتى نكون من الفائزين بالجنة الطيبة.
يقول ابن القيم -رحمه الله- إن أسباب النجاة من الذنوب والبدع والشهوات وإيذاء النّاس يكون بتمحيص الذنوب
وهذا التمحيص يتم بعشرة أشياء:
أربعة منها في الدنيا وثلاثة في القبر وثلاثة يوم القيامة.
أربعة منها في الدنيا وهي: التوبة والاستغفار و الحسنات الماحية والمصائب المُكَفِّرة.
فإن لم تفي هذه الأربع بتمحيصه ، بإنحائه من شؤم ذنوبه مُحِّصَ في القبر بِثلاثة أشياء:
صلاة أهل الإيمان عليه ودعائهم له و ضمة القبر وتوابع ذلك ثم ما يُهْدى إليه من الإعمال
فإن لم تفي هذه بتمحيصه يعني بتنقيته من الذنوب مُحَّص يوم القيامة بثلاثة أشياء
أهوال يوم القيامة وشفاعة الشفعاء و عفو الله عز وجل
فإن لم تُمحِّصه هذه العشرة دخل جهنّم ليتطهّر، ولتحترق الذنوب الباقية، فإذا تطهّر أُخْرِجَ وأُدخِلَ نهر الحياة ثم أدخل الجنّة
أتدرون لماذا؟ لأن الجنة طيبة لا يدخلها إلا الطيبون ، فمن كان خبيثا ، دخل جهنم ليتطهر ، فإذا طهُرَ خبثه في جهنم ، أخْرجَ وأدخل الجنة. اللهم إن أجسادنا على النار لا تقوى، فحرمها على النار، اللهم حرم أجسادنا على النار
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله…
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
أمير المؤمنين محمدا السادس اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر به وعلى يديه، اللهم احفظه في ولي عهده وفي كافة أسرته الشريفة يارب العالمين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها أولها وآخرها سرها وعلنها. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.اللهم اغفر لنا جدنا وهزلنا وخطأنا وعمدنا.اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفار فأرسل السماء علينا مدرارا. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر. اللهم أغثنا, اللهم أغثنا, اللهم أغثنا. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والزلازل والمحن والفتن كلها ما ظهر منها وما بطن. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
المشاهدات 3642 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا