عقيدتنا بالصحابة رضي الله عنهم وما يجب لهم.

عبد الله بن علي الطريف
1436/02/14 - 2014/12/06 20:26PM
عقيدتنا بالصحابة رضي الله عنهم وما يجب لهم.
أيها الإخوة: عندما خلق الله الخلق لم يخلقهم عبثا، ولن يتركهم هملا، فقد أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء 165) قال السعدي رحمه الله: وهذا من كمال عزته تعالى وحكمتِهِ، أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضاً من فضله وإحسانه، حيث كان الناس مضطرَّين إلى الأنبياء أعظم ضرورةٍ تُقدَّر، فأزال هذا الاضطرار، فله الحمد وله الشكر، ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم أن يتمَّها بالتوفيق لسلوك طريقهم، إنه جواد كريم.
وقد اختار سبحانه الرسل من بين البشر ليبلغوا عنه هذا الدين ويقودوا البشرية إلى صلاح الدنيا والدين، واختار لهم من البشر أصحاباً ليؤازروهم ويحملوا دعوتهم من بعدهم..
ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأصحابه رضي الله عنهم أفضل الأصحاب، والصحابي: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام. وتحقق فيهم رضي الله عنهم ما لم يتحقق في غيرهم من الأصحاب، واجتمع فيهم من الخصال الحميدة ما لم يجتمع في غيرهم منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة.. فكان لهم من الشرف والكرامة عند الله ما ليس لغيرهم. فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ ذلك، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ. رواه أحمد وإسناده حسن.. الصحابة رضي الله عنهم هم الذين أخلصوا دينهم لله، وجردوا متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التمام والكمال، ودافعوا عنه في جميع الأحوال، وهان عليهم في سبيله الأرواح والأولاد والأموال.
غادروا الأوطان وهي عزيزة عليهم راضين مختارين، وتركوا كل شيء من الأموال والجاه والعشيرة إلى أرض لا عهد لهم بها وأمم لا نسب ولا إلفة بينهم وبينها...
لقد نالوا رضي الله عنهم شرفَ لقاء النبيّ صلى الله عليه وسلم وشرف صحبته، فحملوا له النصيب الأوفى من محبّته وتعظيمه، وهذه بعض الأمثلة على محبتهم له وتعظيمه صلوات ربي وسلامه عليه ورضي عنهم وأرضاهم:
سُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبُّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.؟ قال: كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا، وأولادنا وآبائنا وأمّهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ. رواه القاضي عياض في الشفا
وعندما قدَّم أهلُ مكّةَ زيدَ بنَ الدثنةِ رضي الله عنه: ليقتلوه في أمية بن خلف وقد كان أسيرًا عندهم، سأله أبو سفيان بن حرب وهو على الشّرك حينذاك: أَنْشُدُكَ الله يا زيد، أتحبُّ أنّ محمّدًا الآن عندنا مكانَك نضرب عنقَه، وأنّك في أهلك.؟ قال: والله، ما أحبّ أن محمّدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه وأنّي جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيتُ مِن النّاس أحدًا يحبّ أحدًا كحبّ أصحاب محمّدٍ محمّدًا. ثم قتلوه رضي الله عنه ورحمه.
ولما أقبل صهيب الرومي رضي الله عنه: مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذ سيفه وكنانته وقوسه فلحقه نفر من قريش فقالوا له: أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا فبلغت ما بلغت، ثم تنطلق بنفسك ومالك، والله لا يكون ذلك، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته (أي من السهام) ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي، فقالوا: نعم، ففعل.!! ..وفي رواية أنهم قالوا له: دلنا على مالك ونخلي عنك، وعاهدوه على ذلك ففعل، قال رضي الله عنه: فلما قدمت المدينة وجدت النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاني أبو بكر وعمر ورجال، فقال لي أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى.!! فقلت: وبيعك، هلا تخبرني ما ذاك فقال: أنزل الله فيك كذا وقرأ علي الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (البقرة:207) وفي رواية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ربح البيع أبا يحي.. ربح البيع أبا يحي..
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رضي الله عنه: قَالَ مَرّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُحُدِ فَلَمّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم .؟ قَالُوا : خَيْرًا يَا أُمّ فُلانٍ هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ. قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ، حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ تُرِيدُ صَغِيرَةً.
وهذا سعد بن معاذ رضي الله عنه: يقول للنبي صلى الله عليه وسلم لما استشار الصحابة في القتال في غزوة بدر: وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ..
نعم أيها الأحبة لقد حكّم الصحابة رضي الله عنهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم وأموالهم فقالوا: هذه أموالنا بين يدَيك فاحكُم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك نقاتِل بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلالاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ.. رواه مسلم
أيها الإخوة: لقد وردت الآياتُ الصريحة والأحاديث الصّحيحة في فضائل الصحابة رضي الله عنهم، مِن ذلك قوله عزّ وجلّ: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة:100)،
وعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .. رواه البخاري. قال النووي رحمه الله: اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم والمراد بهم: أصحابه رضي الله عنهم.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ. رواه البخاري.
وعَنْ حُمَيْدٍ قال:سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةْ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ. فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا، عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا. رواه البخاري.
وعَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ.رواه البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. رواه مسلم..
أيها الإخوةَ: الصحابة كلُّهم مِن أهل الجنّة، قال تعالى: لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَـٰتَلَ أُوْلَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَـٰتَلُواْ وَكُلاً وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ (الحديد:10). قال السعدي رحمه الله في آخر تفسير الآية: ولما كان التفضيل بين الأمور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، احترز تعالى من هذا بقوله: وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى. أي: الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح يعني فتح الحديبية وبعده، كلهم وعده الله الجنة، وهذا يدل على فضل الصحابة كلهم، رضي الله عنهم، حيث شهد الله لهم بالإيمان، ووعدهم الجنة.. بارك الله لي ولكم..

الثانية:
أيها الإخوة: ما الواجب لهؤلاء الصحب الكرام رضي الله عنهم..؟ لن أجيب ولكنني سأنقل بعض كلام أهل العلم رحمهم الله..
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.أ هـ
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: ويجب النظر في أحوالهم (أي الرواة) سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم, وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن, ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك إلى أن قال رحمه الله: هذا مذهب كافة العلماء ومن يُعتد بقوله من الفقهاء.
وقال الطحاوي رحمه الله مبيناً ما يجب على المسلم اعتقاده في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحب أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبِ احدٍ منهم، ولا نتبرأ من احد منهم، ونبغض من يبغضُهم وبغيرِ الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن من أصول معتقد أهل السنة والجماعة سلامة ألسنتهم وصدورهم من الصحابة. فموقفهم مما شجر بينهم هو الإمساك والكف، وعدم الخوض في ذلك امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا. رواه الطبراني وصححه الألباني ورحم الله عمرَ بنَ عبدِ العزيز لما قال: تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نخضب بها ألسنتنا. فبين رحمه الله أن موقف المؤمن من ذلك الكف والإمساك عما شجر بينهم ,وعلى هذا علماء أهل السنة والجماعة قاطبة.
وقال ابن حجر رحمه الله: واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على احد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من حروب ولو عرف المحق منهم, لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد, بل ثبت انه يؤجر أجرا واحدا، وان المصيب يؤجر اجرين. (الفتح)
وقال شيخ الإسلام: يجب على المسلم أن يترضى عن الصحابة، ويذكرَ محاسنهم، ويكفَ عن مساوئهم، وهذه الأخبار التي تنقل في مثالبهم أقسام: منها ما هو كذب لا أساس له من الصحة، ومنها ما له أصل لكن زيد فيه أو نقص منه أو غُيِّر عن وجهه، ومنها ما هو صحيح لكن هذا الصحيح هم رضي الله عنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، ومجتهد مخطئ له أجر.( العقيدة الواسطية)
وأخيراً الواجب على المسلم، ألا يقرأ في الكتب ولا يسمع الأشرطة التي فيها ذكر مثالب الصحابة، لأنه خلاف معتقد أهل السنة والجماعة وربما أثر فيه وهو لا يشعر فيهلك نسأل الله السلامة والعافية وإنما نقول ما أمر الله به: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (الحشر10) وصلوا وسلموا على نبيكم...
المشاهدات 1865 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا