عقوبات الذنوب
عبدالله التميمي
عقوبات الذنوب الجمعة 21/11/1439هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلِل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ؛ (يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم ، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) ، (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
عباد الله: خلقَ اللهُ الخلق وأمرهم بطاعتهِ وحذرهم من معصيته، وإنَّ اللهَ - سُبحانَهُ - حَكيمٌ عَليمٌ فيما يَقضيهِ ويُقدِّرُهُ، وهوَ سُبحانَهُ يَخلُقُ ما يَشاءُ مِنَ الآياتِ تَخويفًا لِعِبادِه، وتَذكيرًا لهم بما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّهِ، وتَحذيرًا لهم مِن مُخالَفةِ أمرِه وارتِكابِِ نَهيِه وتَعَدِّي حُدودِه ( وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخوِيفًا ).
( سَنُرِيهِم آيَاتِنَا في الآفَاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ ) لذا يجبُ على العبادِ الرجوعُ والامتثال، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
إن اللهَ تعالى قد جعلَ لكلِ شيء سبباً يجلبه، وآفةً تُذهبه، فطاعةُ اللهِ تعالى وطاعةُ رسوله ِصلى الله عليه وسلم سببٌ لجلبِ النعم المفقودة، وحفظِ النعمِ الموجودة، أما المعاصي فهي سبب لذهاب النعم، وحلول النقم إذ هي تزيل النعمَ الحاصلة، وتقطعُ النعمَ الواصلة.
أيها المسلمون: احذروا المعاصي والذنوب، واتقوا خطرها على الأبدان والقلوب، وانظروا وتفكروا في ظهور أثرها على الأوطان والعباد، فإنها سلاّبة للنعم جلاّبة للنقم، تورث أنواعاً عظيمة من الفساد، وتُحِلُ أنواعاً من الشرور والفتن والمصائب، فهي أصلُ كل ِبلاء، ومصدرُ كلِ شقاء، ومنبعُ كلِ غضبٍ وانتقام، فما نفرت النعم ولا حلت النقم، ولا تسلط والأعداء، ولا حلت الأدواء، ولا هجمت المصائبُ إلا بشؤمِ الرذائلِ والمنكرات.
ليس في الدنيا ولا في الآخرة شر ولا داءٌ ولا بلاءٌ إلا وسببهُ الذنوبُ والمعاصي، وما عُذبت أمةٌ من الأممِ إلا بذنوبها، ففي كلِ آيةٍ عبرة، وفي كل مثلٍ من الأممِ السابقةِ بلاغٌ وذكرى، لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد.
قال سبحانه مبيناً سببَ أخذِ المهلكَينَ وعِقابِهم: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
كلُ هذا كان فيمن قبلنا، وسنةُ اللهِ لا تحابي أحداً من خلقه، فمن عصاهُ وطغى عاقبةَ وأهلكه {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}.
عباد الله: ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوبٍ إلا أعمتها، ولا فشت في أمةٍ إلا أذلتها، ما الذي أخرجَ أبوينا عليهما السلامُ من الجنةِ إلى هذه الدنيا ، وما الذي أخرجَ إبليسَ من ملكوتِ السماء، وصيرهُ طريداً لعيناً مصدراً لكل بلاءٍ في الإنسانية.
لماذا عمّ الغرقُ قومَ نوحٍ حتى على الماءُ رؤوسَ الجبال، ولماذا سُلطَ الريحُ على قومِ عادٍ حتى ألقتهم كأنهم أعجازُ نخلٍ خاوية، ولماذا أهلكَ اللهُ قومَ ثمودٍ بالصيحة، وما الذي أغرقَ فرعونَ وقومَه، وخسفَ بقارونَ الأرض، إنهُ الذنوبُ والمعاصي.
((وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ، فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ، وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ، مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ، وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ ، فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ ، وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)).
أيها المسلمون: إن ما يقعُ من آياتٍ وعقوبات، ما هي إلا نذرٌ للمسلمينَ لكي يعودوا ويرجعوا إلى تصحيح أعمالهم، ورفع المظالم، وإقامة العدل ، فالظلمُ والبعدُ عن شرع الله تعالى سببٌ للهلاك {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}.
ألا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ ،واعتَبِروا بآيات الله ونذره، واستَغفِروا مِن ذُنوبِكُم وتوبوا إلى رَبِّكُم، واستَقيموا على دينِكُم، واحذَروا الظلم، فإن الله لا يخفى عليه شيء في الأرضِ ولا في السماء ﴿ قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذَابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ انظُرْ كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهُونَ ﴾،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من آيات وحكمة أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين :
أيها المسلمون: ما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب ، ولا رُفعَ إلا بتوبة ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
قال بعضُ السلف: بغتَ القومَ أمرُ الله، وما أخذَ اللهُ قوماً إلا عند سِلوتِهم وغِرتهِم ونَعمتهم فلا تغتروا بالله.
فاللهم ارحمنا وبرحمتك ، ولا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم كتابه (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)