عقبات في طريق الدعوة.... ظروف الداعية المادية - عامر الهوشان

الفريق العلمي
1439/04/03 - 2017/12/21 10:59AM

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين وميراثهم الثمين، أشرف الأعمال على الإطلاق و أحسن ما قاله الإنسان بنص القرآن قال تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت/33، جعلها الله تعالى فرض كفاية على الأمة الإسلامية فإذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع قال تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران/104.

 

رغّب المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته بدعوة غيرهم إلى الله ببيان عظيم ثواب وجزيل أجر من يكون سببا في هداية رجل واحد، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين دفع له الراية يوم خيبر : (....... فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) متفق عليه. وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ).

 

لا شك أن طريق الدعوة إلى الله ليس مفروشا بالورود والرياحين كما قد يظن البعض، بل تكتنفه الكثير من المعوقات وتعترضه جملة من العقبات التي قد تضعف من عزيمة البعض فتبدو عليهم أمارات الفتور في مجال الدعوة بعد انطلاق، وقد تدفع آخرين للتوقف عن السير في هذا الطريق المجيد تماما.

 

ظروف الداعية المادية وما يكتنفها من فقر وغنى وزيادة في الدخل أو نقصان هي إحدى أهم عقبات الدعوة قديما وحديثا، وربما تكون أشد تأثيرا في العصر الذي نعيش فيه نظرا لتعقد الحياة المعاصرة وكثرة متطلباتها وتشعب حاجاتها وتحول الكثير من الأمور إلى ضروريات أو حاجيات بعد أن كانت كماليات ورفاهيات.

 

وإذ كان الفقر وقلة ذات اليد وحاجة الداعي لتأمين لقمة العيش وما يسد حاجاته وحاجات من يعول من زوجة وأولاد وربما أبوين أو غيرهم..... هو العقبة الأكثر تداولا في كتب الدعوة ومقالات وكتابات المهتمين بالمجال الدعوي، فإن الغنى وزيادة المال وكثرته وتنوع مصادره في يد الداعية قد تكون عقبة أشد بأسا من سابقتها في طريق الدعوة وأكثر تأثيرا على نشاطه الدعوي.

 

ففي الوقت الذي قد ينشغل فيه الداعية الفقير عن باب من أبواب الدعوة بعمل جديد و مصدر آخر لزيادة دخله وتلبية بعض حاجات أسرته ومن يعول، قد يكون انشغال الغني عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإدارة أمواله المتنامية وتطوير تجارته و.....أكثر وأعظم.

 

ومع التأكيد على وجوب أخذ الفقير بالأسباب في دين الله الإسلام لكسب المال وتجنيب نفسه وأهله السؤال وضرورة عدم تهاون الغني في إدارة أمواله وتنميتها والمحافظة على تجارته.....إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب الدعوة إلى الله ومن وقت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأصل في الإسلام أن الرزق بيد الله وأن المال مال الله والإنسان مستخلف عليه ومؤتمن، والغني في دين الله كالفقير كلاهما مبتلى، هذا بزيادة ماله وكثرته والآخر بنقصه وقلته. 

 

التوجيه الإلهي والهدي النبوي في طريقة تعامل المسلم مع فتنة وابتلاء المال أن يجعله بيده لا في قلبه وأن يتعامل معه كوسيلة لا غاية وأن يوقن بأن الله وحده هو المعطي المانع الرازق سبحانه، وأن يحذر كل الحذر من تأثير امتحان الفقر والغنى على تلك العقيدة الثابتة فيصرف الفقير عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بذريعة انشغاله بزيادة دخله، وينسي الغني مهامه الدعوية بدعوى استغراق تنمية ماله و زيادة أملاكه كل وقته.

 

خير ما يمكن ذكره في هذا المقال كنموذج يتأسى به المسلمون في تجنب عقبة زيادة المال ونقصانه في يد الداعية هو سلوك السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان ممن ضربوا للأمة أروع الأمثلة في التزامهم بنشر دعوة الإسلام في اليسر والعسر والغنى والفقر والصحة والمرض. 

 

لم تكن زيادة الأموال وكثرتها في يد كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشغلهم عن واجب الدعوة إلى الله، بل جعلوا من تلك الأموال وسيلة لنشر دين الله في الآفاق والتمكين له في الأرض، فأبو بكر رضي الله عنه ينفق جميع ما معه من دراهم ودنانير استجابة لطلب النبي صلى الله عليه وسلم لتجهيز جيش العسرة، وعمر رضي الله عنه ينفق نصف ماله، وعثمان رضي الله عنه يضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف دينار ويجهز 930 بعيرا و70 فرسا ويقوم بتجهيز ثلث جيش العسرة كما ورد في كتب السنة والسيرة النبوية.

 

وفي العصر الحديث نموذج فريد لتسخير وفرة المال لخدمة الدعوة إلى الله لا الانشغال بتنميتها أو الاستمتاع بها عن أداء الواجب الدعوي ألا وهو نموذج الشيخ الدكتور عبد الرحمن السميط الذي جعل من نفسه وماله و علمه و وقته في خدمة دين الله ودعوة الإسلام واشتهر بأعماله الخيرية الدعوية الواسعة في أكثر من 29 دولة إفريقية.

 

لقد أنشأ الراحل بماله أكثر من 860 منشأة تعليمية إضافة إلى أربع جامعات وعدداً كبيراً من الإذاعات والمطبوعات وقامت بحفر وتأسيس أكثر من (8600) بئرا، كما أسس 240 مركزا إسلامياً، وكفل أكثر من 9 آلاف يتيم، و وزع 7 ملايين مصحف باللغات المختلفة، وقام بإعداد وتدريب أكثر من (4000) داعية ومعلم، وبنى آلاف المساجد......

 

في المقابل لم يكن الفقر وقلة ذات اليد ليحول دون استمرار السلف الصالح في الدعوة إلى الله ونشر عقيدة التوحيد، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : "كنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني أحفظ إذا نسوا وأحضر إذا غابوا" فكان رضي الله عنه من أكثر الصحابة رواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشر هديه.

 

المصدر: المسلم

المشاهدات 576 | التعليقات 0