عظم قدر الصلاة

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون.. خلق الله الخلق وهو أعلم بأحوالهم، وأوجدهم من العدم وهو أعلم بما يصلحهم، فجعل غاية خلق الإنس والجن عبادته وحده، والاشتغال بالتقرب إليه، وطلب مرضاته، فنوع سبحانه في العبادات، وعدد الطاعات، ولكنّ عبادة هي أعلى العبادات وأجل الطاعات، ورأس الفرائض والواجبات، وأعظم أركان الإسلام العملية، وأولها بعد الشهادتين؛ ألا وهي الصلاة، والوقوف بين يدي رب العالمين.

أيها الأحبة.. عظم الله قدر الصلاة، وجل شأنها، وأعلى مكانتها، وأجزل الثواب لمن أقامها، وتوعد تاركها.

الصلاة لا تترك حضرًا ولا سفرًا، ولا أمنًا ولا خوفًا، تصلى حتى وقت الحرب والخوف والشدة والأمراض.

الصلاة لعظمها ومكانتها فرضت في السماء، وجعل أجرها بخمسين صلاة، على خمس فقط يؤديها العبد.

الصلاة هي أعظم وصايا الله إلى عباده، لما تكلم عيسى في المهد قال (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ)

وأمر الله كليمه موسى لما ناجاه بالصلاة (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)

والصلاة وإقامتها من أعظم أدعية أنبياء الله، يقول الله عن دعاء خليله إبراهيم (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ ومن ذريتي رنا وتقبل دعاء).

الصلاة هي آخر ما تكلم به نبينا ﷺ في مرض موته، "الصلاة الصلاة.."

الصلاة هي التي أمرنا نبينا ﷺ معشر الآباء والأولياء أن نراعها في أولادنا إذا بلغوا سبعًا: " مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ، وأكد علينا تأكيدًا شديدًا إذا بلغوا عشرًا.

الصلاة التي من أجلها أسكن إبراهيم الخليل ذريته مكة الوادي الذي لا زرع فيه ولا ماء (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ)

الصلاة وحي الله لموسى وهارون ومن معهما من المستضعفين في مواجهة الطغيان (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)

الصلاة سبب النصر والتمكين (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ)

الصلاة موئل المسلم إذا ظهرت الآيات، وملجأه عند تغير الأحوال، واختلاف الكون والنظام، كالكسوف والخسوف والجدب والشدائد، أرشد نبينا ﷺ حين كسوف الشمس: "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة.." متفق عليه

الصلاة تذهب ضيق الصدر؛ قال تعالى لنبيه ﷺ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).

الصلاة موئل النائم إذا أفزعه حلم من الأحلام، وتَقلَّبَ على الفِراشِ، وأصابَه أرَقٌ، وتعار في ليله؛ فأرشدنا ﷺ إلى الصلاة، يقوم فيصلي ركعتين.

الصلاة تضبط المشاعر، وترشد الإنسان حال الجزع والهلع، (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا - إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا - وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا - إِلَّا الْمُصَلِّينَ )

الصلاة متعة، وقرة العين والراحة، يقول ﷺ: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، ويقول "أرحنا بالصلاة يا بلال". طمأنينة وأنس وهدوء بال.

الصلاة سبب توسعة الرزق، والإتيان به، قال الله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ)

الصلاة جالبة للنشاط؛ فإنه إذا قام من الليل فتوضأ، فصلى انحلت العقد، فأصبح نشيطا طيب النفس، كما أخبر ﷺ.

الصلاة تربي المسلم على ضبط المواعيد والأوقات، فإن الله قال في كتابه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)، فتجعل المسلم محافظًا على مواعيده، ضابطا لأوقاته.

الصلاة تربي المسلمين على النظام والالتزام، وأن نكون صفًا واحدًا، متشبهين بالملائكة في انتظامهم عند ربهم، يقول ﷺ "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف" رواه مسلم.

الصلاة تربي المؤمنين على تجنب الخلاف فيما بينهم، وأن تكون قلوبهم واحدة، يقول ﷺ "اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا؛ فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ" رواه مسلم.

الصلاة ملجأ التائبين، وأنس الخائفين، كلما أذنب مسلم ذنبًا قام يصلي لله ركعتين لا يحدث فيهما نفسه.

الصلاة تأمر بالخير، وتنهى عن الشر والفواحش والمنكرات، (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)

الصلاة أحب الأعمال إلى الله، وأول ما يُنظر فيه من الأعمال يوم القيامة.

الصلاة نور لصاحبها في الدارين، قال ﷺ "والصلاة نور"، وقال: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو دواد والترمذي وصححه الألباني.

 

الخطبة الثانية

أيها المؤمنون: روى البخاري ومسلم عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَتْ: بَلَى ثَقُلَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» ( وهو إناء غسل الثياب) فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ (أي: يقوم) فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» قُلْنَا لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ» فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «أَصَلَّى النَّاسُ؟» فَقُلْنَا لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ وَقَالَ لَهُمَا: «أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ» فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَاعِدٌ.

هذا حال رسولنا الكريم محمد ﷺ مع الصلاة، حتى في أشد أيامه، وفي مرض موته.

المشاهدات 440 | التعليقات 0