عظم المكانة في حفظ الأمانة   

                        عظم المكانة في حفظ الأمانة           22/2/1442

الحمد لله فتح القلوب بنور اليقين ، وعصم المؤمنين بحبله المتين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المصلحين ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد : فالأعمار تطوى ، والأجيال تفنى ، فتزودوا عباد الله وخير الزاد التقوى .

إخوة الإسلام : روى البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ « أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا» .

الله أكبر : إنها الأمانة وإنهم الأمناء .. إنه الصدق والوفاء .. إنها رسالة النبيين كل منهم يقول لقومه

" إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ " ، وإنها راية المؤمنين يقول الرسول الأمين ﷺ « أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمَّنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ » أخرجه أحمد وابن حبان وصححه الألباني .

إنها الأمانة يا سامعي ، السموات والأرضين والجبال عند الأمانة وقفت ، ومن عِظَمها أشفقت ، ولعواقب حملها تمنَّعت " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " .

والأمانة يا رعاكم الله عظيمة المعنى كبيرة المرمى ، جامعها : شعور المسلم وقيامه بمسؤولياته من أمور الدين والدنيا ، ويقينه أنه يوماً سيكون موقوفاً أمام الله جل جلاله وسائلُه ومحاسبُه عنها .

عباد الله : إن أس الأمانة أمانة التوحيد فهي رأس الديانة ، إفراداً له بالعبادة  ، وإخلاصاً للعمل ، فالشرك أعظم الزلل " إن الشرك لظلم عظيم " .

ومن أعظم الأمانات أمانة الجوارح ، تالله إنهنَّ ودائع الله عندك فهل أديت الأمانة فيها ؟!

أمانة العين تفكراً في خلق الله ، واستعانة بها على طاعة الله ، وغضاً بها عن الحرام ، وإغماضاً لها عن الآثام ، فالعين الأمينة إذا ما دعاها الهوى للحرام تذكرت قول الله" أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى " .

أمانة اللسان ، تجد الأمين به لله ذاكراً ، وللمعروف آمرا ،  وله عن الغيبة واللعان والسباب والطعان زاجرا، فاللسان الأمين إذا ما دعاه الهوى للحرام تذكر قول الله"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ".

 والوظيفة والعمل المنوط بك أمانة ، حفظاً لوقته وقياماً بتبعاته ، وقضاءاً لحوائج الناس فيه ، وإنجاز معاملاتهم ، فالغياب عن العمل وتحضيرك ليس من الأمانة ، وتقديم بعض الناس للمعرفة والوساطة على من هو أحق منه ليس من الأمانة ، والأكل من المال العام بغير حق واستغلال المنصب ليس من الأمانة، وإذا ما دعا الهوى النفس للتفريط تذكرت قول رسول الله ﷺ « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّيَ بِحَرَامٍ » أخرجه ابن حبان والطبراني وصححه الألباني .

والمال أمانة فالبيع والشراء والاتجار أمانة ، اتجاراً بالحلال ، وصدقاً في الأقوال والأفعال ، ألا ما أعظم منزِلَ الأمناء فيه يقول ﷺ « التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »  أخرجه ابن ماجه والدار قطني وصححه الألباني .

ووفاء أموال الناس وسداد ديونهم وأداء حقوقهم أمانة كما أن تضييعها والمماطلة بالوفاء خيانة ، فإذا ما دعا الجشع والطمع النفس لأكل أموال الناس تذكر الأمين قول الرسول ﷺ « مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ » أخرجه البخاري .

 والزوجة أمانة ، إحساناً لعشرتها ، وقياماً بنفقتها ، وصيانة لعرضها ، وحفظاً لدينها ، فإذا ما دعا الهوى لظلمها ، وسبِّها ، وأكل مالها ،  تذكر الأمين قول الرسول ﷺ « فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ » رواه مسلم .

والأولاد أمانة ، تربية ًوتأديباً ونصحاً وتهذيباً ، تفقداً ورعاية ، وصيانةً وحماية ، فالتفريط فيهم ما أعظم إثمه ! وما أشنع جُرمه ! فإذا ما تكاسلت النفس عن أداء رسالتها تذكر الأمين قول الرسول ﷺ « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ » رواه أبوداود وحسنه الألباني . أقول ما قلت ولي ولكم استغفر الله ..

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشآنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وبعد :

فإن التعليم أمانة ، عنايةً بالنشء ، واستصلاحاً لأخلاقهم ، وبرسالة العلم والتربية قياما ، فأعظم الخيانة خيانة الأمة في ناشئتها .

والدعوة إلى الله أمانة قياماً بواجبها ، دليلاً للخلق وهداية ، وإنقاذاً لهم من سبل الغواية ، فالداعية الأمين يستذكر قول الرسول ﷺ: « بلغوا عني ولو آية  » أخرجه البخاري  .

وهذا الوطن مهد الإسلام ومأرزه أمانة عظمى ، والحفاظ عليه مسؤولية كبرى ، قياماً بواجب الرعاية ،

وبذلاً لعظيم الحماية ، وحفاظاً على مكتسباته بمزيد العناية . حفظه الله بحفظه وكلأه برعايته وعنايته .

اللهم صل على محمد ...

 

 

المرفقات

عظم-المكانة-في-حفظ-الأمانة

عظم-المكانة-في-حفظ-الأمانة-1

عظم-المكانة-في-حفظ-الأمانة-1

المشاهدات 1327 | التعليقات 0