عِظَمْ الإخلاص وخطر الرياء

عبدالله حامد الجحدلي
1442/10/07 - 2021/05/19 02:11AM

﴿ الخُطْبَةُ الأُوْلَى ﴾

الحمد لله رب العالمين، يعلمُ ما تُسِرونَ وما تُعْلِنون، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُّ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُّ التسليمِ.
أمّا بعد:  فاتّقوا الله -عباد الله- حقّ التقوى؛  فالكرامة كرامة التقوى، والعِزُّ عِزُّ الطاعة، والذُلُّ ذُلُّ المعصية،

أيّها المسلمون: القلوبُ لا تطمئنّ إلا بالله، وغِنى العبدُ بطاعةِ ربّه ، والإقبالُ عليه،

ودينُ الحقّ هو تحقيقُ العبوديّة لله، وكثيرًا ما يخالط النفوسَ من الشهوات الخفيّة ،

 ما يُفسِد تحقيقَ عبوديّتها لله، وإخلاصُ الأعمال لله أصلُ الدين،

ولذلك أمَرَ اللهُ رسولَهُ  eبالإخلاص في قوله]فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدّينِ [الزمر: 2،

وأحقّ النّاسِ بشفاعةِ النبيّ e يومَ القيامة ، من كان أخلَصَهم لله ؛ قال أبو هريرة t

  < مَن  أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يا رسولَ الله؟! قال :  < مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ > رواه البخاري.

والإخلاص مانعٌ -بإذن الله- من تَسَلُّطِ الشيطانِ على العبد، قال سبحانهُ عن إبليس:  [فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ  [ص:82، 83  ،

وكلُّ عملٍ لم يُقصَدْ به وجهُ اللهِ ، طاقةٌ مُهدَرَة، وسرابٌ يضمحِلّ،

وصاحِبَهُ لا للدنيا جمَع ولا للآخرةِ ارتفَع،

يقول النبيّ e:<إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ > رواه النَسَائي.

والإخلاصُ أن تكونَ نيّتُك لله ، لا تُريدُ غيرَ الله ، لا سُمعةً ولا رياءً ، ولا رِفعةً عند أحدٍ ، ولا تزلُّفًا، ولا تترقّب من الناس مدحًا، ولا تخشى منهم قَدحًا، والله سبحانه غنيّ حميد، لا يرضى أن يُشرِك العبدُ معه غيرَه، فإن أبى العبدُ إلا ذلك ، ردّ الله عليه عَمَلُهُ  ،

قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي : <قال الله -عزّ وجلّ-: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِيَ غيرِي ، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ >.رواه مسلم.

و < أوَّلُ مَنْ  تُسعَّرُ بِهِمُ النارُ يومَ القيامةِ قارئ القرآن والمجاهدُ والمتصدّق بماله ، الذين لم تكن أعمالهم خالصةً لله، وإنما فعلوا ذلك ليُقال: فُلانٌ قارئ، وفُلانٌ شجاع، و فُلانٌ متصدِّق>. رواه مسلم.

وكلّما أخُفِيَ العملُ كان أقربَ إلى الإخلاص، قال - جلّ وعلا]  إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَـاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ  فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  [البقرة:271 .

ومن كان يعمل صالحًا، ثمّ اطَّلعَ الخلقُ على عملِه، فأحجم عن الاستمرار في تلك الطاعة، ظنًّا منه أنّ فعلَه بحضرتهم رياءٌ، فذلك من حبائل الشيطان، فامضِ على فعلِك ، يقول الفُضَيْل بن عِياضْ :

< تركُ العملِ من أجلِ النَّاس رَيَاءٌ ، وَالعَملُ من أجل النَّاس شِركٌ ، والإخلَاصُ أن يُعافِيَك اللَّـهُ منهما >

أيّها المسلمون: الإخلاص عزيز، ولدفعِ عوارضِه من آفةِ الرّياء الجأ إلى الله دومًا بالدّعاء،

 أن تكونَ من عباده المخلَصين، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلّبها كيف يشاء،

أيّها المسلمون: ثوبُ الرياء يَشِفُّ ما تحته، يُفسِد الطاعةَ ، ويُحبِطَ الثوابَ، وهو من أقبحِ صفاتِ أهلِ النفاق:   [يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً  [النساء:142 ،

والنبيّe خافه على أمّته وحذّرهم منه، قال عليه الصلاة والسلام :

 < أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ؟»  قَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي، فَيُزَيّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ  » رواه أحمد.  

فاخشَ على أعمالك من الخُسران، فالميزانُ يومَ الحشر بمثاقيل الذرّ، المنّ والأذى يُبطِل البَذل، والرياءُ يُحبِطُ العمل.

اللهمّ اجعل عملنا كُلَّه صالحًا، واجعله لوجهِك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا  .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
 ﴿ الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ ﴾

الحمد لله على إحسانه، والشّكر له عَلى توفيقِه وامتنانه، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا مزيدًا.

أَمَّا بَعْدُ:    اعْلَمُوا - عِبَادَ اللَّهِ : أن بعضَ الأعمالِ ظاهرةٌ لا يَصِحُّ كتمانها، كالدعوةِ إلى اللهِ تعالى والخِطابَة ورفْعِ الصَّوتِ بالأذانِ وتعليمُ الناس وصلاةُ الجماعة وما شابهها، فهذه ينبغي على فاعِلها ،أن يقومَ بها ويُجاهدُ نفسَه على إخلاصها لله تعالى، ولا ينبغي له تركها بحِجَّةِ الخوفِ من الرياء ، فإنْ تَرَكَهَا كلُّ مَنْ شك في إخلاصه ، دون بذلِ مجهودٍ في تحقيق الإخلاص فيها ، فسوف تتعرضُ هذه الأعمال للاندثار، وسَتُصاب الأمةَ بحالةٍ من العجز في أداء هذه الواجبات ، التي يترتب عليها صلاح المجتمع أو فسادُه ، وإذا أخلصتَ في العمل، ثمّ أثنى عليك الخلقُ، وأنت غيرُ مُتطلِّع إلى مدحِهم، فليس هذا من الرياء، إنما الرياءُ أن تزيّن عملَك من أجلهم، فليس من الرياء، أن يعمل المسلم عملاً خالصًا لوجه الله -تعالى-، ثم يُلقيَ اللهُ له في قلوب المؤمنين محبته والثناءَ عليه، فيفرح بفضل الله ورحمته، ويستبشر بذلك ، سُئل النبيّ e عن الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عليه؟ قالَ: تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ. وفي روايةٍ : وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عليه . رواه مسلم.

ثمّ اعلَموا أنَّ الله أمرَكم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال في محكَم التنزيل :

]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56.
 اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين،

 وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اَللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّيْنِ .

واجعَل اَللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مطمئناً سخاءً رخاءً ، وسائرَ بلادِ المُسلمين.

اللَّهُمَّ وفِّق إمامَنا لِهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه و وَلِيَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين.

 اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَا الْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا والزنا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَن، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن .

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،

اللَّهُمَّ اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.

 اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين،

 [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] البقرة: 201.

 [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] الصافات180-182

المرفقات

1621390298_عِظَمْ الإخلاص وخطر الرياء.doc

1621390307_عِظَمْ الإخلاص وخطر الرياء.pdf

المشاهدات 1464 | التعليقات 0