عظمة القرآن الكريم والحث على تلاوته
عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي
عظمة القرآن الكريم والحث على تلاوته
ألقيت في جامع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم في الجامعة الإسلامية
بتاريخ 20/ 3/ 1442
عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي
عناصر الخطبة:
1-وجوه عظمة القرآن الكريم.
2-أسماء القرآن الكريم وأوصافه.
3-فضائل تلاوة القرآن الكريم.
4-الحث على اتخاذ ورد يومي من القرآن الكريم.
5-ثمرات الورد اليومي.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا بالوحي المبين والعروة الوثقى، واعتصموا بحبل الله تسعدوا في الآخرة والأولى.
عباد الله..
القرآن العظيم كتاب رب العالمين، وكلام خالقِ الخلق أجمعين، تنزيلٌ العزيز الحكيم، نزل به جبريل الروح الأمين، على قلب نبينا محمد سيد ولد آدم أجمعين؛ وعلى خير أمة أخرجت للناس، وبأبين اللغات وأوسعها بلسان عربي مبين.
أنزله في أفضل زمان؛ في شهر رمضان، وفي أشرف لياليه، في ليلة القدر ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: 3]
نعمة من أعظم نعم الله على العباد؛ قدَّمه الله في الذِّكرِ على نعمة الخلق والإيجاد ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1-3]
إنه خلاصة كاملة للرسالات الأولى، مصدق للكتب السابقة ومهيمن عليها، وحاكم على ما جاء فيها، وشاهد على حُرِّف منها، وناسخ لها.
يسَّر الله فهمه للعالمين، وأنزله للنَّاس أجمعين، و تكفَّل بحفظه على مَرِّ السِّنين.
تحدى الله الخلق جميعا أن يأتوا بمثله؛ فعجزوا وما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ بل تحداهم أن يأتوا بسورة من مثل أقصر سوره فلم يقدروا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
القرآن أيها المؤمنون رأس سعادتكم، وهو المخرج من الفتن التي تحيط بكم، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم.
هو الفصل ليس بالهزل، بالحق أنزله الله وبالحق نزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله.
هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم.
هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يَخْلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه.
من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.
ألفاظه عظيمة معجزة، ومعانيه واضحة بينة، ألفاظ إذا اشتدَّت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة.
هو الْكِتَاب الْمُبِين؛ فلا أبين منه، وهو الكتاب الكريم؛ سبب لكرامة أهله.
وهو قرآن مَجِيدٌ؛ بلغ الغاية في الشرف والمنزلة، محفوظ في غاية الحفظ والمنعة.
أقسم الله بالقرآن وعليه، كتاب مستقيم لا عوج فيه، إنه أعظم مذكّرٍ بالله ومقربٍ إليه.
هدى الله به القلوب وشَرَح الصدور، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، بَيَّنَ لنا فيه العقائد والحلال والحرام ، وهدانا به لأقوم الأخلاق ونهانا فيه عن سيء الآثام.
هو الفرقان يفرُق بين الحق والباطل، وهو سبب للنجاة من الضلالات.
وهو بلاغ للناس؛ فيه الكفاية وبلوغُ أعلى المقامات .
وهو النبأ العظيم؛ يُنبئ عن كل شيء من أول الخلق، حتى يستقر أهل الجنة في النعيم وأهل النار في الجحيم.
هو أحسن الحديث وأعلاه، والقول الفصل في لفظه ومعناه، لو أُنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله.
(تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: 1-2]
أصدق الكلام قيلا، كتاب عزيز لا يجد الشيطان إليه سبيلا.
كتاب مبارك عم منافع الدارين، وحوى علوم الأولين والآخرين.
موعظة لكل حي، وتبيان لكل شيء.
بصائر للموقنين، وهدى ورحمةٌ وبشرى للمسلمين: هدى يوصل إلى الطريق المستبين، ورحمة للعالمين، وبصائر يقوى بها الإيمان واليقين.
(أُحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) [هود: 1]
هو الروح للقلوب؛ به تحيا وتزكو وتنال النعيم المقيم؛ وهو نور به تبصر وتهتدي إلى الصراط المستقيم، (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) [الشورى: 52]
هو الموعظة من الله للعباد، والشفاء لأمراض القلوب والأجساد، (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) [يونس: 57] كفى به واعظا وزاجرا، وهاديا ومذكرا، يَنعم بموعظته المتقون (هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظة للمتقين). [آل عمران: 138]
إنه فضل الله على عباده (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) [يونس: 57] فافرحوا بالقرآن العظيم أيها المؤمنون، واسعدوا بأن جعلكم من أهله، فهو خير مما تجمعون.
لا تطيب الحياة إلا معه، ولا نجاة إلا لمن اتبعه (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه: 123]
أيها المؤمنون..
إن كتابا بهذه العظمة والمنزلة، جدير بأن يقوم المؤمن بحقه حق القيام، بتلاوته وتدبره والعمل به والتحاكم إليه، ومن رام سعادة الدارين فليلزم ما بين دَفَّتيه، وليجعل القرآن هِجّيراه، في صباحه ومساه.
كتاب قد جاوزت فضائله كلَّ الفضائل، وحاز أهله أعلى المنازل.
ألم تعلموا عظيم المغفرة والثواب، من الكريم التواب، لمن أدام تلاوة الكتاب .
{ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور* ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور} [فاطر: 29-30]
يغفر العظيم من ذنوبهم، ويشكر اليسير من أعمالهم.
أهل القرآن هم خير الناس "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
وهم أهل الله وخاصته.
تلاوة كلام ربكم سبب لشرفكم ورفعتكم، في دنياكم وآخرتكم : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين )
القرآن العظيم بركة لتاليه في الآخرة والأولى: فهو نور لكم في الأرض ، وذخر لكم في السماء.
ألم تعلم يا عبدالله أن تلاوته خير لك من الدنيا وما فيها :
قال صلى الله عليه وسلم «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل»
تغشى أهله التالين له السكينة، وتغمرهم السعادة والطمأنينة:
كان رجل يقرأ سورة الكهف ، وعنده فرس مربوط بشطنين ، فتغشته سحابة فجعلت تدنو ، وجعل فرسه ينفر منها ، فقال صلى الله عليه وسلم « تلك السكينة تنزلت للقرآن »
إن الفرقان عظيم يا أهل الإيمان بين من يتلو القرآن وآخر لا يتلوه:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة : ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة : لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة : ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة : ليس لها ريح وطعمها مر »
و (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)
الله أكبر.. تنال يا عبد الله عظيم الأجر بتلاوة حروفه وكلماته؛ فكيف بالإكثار من ختماته.
تلاوته كلها خير، المـاهـر بـه مع السفرة الكرام البررة ، والذي يتتعتع فيه له أجران.
أهله أكثر الناس اغتباطا يوم القيامة: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا"
فأديموا عباد الله النظر في كلام ربكم؛ فإنه ثبات لقلوبكم في مدلهمات الفتن، ومخرج لكم من جميع البلايا والمحن.
(قلۡ نزلهۥ روح ٱلۡقدس من ربك بٱلۡحق ليثبت ٱلذين ءامنوا وهدٗى وبشۡرىٰ للۡمسۡلمين) [النحل: 102]
وأكثروا عباد الله من تلاوته فإنها نعمة عظيمة يُغبط عليها صاحبها :
( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار)
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، واجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا.
اللهم ذكرنا منه ما نُسِّينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه ومن تبعه.
أما بعد:
فإن من أعظم ما يعين العبد على تلاوة القرآن العظيم، أن يجـعـل له وردا ونصيبا كل يوم، فيختمه في كل شهر أو أقل من ذلك.
فقد كان هذا دأب نبينا صلى الله عليه وسلم القائل لما تأخر عن بعض الوفود: "إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أخرج حتى أتمه"
وقد أرشد إليه صحابته فقال لعبدالله بن عمرو (اقرأ القرآن في كل شهر) ، قال: إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : (فاقرأه في سـبـع).
قالت عائشة رضي الله عنها "إني لأقرأ سبعي وأنا جالسة على فراشي".
وصح عن عثمان وابن مسعود وتميم الداري رضي الله عنهم أنهم يختمون في غير رمضان في سبعة أيام.
فاجعلوا عباد الله لأنفسكم وردا كل يوم من القرآن لا تتركونه، فهو سبب للخير والبركة في الأوقات، تستجيبون فيه لوصية نبيكم صلى الله عليه وسلم بتعاهد القرآن، وتحققون به التأسي بصالح السلف، وتصلون به إلى المداومة على صالح العمل، وإذا شُغلتم عنه بمرض أو سفر يُكتب لكم أجرُه، ويبقى لكم عند الله ذخره.
واستعينوا على أداء وِردكم بدعاء الله وسؤاله الإعانة، والتبكيرِ للصلوات المكتوبات، والقيامِ به في جوف الليل، واصطفاءِ جليس صالح تراجعون معه، واصطحابِ تفسير يعينكم على تدبره، وأعمِلوا السؤال والاستعاذة والتسبيح في مواضعها.
وصلوا وسلموا عباد الله، على من كان عظيم الصلة بكلام الله، الذي قام به حتى تفطرت من طول القيام قدماه.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.
المرفقات
1618964767_خطبة عظمة القرآن الكريم وفضل تلاوته.docx
1618964767_خطبة عظمة القرآن الكريم وفضل تلاوته.pdf