عشر ذي الحجة 1445

مبارك العشوان 1
1445/11/28 - 2024/06/05 13:31PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ ذِي الحِجَّةِ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ، والعَشْرُ الأَوَلُ مِنْهُ؛ عَظِيمَةُ الشَّأْنِ؛ جَلِيلَةُ القَدْرِ؛ لَيْسَ فِي أَيَّامِ العَامِ مِثْلُهَا؛ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا فَقَالَ: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِهَا: عَشْرُ ذِي الْحِجّةِ.

وَجَاءَ فِي فَضْلِهَا، قَـوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ، قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ) [رواه البخاري]

وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللهُ يُعَظِّمُونَ هَذِهِ الأَيَّامَ  وَيَجْتَهِدُونَ فِيْهَا؛ حَتَّى ذُكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ  أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

كُلُّ عِبَادَةٍ أَمْكَنَنَا فِعْلُهَا فَلْنُسَارِعْ إِلَيْهَا وَلْنُسَابِقْ؛ وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ؛ فَلْنَجْتَنِبْهَا وَلْنَحْذَرْ قُرْبَهَا.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...} [الحديد 21]  

وَقَالَ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون 60- 61]

لِنَأْخُذْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - مِنْ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِنَصِيبٍ.

لِنُحَافِظْ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى الفَرَائِضِ؛ فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيهِ مِنَ الفَرَائِضِ.

صَلَاتُنَا عِمَادُ دِيْنِنَا، وَرُكْنُهُ الثَّانِي، وَالفَارِقُ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالكُفْرِ، وَلَيْسَ فِي الإِسْلَامِ حَظٌ لِمَنْ تَرَكَهَا.

صَلَاتُنَا؛ سَبِيْلُ نَجَاتِنَا، وَطَرِيقُ فَلَاحِنَا؛ فَلْنَحْفَظْ لِصَلَاتِنَا وَقْتَهَا، وَطَهَارَتَهَا، وَخُشُوعَهَا، وَجَمَاعَتَهَا فِي المَسَاجِدِ.

إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ يَا عَبْدَ اللهِ فَبَادِرْ إِلَى المَسْجِدِ؛ وَأَبْشِرْ حَيْنَئِذٍ؛ فَإِنَّ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ  اللهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ.

هَكَذَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

لْيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ؛ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى.

عِبَادَ اللهِ: وَلْيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنَ الصِّيامِ؛ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ وَ: ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّــــمَ: ( أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَهَكَذَا؛ لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ فَهُوَ العِبَادَةُ العَظِيمَةُ المُيَسَّرَةُ.

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فَمَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ  وَالاِستِغْفَارِ؛ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا  وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } الأحزاب 41، 42

لِنُحْيِي فِي عَشْرِنا سُنَّةَ التَّكْبِيرِ، وَلْنَجْهَرْ بِهِ؛ تَأَسِّيًا بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ؛ فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.

يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ مِنْ ثُبُوتِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:

فَلْيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنْ نَفْعِ الآخَرِينَ، مِنَ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، مِنَ الإِحْسَانِ لِلْمُحْتَاجِينَ وَسَدِّ حَاجَتِهِمْ  يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا  سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ. ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنْ بِرِّ الوَالِدَينِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى الأَقَارِبِ وَالجِيْرَانِ، وَإِكْرَامِ الضَّيفِ، وَعِيَادَةِ المَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَحُسْنِ الخُلُقِ،... وَغَيْرِهَا.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي هَذِهِ العَشْرِ: الْأُضْحِيَةُ؛ يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ الأُضْحِيَة. ا هـ

وَمَنْ أرَادَ أنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ  مِنْ دُخُولِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِّي، وَمَنْ نَوَى أثْنَاءَ العَشْرِ أمْسَكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ.

وَمِمَّا شُرِعَ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الحَجُّ: ( وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]

عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ العَشْرُ - بَلِ الحَيَاةُ كُلُّهَا -  أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ سُرْعَانَ مَا تَنْقَضِي؛ وَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا مَا يَعْرِضُ لَه فِيهَا فَلْنُقَدِّمْ فِي دُنْيَانَا مَا يَسُرُّنَا أَنْ نَرَاهُ فِي أُخْرَانا: { يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } النبأ 40

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }  اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1717583434_عشر ذي الحجة 1445.pdf

1717583445_عشر ذي الحجة 1445.docx

المشاهدات 982 | التعليقات 0