عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ - وَوَصَايَا بِمُنَاسَبَةِ الاِمْتِحَانَاتِ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّنَا مُقْبِلُونَ عَلَى أَيَّامٍ مُبَارَكَةٍ؛ قَلِيلٍ عَدَدُهَا عَظِيمٍ شَأْنُهَا، كَثِيرَةٍ فَضَائِلُهَا؛ أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَقَــالَ: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر 1-2
وَقَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
العَمَلُ الصَّالِحُ مَحْبُوبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى سَائِرَ الأَوْقَاتِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أحَبُّ إِلَيهِ تَعَالَى مِنْهُ فِي غَيْرِهَا فَلْنَجْتَهِدْ فِيهَا مَا لَا نَجْتَهِدُ فِي غَيرِهَا، لِنُمَيِّزهَا بِكَثرَةِ العَمَلِ وَإِحْسَانِهِ.
لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ كَبِيْرٌ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي عَشْرِنَا؛ وَلْنَأْخُذْ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِنَصِيبٍ.
لِنُحَافِظْ - حَفِظَكُمُ اللهُ - عَلَى الفَرَائِضِ؛ وَلْنُكْثِرْ مِنَ النَّوَافِلِ
فَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ... ) الخ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
لِنُحَافِظْ عَلَى صَلَاتِنَا؛ فَهِيَ سَبِيْلُ نَجَاتِنَا، وَطَرِيقُ فَلَاحِنَا وَهِيَ عِمَادُ الدِّينِ، وَرُكْنُهُ الثَّانِي، وَالفَارِقُ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالكُفْرِ، وَلَيْسَ فِي الإِسْلَامِ حَظٌ لِمَنْ تَرَكَهَا.
لِنَحْفَظْ لِصَلَاتِنَا طَهَارَتَهَا، وخُشُوعَهَا، وَأَوْقَاتَهَا، وَجَمَاعَتَهَا
وَمَسَاجِدَهَا.
لِنَلْزَمْ فَرَائِضَهَا، وَلْنُكْثِرْ مِنْ نَوَافِلِهَا؛ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ؛ فَقَدْ قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) رَوَاهُ مْسِلْمٌ.
لِيَكُـنْ لَنَا حَظٌّ مِـنْ صَلَاةِ الضُّحَى، وَحَظٌّ مِـنْ قِيَـامِ اللَّيْــلِ فَـ ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ) رَوَاهُ مْسِلْمٌ.
لِيَكُنْ لَنَا فِي عَشْرِنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنَ الصِّيَامِ؛ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ، وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ... ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
مَنْ قَوِيَ عَلَى صِيَامِ التِسْعِ فَلْيَفْعَلْ، أَوْ لِيَصُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا.
وَفِي العَشْرِ يَومُ عَرَفَةَ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِ: ( أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ مِنْ قِرَاءَةِ القُرآنِ الكَرِيْمِ، لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَبِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ، وَبِهِ تُعْمَرُ البُيُوتُ، وَ: ( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
لِيَكُنْ لَنَا حَظٌّ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ.
لِنُكْثِرْ فِي عَشْرِنَا مِنَ التَّكْبِيرِ: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلهِ الحَمْدُ.
يَبْدَأُ هَذَا التَّكْبِيرُ مِنْ ثُبُوتِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ فَلْنُحْيِي هَذِهِ السُّنَّةَ، وَلْنَجْهَرْ بِهَا؛ تَأَسِّيًا بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
لِيَكُنْ لَنَا حَظٌّ مِنْ بِرِّ الوَالِدَينِ، وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَنَفْعِ الآخَرِينَ وَتَفَقُّدِ المُحْتَاجِينَ، وَعِيَادَةِ المَرْضَى.
لِيَكُنْ لَنَا حَظٌّ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَنَشْرِ العِلْمِ النَّافِعِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ، وَجَنَّبَنَا مَعْصِيَتَهُ.
وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَبِمُنَاسَبَةِ الِامْتِحَانَاتِ لِلطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ؛ هَذِهِ بَعْضُ الوَصَايَا؛ نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهَا؛ كَمَا نَسْأَلُهُ تَعَالَى لَنَا وَلَهُمُ التَّوْفِيْقَ وَالسَّدَادَ.
أَلَا فَجُدُّوا مَعْشَرَ الطُّلَابِ وَاجْتَهِدُوا، اِصْبِرُ وَصَابِرُوا اُبذُلُوا السَّبَبَ، وَسَلُوا اللهَ تَعَالَى العَونَ وَالتَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ.
إِيَّاكُمْ وَالسَّهَرَ؛ فَإِنَّهُ يُفْضِي لِلْإِعْيَاءِ وَالكَسَلِ وَضَعْفِ التَّرْكِيزِ، وَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى تَضْيِيْعِ صَلَاةِ الفَجْرِ.
إِيَّاكُمْ وَالغِشَّ؛ تَجَنَّبُوهُ بِكُلِّ صُوَرِهِ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ سَوَاءً كَانَ فِي المُعَامَلَاتِ، أَوْ كَانَ فِي الاِمْتِحَانَاتِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَرَّأَ مِمَّنْ غَشَّ؛ فَقَالَ: ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ السُّوءِ، وَجُلَسَاءَ السُّوءِ؛ اِحْذَرُوهُمْ أَشَدَّ الحَذَرِ؛ اِحْذَرُوا مَكْرَهُمْ، وَخِدَاعَهُمْ، وَاسْتِغْلَالَهُمْ هَذِهِ الأَيَّامَ لِنَفْثِ سُمُومِهِمْ، وَبَثِّ شُرُورِهِمْ.
وَتَنَبَّهُوا لِهَذَا أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ، وَأَيُّهَا المُعَلِّمُونَ، وَأَيُّهَا المَسْؤُلُونَ؛ لْيَتَعَاوَنِ الجَمْيْعُ وَلْيَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً فِي مُحَاصَرَةِ الفَسَادِ وَالتَّضْيِيْقِ عَلَى المُفْسِدِينِ.
اِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - فِيْمَا حُمِّلْتُمْ مِنَ الأَمَانَةِ، وَقُومُوا عَلَى حِفْظِهَا وَرِعَايَتِهَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًــــا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1686829536_عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ - وَوَصَايَا بِمُنَاسَبَةِ الاِمْتِحَانَاتِ.pdf
1686829554_عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ - وَوَصَايَا بِمُنَاسَبَةِ الاِمْتِحَانَاتِ.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق