عشر ذي الحجة وبعض أعمالها
مبارك العشوان 1
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ...أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: يَومٌ أوْ يَومَانِ؛ وَيُهِلُّ هِلَالُ ذِيْ الحِجَّةِ؛ أَحَدُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، وَهُوَ شَهْرٌ مَلِيءٌ بِالخَيْرَاتِ، حَرِيٌ بِالبَرَكَاتِ؛ فِي عَشْرِهِ الأُوَلِ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيــــلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَــالِهِ، فَلَـــمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَــــيْء ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
هِيَ خَيْرُ أيَّامِ الدُّنْيَا، هِيَ عَشْرٌ فاضِلَةٌ، وأيَّامٌ مُبَارَكَةٌ تُضَاعَفُ فِيْهَا الحَسَنَاتُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، وتُحَطُّ الخَطِيْئَاتُ، وَيُبَارَكْ فِي الأَعْمَالِ وَالأَعْمَارِ.
أَعْطَى اللهُ عِبَادَهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ مِنْ جَزِيْلِ عَطَائِهِ، وَوَاسِعِ فَضْلِهِ؛ فِيْهِ الحَجُّ؛ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ وَبِالحَجِّ تُكَفَّرُ الخَطَايَا، وَتُمْحَى الذُّنُوبُ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـــــمَ: ( مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) أخرجه مسلم.
وَيَقُولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) رواه البخاري ومسلم.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ يَومُ عَرَفَةَ؛ يَومُ إِكْمَالِ الدِّيْنِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ؛ قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} قَالَ: عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ، فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَـرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ) أخرجه البخاري ومسلم.
و : ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ) أخرجه مسلم
أّمَّا صِيَامُ عَرَفَةَ؛ فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) رواه مسلم.
عِبَادَ اللهِ: إنَّ أيَّاماً مَعْدُودَةً بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ لَهِيَ فُرْصَةٌ ثَمِيْنَةٌ وَمَتْجَرٌ رَابِحٌ؛ فَلْتُقَدِّرُوهَا قَدْرَهَا، وَلْتَعْرِفُوا لَهَا حَقَّهَا، لَا تُفَرِّطُوا فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِهَا إِلَّا فِيمَا يُقَرِّبُكُمْ لِرَبِّكُمْ.
وَاعْلَمْ أَخِيْ المُسْلِمُ أنَّ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى لَكَ أنْ تُعَظِّمَ هَذِهِ العَشْرَ: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُـوبِ } الحج 32 .
حَافِظْ رَحِمَكَ اللهُ عَلَى مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيكَ، فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيهِ مِنَ الفَرَائِضِ.
اللهَ اللهَ فِي صَلَاتِكَ؛ عِمَادُ دِيْنِكَ وَرُكْنُهُ الثَّانِي، وَالفَارِقُ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالكُفْرِ، وَلَيْسَ فِي الإِسْلَامِ حَظٌ لِمَنْ تَرَكَهَا، صَلَاتُكَ ـ أخِي المُسْلِمُ ـ سَبِيْلُ نَجَاتِكَ وَطَرِيقُ فَلَاحِكَ، وَلَنْ يُفْلِحَ عَبْدٌ لَقِيَ رَبَّهُ وَقَدْ تَهَاوَنَ بِالصَّلَاةِ وَفَرَّطَ فِيْهَا وَضَيَّعَهَا، فَلْتُحَافِظُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ فِي أوْقَاتِهَا مَعَ الجَمَاعَةِ فِي المَسَاجِدِ، أَقِيْمُوهَا كَمَا أَمَرَ اللهُ، بَكِّرُوا إِلَيْهَا، وَإِلَى الصَّفِ الأَوَّلِ، أَكْثِرُوا مِنْ نَوَافِلِهَا فَهِيَ مِنْ أفْضَلِ القُرُبَاتِ، عَلَيكُم بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ عَبْدٌ لِلهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وحَطَّ عنهُ بِهَا خَطِيئَةً... ) رواه الإمام مسلم.
ثُمَّ احْرِصْ ـ أخِي المُسْلِمُ وَفَّقَكَ اللهُ ـ عَلَى صِيَامِ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ أوْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا، فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أفْضَلِ القُرُبَاتِ وَمِمَّا اخْتَصَّهُ اللهُ لِنَفْسِهِ بَيْنَ سَائِرِ الأَعْمَالِ؛ كَمَا فِي الحَدِيثِ القُدْسِي: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) وَأَخَصُّ يَومٍ مِنَ العَشْرِ يَومُ عَرَفَةَ لِغَيرِ الحَاجِّ فَصُومُوهُ تَظْفَرُوا بِعَظِيمِ الأَجْرِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ ... أقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ...
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلهِ...أمَّا بَعْدُ: فَاعْمُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، عَشْرَكُمْ، بَلْ سَائِرَ حَيَاتِكُمْ، أحْيُوا عَشْرَكُم بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } الحج 28 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أيَّامُ العَشْرِ.
وَمِنَ الذِّكرِ عِبَادَ اللهِ: قِرَاءَةُ القُرْآنِ، وَبِهَا تَحْصُلُونَ عَلَى أُجُورٍ عَظِيْمَةٍ، فَـ ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وَمِنَ الذِّكْرِ: التَّكْبِيرُ: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلهِ الحَمْدُ، يَبْدَأُ مِنْ ثُبُوتِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَأَحْيُوا هَذِهِ السُّنَّةِ، وَاجْهَرُوا بِهَا تَأَسِّياً بِنَبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ؛ فَقَدْ: ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ أيَّامَ العَشْرِ يُكبِّرَانِ ويُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا ) أخرجه البخاري.
وَمِنْ أَعْمَالِ العَشْرِ: أنَّ مَنْ أرَادَ أنْ يُضَحِّي يُمْسِكُ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ؛ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهَا شَيئاً؛ مِنْ دُخُولِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِّي، وَإِذَا نَوَى الأُضْحِيةَ أثْنَاءَ العَشْرِ أمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ؛ وَلَا إثْمَ عَلَيهِ فِيْمَا أخَذَهُ قَبْلَ النِّيَّةِ، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الأُضْحِيَةِ وَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أوْ بَشَرَتِهِ نَاسِياً أوْ جَاهِلاً أوْ سَقَطَ الشَّعْرُ بِلَا قَصْدٍ؛ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيْهِ التَّوبَةُ إِلَى اللهِ، وعَدَمُ العَوْدِ، وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ عَنِ الأُضْحِيَةِ.
وَمَنِ احْتَاجَ إِلَى أخْذِ شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَلَهُ أخْذُهُ وَلَا شَيءَ عَلَيهِ، فَلَوِ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ وآذَاهُ؛ فَلَهُ قَصَّهُ، أوْ نَزَلَ الشَّعْرُ فِي عَيْنَيهِ، أوِ احْتَاجَ إِلَى قَصِّهِ لِمُدَاوَاةِ جُرْحٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ إِزَالَتُهُ. كَمَا أنَّهُ لَا بَأسَ بِغَسْلِ الرَّأْسِ وَدَلْكِهِ، وَلَو سَقَطَ مِنْهُ شَيءٌ مِنَ الشَّعْرِ، وَيَخْتَصُّ النَّهْيُ بِصَاحِبِ الأُضْحِيَةِ وَلَا يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَلَا الأَوْلَادَ، وَلَا الوَكِيْلَ، إِلَّا إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أُضْحِيةً تَخُصُّهُ.
تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ العَمَلِ، وَغَفَرَ لَنَا جَمِيعَ الزَّلَلِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا... اللَّهُمَّ أعِزَّ الإِسْلَامَ ...
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أَئِمَّتَنَا ...
عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ...