" عشر ذي الحجة والعمل الصالح " ألقيت في 1417/12/4 هـ ـ

د. عبدالله بن حسن الحبجر
1443/12/01 - 2022/06/30 20:29PM

الحمد لله المتفرد بكل كمال. أحمده سبحانه على كل حال. وأشكره فهو المتفضل بجزيل النوال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله خصّه ربه بشريف الخصال. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل. والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.      :

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )

أيها الأخوة المؤمنون:

من منة الله تعالى على عباده الصالحين أن جعل لهم مواسم متكررة في العام يستكثرون فيها من الأعمال الصالحة ويتنافسون فيما يقربهم إلى مليكهم وربهم سبحانه

ومن هذه المواسم الفاضلة الشريفة عشر ذي الحجة ، التي جاء فضلها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قول الله عز وجل ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) قال ابن عباس: ( الأيام المعلومات أيام العشر ).

وقوله سبحانه: ( والفجر وليال عشر ) قال ابن كثير رحمه الله: ( المراد بها عشر ذي الحجة ) كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله. قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء )) رواه البخاري.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحبّ إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد )) رواه أحمد.

وعلى هذا أيها المسلمون

فالحري بالعاقل واللبيب ، قبل دخول هذه العشر وبعد دخولها ، بل وفي هذه العشر وغيرها من أوقات العام حري به أن يستحضر التوبة الصادقة النصوح ؛ ذلك أنه ما حرم أحد خيراً إلا بسبب ذنوبه سواءً كان ذلك خيراً دينياً أو دنيوياً ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ).

ومن أعظم المصائب فوات الأجر والثواب والحرمان من المواسم الفاضلة.

ومع التوبة أيضاً ، لا بد من العزم على اغتنامها وعمارتها بما يرضي الله تعالى.

فمن عزم عزماً جاداً أعانه الله ، ومن صدق الله صدقه الله ، وهيأ له الأسباب الموصلة إلى الخير وأعانه عليها.

قال تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) فهذا وعدٌ من الله ، والله لا يخلف الميعاد.

عباد الله :

هذه الأيام الفاضلة والمباركة موسم عظيم ينبغي لكل مؤمن أن يجتهد فيه ويعمل من الصالحات ، ويستكثر من الحسنات ، ومن تلك الطاعات:

أولاً: أداء الحج والعمرة

وهو أفضل ما يعمل في هذه العشر ، فعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) متفق عليه.

وقد فرضه الله تعالى بقوله (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ).

وخرّج مسلم في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ).

 ففريضة الحج ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين قاطبة إجماعاً قطعياً فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر.

ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على خطر. إذ كيف تطيب نفس المؤمن ، أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه.

وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه ، كيف يبخل بالمال على نفسه في طاعة الله وهو ينفق فيما لا يرضي الله تعالى أو فيما تهواه نفسه من المباحات.

وقد ثبت عن عمر صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ليمت يهودياً أو نصرانياً – قالها ثلاثاً – رجل مات ولم يحج ، وجد لذلك سعةً وخُلِّيت سبيله ) رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ.

وهو واجب مرة واحدة على كل مستطيع رجلاً كان أم امرأة.

وفي الحديث المتفق عليه أيضاً ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).

وعن جابر رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما أهلّ مهلّ قط ، ولا كبّر مكبّر قط إلا بُشّر بالجنة) حديث حسن رواه الطبراني في الأوسط.

إلى غير ذلك من الآثار ، التي ترغب في هذه العبادة العظيمة .

 

ثانياً: من الطاعات في هذه العشر

الأضحية ، وهي سنة مؤكدة في أصح قولي أهل العلم وتتأكد على من عنده سعة من المال. فإن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها .

ومن أراد أن يضحي فعليه أن يكف عن أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئاً ) خرجه مسلم في صحيحه.

فيحرم الأخذ على المضحي دون أهل بيته إذا كان هو المضحي فقط من أهل البيت.

فمن ضحى عن نفسه وأهل بيته ، فالحكم خاص به في التحريم لأنه هو الذي صرف ثمن الأضحية من ماله ، وهكذا من وكّل في أضحية لا حرجه عليه في أخذ شيء من شعره وأضافره.

هذا إذا لم يضحّ هو أضحية أخرى عن نفسه أو عن نفسه وغيره.

فاتقوا الله رحمكم الله ، وزكوا أنفسكم بالطاعات ، وجنبوها المعاصي والمخالفات ليرضى عنكم رب الأرض والسماوات.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله  ...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ...         أما بعد:

فما يشرع في هذه العشر المباركة أيضاً : التكبير والذكر

قال تعالى ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) وقد فسرت بأنها أيام العشر واستحب العلماء كثر الذكر فيها.

وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يخرج إلى السوق فيكبر ويكبر الناس بتكبيره.

وروى إسحاق رحمه الله عن فقهاء التابعين رحمة الله عليهم أنهم كانوا يقولون في أيام العشر: ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور وفي المساجد وغيرها.

وهي للأسف سنة أميتت عند كثيرين ، فأحيوها رحمكم الله وارفعوا بها أصواتكم.

أكثروا رحمكم الله من ذكر الله ومن التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد ، لتكن هذه العشر المباركة علامة فارقة في حياتنا وفي عامنا بالإكثار من ذكر الله ، وإحياء المساجد وعمارتها بالطاعات كما كان الكثير في رمضان ، بل أكثر من ذلك ، فأيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل أيام العام ، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله .

 

رابعاً: مما يشرع في هذه العشر : الصيام

وهو من أفضل الأعمال الصالحة ، حيث يصوم العشر كلها أو ما تيسر منها – وبالأخص يوم عرفة – ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو مما اصطفاه الله لنفسه كما في الحديث القدسي ( الصوم لي وأنا أجزي به ، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) وفي الحديث المتفق على صحته عن أبي سعيد رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ) .

ولو لم يرد في قضله إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ) . لكفى .

 

خامساً : الصدقة

فقد قال جل وعلا ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون).

وقد قال صلى الله عليه وسلم( ما نقصت صدقة من مال )  رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ).

فالله الله يا عبد الله كن منفقاً واجعلها دعوة لك بالخلف ولا تكن ممسكاً فتجعلها دعوة عليك بالتلف.

هاهي أبواب الخير مفتوحة أمامكم من إعانة لمحتاج أو تفريج عن مكروب أو دعم لمشروع خيري أو برنامج دعوي. أو كفالة يتيم ،

وما أكثر أبواب الخير بحمد الله لمن أراد أن يتصدق ، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى  ، وجعلنا جميعاً هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين إنه سميع مجيب

هذا وصلوا ... )

المشاهدات 872 | التعليقات 0