عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ؛ فَضَائِلُ وَأَعْمَال

مبارك العشوان 1
1440/11/21 - 2019/07/24 17:19PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ...أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ).  

عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِنَا؛ وَهُوَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْهُرِ، وَمُقْبِلُونَ عَلَى ذِيْ الحِجَّةِ؛ وَهُوَ شَهْرٌ مَلِيءٌ بِالخَيْرَاتِ، حَرِيٌ بِالبَرَكَاتِ؛ فَلْنَتَذَاكَرْ شَيْئًا مِنْ جَزِيْلِ عَطَاءِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَمَا شَرَعَ لَنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ مِمَّا تُزَكَّى بِهِ نُفُوسُنَا، وَتُرْفَعُ بِهِ دَرَجَاتُنَا، وَتُحَطُّ خَطِيْئَاتُنَا. 

يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَنِ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ ذِيْ الحِجَّةِ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.   

هَذِهِ العَشْرُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ: قَلِيلٌ عَدَدُهَا؛ عَظِيمٌ شَأنُهَا، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر 2ـ 1 قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِهَا: عَشْرُ ذِي الْحِجّةِ وَيَقُولُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ العِبَادَةِ فِيهِ، وَهِيَ: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالحَجُّ، وَلَا يِأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ. أ هـ

العَمَلُ الصَّالِحُ مَحْبُوبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى سَائِرَ الأَوْقَاتِ، وَهُوَ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أحَبُّ إِلَيهِ تَعَالَى مِنْهُ فِي غَيْرِهَا؛ فَلْيَكُنْ لَنا حَظٌ كَبِيْرٌ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي عَشْرِنَا؛ وَلْنَأْخُذْ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِنَصِيبٍ.

حَافِظُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ عَلَى الفَرَائِضِ؛ فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيهِ مِنْهَا.

الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ؛ عِمَادُ الدِّينِ، وَرُكْنُهُ الثَّانِي، وَالفَارِقُ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالكُفْرِ، وَلَيْسَ فِي الإِسْلَامِ حَظٌ لِمَنْ تَرَكَهَا.

صَلَاتُكَ ـ أَخِي المُسْلِمُ ـ سَبِيْلُ نَجَاتِكَ، وَطَرِيقُ فَلَاحِكَ، وَلَنْ يُفْلِحَ عَبْدٌ لَقِيَ رَبَّهُ وَقَدْ تَهَاوَنَ بِالصَّلَاةِ وَفَرَّطَ فِيْهَا وَضَيَّعَهَا؛ اِحْفَظُوا أوْقَاتَهَا وَجَمَاعَتَهَا فِي المَسَاجِدِ، أَقِيْمُوهَا كَمَا أَمَرَ اللهُ، بَكِّرُوا إِلَيْهَا، أَكْثِرُوا مِنْ نَوَافِلِهَا فَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ؛: ( مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) أخرجه مسلم.

وَ ( أَفْضَلُ الصَّلاَةِ، بَعْدَ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلاَةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ). أخرجه مسلم.

وَصَلَاةُ الضُّحَى؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى.) أخرجه مسلم.

وَلْيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنَ الصِّيامِ؛ فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ وَ: ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) أخرجه البخاري ومسلم.  

وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ...) أخرجه مسلم.

لِيَكُنْ لَنَا حَظٌ وَافِرٌ مِنْ ذِكْرِ رَبِّنَا؛ فَبِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ، وَبِهِ تُعْمَرُ البُيُوتُ، وَ: ( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ.) أخرجه البخاري.

وَ: ( مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.)  أخرجه مسلم.

فَأَحْيُوا عَشْرَكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ؛ وَمِنَ الذِّكْرِ قِرَاءَةُ القُرْآنِ؛  وَ: ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني. 

وَمِنَ الذِّكْرِ: التَّكْبِيرُ: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلهِ الحَمْدُ، يَبْدَأُ مِنْ ثُبُوتِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَأَحْيُوا هَذِهِ السُّنَّةَ، وَاجْهَرُوا بِهَا؛ تَأَسِّيًا بِنَبِيِّكُم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذَّاكِرِينَ لَهُ كَثِيرًا، وَالمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ ...  أقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ...

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلهِ...أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: الْأُضْحِيَةُ؛ يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ الأُضْحِيَة. أ هـ

وَمَنْ أرَادَ أنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ؛ مِنْ دُخُولِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِّي، وَمَنْ نَوَى أثْنَاءَ العَشْرِ أمْسَكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ.

وَمِمَّا شُرِعَ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الحَجُّ؛ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ وَبِهِ تُكَفَّرُ الخَطَايَا، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّــهُ ) أخرجه مسلم.  وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) رواه البخاري ومسلم.   

أَلَا فَاعْمُرُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ  بِالعَمَلِ الصَّالِحِ حَيَاتَكُمْ، وَاعْرِفُوا قَدْرَ هَذِهِ المَوَاسِمِ؛ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِهَا إِلَّا فِيمَا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا... اللَّهُمَّ أعِزَّ الإِسْلَامَ ...

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أَئِمَّتَنَا ...

عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ...

 

المشاهدات 1043 | التعليقات 0