عشر ذي الحجة أفضل من عشر رمضان ( مشكولة مع الدعاء)
راشد بن عبد الرحمن البداح
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا)([1]) (وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا)([2]). أما بعد: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}.
أَتَذْكُرُونَ الناسَ قبلَ شهرٍ؛ كيفَ يُسارِعُونَ بالشِّراِء والبِناءِ قبلَ تطبيقِ القِيمةِ المُضافَةِ؟! ولا يُلامونَ لأنهم يُوفِّرونَ، لكنَّ اللَّوْمَ إنما يقَعُ على مَنْ تأتيهِ مَواسمُ تخفيضاتٍ هائلةٍ، ثم يُفرِّطُ حتى تَفوتَهُ! إنها مواسم الآخرة {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}.
أَلَا إِنَّ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الْقَادِمِ بَدْءُ مَوْسِمٍ لَا كَالْمَوَاسِمِ، أيَّامُهُ وَلَيَالِيْهِ أَعَظْمُ أيَّامِ ولَيَالِي الدُّنْيَا، فِيهِ أَيَّامٌ مَعْلُومَاتٌ، وَفِيهِ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ.
وَهُوَ يَدِلُّ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ فِي سَبِيلِ اللهِ أفْضَلِ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ. ففي صحيحِ البخاريِّ أنَّ النَّبِيَّ قَالَ e: مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ([3]).
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:( هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ.. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أفْضَلُ مِنْ عَشْرِ رَمَضَانَ، لَيَالِيِهِ وَأَيَّامِهِ. ونَوَافِلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ عَشْرِ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ فَرَائِضُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ تُضَاعَفُ أَكْثَرَ مِنْ مُضَاعَفَةِ فَرَائِضِ غَيْرِهِ.. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَسْتَحِبُّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ؛ لِفَضْلِ أيَّامِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ وَاِبْنِ سِيْرِيْنَ وَقَتَادَةَ أَنَّ صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْعَشْرِ يَعْدِلُ سَنَةً([4]). قَالَ سَعِيدُ بْن جُبَيْرٍ: لَا تُطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ فِي الْعَشْرِ – أي لِلْعِبَادَةِ.
فـ( الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ بِاِنْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِي هَذِهِ الْأيَّامِ الْعَظِيمَةِ فَمَا مِنْهَا عِوَضَ وَلَا لَهَا قِيمَةُ الْمُبَادَرَةَ الْمُبَادَرَةَ بِالْعَمَلِ وَالْعَجَلَ الْعَجَلَ قَبْلَ هُجُومِ الْأَجَلِ..قَبْلَ أَنْ يَصِيْرَ الْمَرْءُ مُرْتَهَنًا فِي حُفْرَتِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ.
يَا مِنْ طَلَعَ فَجْرُ شَيْبِهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْأَرْبَعَيْنَ..مَا تَنْتَظِرُ إِلَّا أَنَّ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ؟!
يَا مَنْ ذُنُوبِهِ بِعَدَدِ[ أَيَّامِهِ بَلْ أَكْثَرُ] أَمَّا تَسْتَحْيِ مِنَ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ وتدَّكرْ؟..
تَعَرَّضَ لمَوْلَاكَ فِي هَذَهِ الْعَشْرِ؛ فَإِنَّ فِيهِ لله نَفْحَاتٍ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ؛ فَمِنْ أَصَابَتْهُ سَعِدَ بِهَا آخِرَ الدَّهْرِ) ([5]).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِذَا أُعْلِنَ الشَّهْرُ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّكْبيرِ فِي بُيُوتِكُمْ، وَمَسَاجِدِكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ، وَمَجَامِعِكُمْ. واقتدوا بالصحَابَةِ، فقدْ (كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَخْرُجَانِ أَيَّامَ الْعَشْرِ إِلَى السُّوقِ، فَيُكَبِّرَانِ، فَيُكَبِّرُ النَّاسُ مَعَهُمَا، لَا يَأْتِيَانِ السُّوقَ إِلَّا لِذَلِكَ)([6]).
قالَ مَيمونُ بنُ مِهْرانَ: أدرَكْتُ الناسَ، وإنَّهمْ لَيُكبِّرونَ في العَشْرِ، حتَّى كنتُ أشبِّهُهُ بالأمواجِ مِن كَثْرَتِها! ويقول: إن الناسَ قد نَقَصُوا في تَرْكِهِمْ التكبيرَ([7]).
وقدْ كانتْ هذهِ الشَّعيرةُ ظاهِرةً في أسْواقِ الغنَمِ خاصَّةً قبلَ ثلاثِةِ عُقودٍ، فأينَ مَنْ يُحْيِيْها وقدْ مَاتَتْ؟!
(إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، مَا شَاءَ اللهُ جَعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا شَاءَ جَعَلَ خَلْفَهُ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا)([8]) والصلاةُ والسلامُ على خيرِ خَلْقِهِ عِبادةً وذِكرًا، أما بعدُ:
فـ ( لَمَّا كَانَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ وَضَعَ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ حَنِينًا إِلَى مُشَاهِدَةِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَلَيْسَ كُلُّ أحَدِ قَادِرًا عَلَى مُشَاهِدَتِهِ فِي كُلِّ عَامٍ؛ فَرَضَ عَلَى المُستَطِيعِ الْحَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ، وَجَعَلَ مَوْسِمَ الْعَشْرِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ السَّائِرِينَ وَالْقَاعِدِينَ، فَمَنْ عَجِزَ عَنِ الْحَجِّ فِي عَامِ، قَدِرَ فِي الْعَشْرِ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ فِي بَيْتِهِ، يَكُونُ أفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ مَنِ الْحَجِّ.
الْقَاعِدُ لِعُذْرِ شَرِيكٌ لِلسَّائِرِ، وَرُبَّمَا سَبَقَ السَّائِرَ بِقَلْبِهِ السَّائِرِينَ بِأبدَانِهِمْ:
يَا سَائِرِينَ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لِقَدْ...سِرْتُم جُسُومًا وَسِرْنَا نَحْنُ أَرَوَاحا
إِنَا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وَقَدْ رَحَلُوا...وَمَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ كَمَنْ رَاحَا) ([9]).
فـ (مَنْ فَاتَهُ فِي هَذَا الْعَامِ الْقِيَامَ بِعَرَفَةَ، فَلَيَقُمْ للهِ بِحَقِّهِ الَّذِي عَرَفَهُ، مَنْ عَجِزَ عَنِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَيَبِتْ عَزْمُهُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَقَدْ قَرَّبَهُ وَأَزْلَفَهُ..
مَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ بَعيدٌ، فَلَيَقْصِدْ رَبَّ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ أقْرَبُ إِلَى مَنْ دَعَاهُ وَرَجَاهُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
لَئِنْ لَمْ أَحُجَّ البَيْتَ أو شَطَّ رَبْعُهُ ... حَجَجْتُ إلى مَنْ لا يَغِيْبُ عَنِ الذِّكْرِ)([10]).
- اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَانَنا، وَتَسْمَعُ كَلَامَنا، وَتَعْلَمُ سِرَّنا وَعَلَانِيَتَنا، ولَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنا، نَحْنُ البؤساءُ الْفُقَرَاءُ، الْمُسْتَغِيثُونَ الْمُسْتَجِيرُونَ، الْوَجِلُونَ الْمُشْفِقُونَ، الْمُقِرُّونَ الْمُعْتَرِفُون بِذُنوبِهِمْ.
- اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياءَ، وَكُنْ بِنا رَؤوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ. إنْ لَمْ يَكُنْ بِكِ غَضِبٌ عَلَيْنَا فَلاَ نُبَالِي غَيْرَ أَنْ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لَنَا.
- اللهمَّ أقبِلْ بقلوبِنا في هذهِ العشرِ على طاعتِكَ.
- اللهمَّ أَعِنّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
- اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
- اللهم أَرْخِصْ أسعارَنا، وَآمِنْ دِيَارَنَا، وَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، ويسِّرْ أَرْزَاقَنَا، وَوَفِّقْ وُلاتَنا، وَارْحَمْ أمواتَنا، وَاجْمَعْ عَلَى الْهُدَى شُؤونَنا، وَاقْضِ اللَّهُمّ دُيونَنا.
- اللهم وَفِّقْ إمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ، وَسَدِّدْ أمراءَهم ووزراءَهم، وَاحْفَظْ أبْطَالَ الصِّحَّةِ وَأبْطَالَ الْحُدُودِ، واجزِهِم عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.
([1])السنن الكبرى للنسائي (10060)
([4]) باختصار من فتح الباري لابن رجب (9/ 15 - 20)
([5])لطائف المعارف لابن رجب (ص: 274)
([6])أخبار مكة للفاكهي (2/ 10)
([7])فتح الباري لابن رجب (9/ 9)
([8])مسند أحمد ط الرسالة (15861)