عشرة دروس مقترحة للقراءة في المساجد أيام عشر ذي الحجة
مبارك العشوان 1
الدَّرْسُ الأَوَّلُ: مِنْ فَضَائِلِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى وكَرَمِهِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ عَوَّضَهَا في قِصَرِ أعمارِهَا: بِمَوَاسِمَ عَظيمَةٍ، وَأَعْمَالٍ جَلِيلَةٍ، يُضَاعِفُ بِهَا أُجُورَهُم، فَمَنْ وُفِّقَ لَهَا وَاغْتَنَمَهَا فَكَأَنَّمَا رُزِقَ عُمُراً طَويلاً.
مِنْ ذَلِكَ لَيْلَةُ القَدْرِ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } القدر3.
قَالَ الرَّازِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: اعْلَمْ أنَّ مَنْ أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا عَبَدَ اللهَ نَيِّفاً وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَمَنْ أحْيَاهَا كُلَّ سَنَةٍ فكأنَّمَا رُزِقَ أعْمَاراً كَثِيرَةً. وَمِنْ تِلكَ المَوَاسِمِ: هَذِهِ العَشْرُ المُبَاركَةَ،ُ أَفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيَا، جَاءَ فِي فَضْلِهَا؛ قَولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
أيَّامٌ قَلِيلٌ عَدَدُهَا، عَظِيمٌ شَأنُهَا، أقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَقَالَ: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر 2،1. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } الحج 28 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَيْامُ الْعَشْرِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ العِبَادِةِ فِيهِ، وَهِيَ: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالحَجُّ، وَلَا يِأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.
أَخِي المُسْلِمُ: لَيْسَتْ هَذِهِ العَشْرُ مِنْ عَشْرِ رَمَضَانَ بِبَعِيْدٍ؛ بَلْ إنَّ شَيْخَ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ- رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا وَعَنْ عَشْرِ رَمَضَانَ الأَخِيْرَةِ؛ قَالَ: أيَّامُ عَشْرِ ذِيْ الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أيَّامِ العَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالَّلَيالِي العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أفْضَلُ مِنَ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ. أ ه وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
ألَا فَاحْمَدِ اللهَ أخِي المُسْلمُ؛ وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ بِبُلُوغِ هَذِهِ الأَيَّامِ، اِغْتَنِمْهَا، وَمَيِّزْهَا بِكَثرَةِ العَمَلِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَا تُفَرِّطْ فِي لَحْظَةٍ مِنْها إِلا فِيْمَا يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ.
اِجْتَهِدْ أوَّلَّ مَا تَجْتَهِدُ فِي الفَرَائِضِ، وَأَكْثِرْ مِنَ النَّوافِل: فَفَي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّ