عزة المسلم

حسين بن حمزة حسين
1440/07/26 - 2019/04/02 10:08AM

الحمد لله ذي الملك والملكوت، والعز والجبروت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحي الذي لا يموت، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأذلة على المؤمنين الأعزة على الكافرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً . أما بعد ...

إخوة الإيمان: فالعِزَّة والإيمان صِنْوَان لا يفترقان، فالعزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، وهي ارتباطٌ بالله وارتفاعٌ بالنفس عن مواضع المهانة، والتحرر من رِقِّ الأهواء وذُلِّ الطمع

أخوة الإيمان : العزة: صفةٌ من صفات الله تعالى واسمٌ من أسمائه؛ قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) ، فهو العزيز صاحب العزة المطلقة ، وهو المعز الذي يهب العزّة لمن يشاء ، وينزعها ممن يشاء ، وقد تكرر وصف الله بالعزيز في القرآن بما يقارب تسعين مرة ، قال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) ،عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله تعالى :  الْعِزُّ إِزَارُي ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائي فَمَنْ يُنَازِعُنِي في واحد منهما فقد عذبته ) رواه مسلم  ، العزة خلقٌ من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلقٌ من أخلاق أوليائه وأصفيائه إلى يوم الدين ، فأنتم أيها المسلون الأعز الأعلون على كل الأمم  ، عقيدتكم أعلى فأنتم تسجدون لله وغيركم يسجد لبشر وحجر ووثن  ، شريعتكم أعلى ، فأنتم تسيرون على شريعة الله الخالق الحكيم العدل ، وغيركم يسير على قانون من وضع البشر ، ودوْركم الأعلى ، فأنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها، الهداة لأهل الأرض قاطبة، وغيركم شارد ضال لا يعلم لماذا خُلق ! ولماذا وُجد! ، ومكانكم في الأرض أعلى، فلكم وراثة الأرض التي وعدكم الله بها، وغيركم إلى الفناء والنسيان صائرون، فإن كنتم مؤمنين حقاً فأنتم الأعلون، وإن كنتم مؤمنين حقاً فأنتم الأعزاء الأوصياء على جميع البشر ، الهداة المهتدين ، فأمة الإسلام أشرف الأمم وأعزّ الأمم ، ودينها هو الدين الحقُّ الذي لابد أن يسود وينتشر وما سواه باطل ، فتمسكوا بكتاب الله حُكْما وحَكَما ، تمسكوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم شرعا وشريعة ، فأنتم على الحق المبين ، وإن ضعُف أهل الإسلام هذا الزمان ، تمسكوا أنتم بدينكم فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، فإنما هي سنة الله أن تصابوا وتصيبوا على أن تكون لكم العقبى بعد الابتلاء والتمحيص ، قال تعالى (منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ  وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ،  لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ، وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)  عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ  ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)) رواه أحمد ، وكان تميم الدَّاري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشَّرَف والعزُّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغَار والجِزْية إهـ، فالإسلام جاء بالعِزَّة لأتباعه ، والرِّفعة لأوليائه ، فمتى وَقَرَ الإيمان في قلب المسلم ، تشرَّب العِزَّة ، فتواضع للأولياء الله المؤمنين واكتسى بعظيم الفَخْر والاستعْلاء على الكافرين والمنافقين ، قال تعالى ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ،  

فعزّة المسلم تصدر من إيمانه، لا بمنصبه ولا بنسبه ولا بملبسه ولا بجاهه،  إن اعتزاز المسلم بنفسه ودينه وربه هو كبرياء إيمانه، وكبرياء الإيمان غير كبرياء الطغيان، فلا يسلب الناس حقوقهم أو يظلمهم ، بل هو شعور المسلم أنه صاحب حقٍّ عظيم ، حقّ شريف ،  يجعله متبوع لا تابع  ، حق به يفتخر وإليه ينتمي ، صاحب شرفٍ وعزّ لابدّ أن يُحفظ ، وألا يتعدى عليه، فله أن يُبلّغ دين الله ، وأن يستمع الناس له، وألا يتنازل عن شيء من دينه أو دعوته مهما كان وفي أي مكان في أي زمان ، وأن دم أهل الإسلام دمُ عزيز محرّم أن يُراق، وأنّ أعراضهم وأموالهم ومساجدهم وجميع شعائرهم مصانة من أن تنتهك،(من مات دون ماله فهو شهيد ، ومن مات دون عرضه فهو شهيد) ، فإذا ما سيطر على المسلم اليقين بعزّته، واعتزّ بدين الله ، نال هو وأمته قمم الشرف  وكسب سؤدد المهابة، فالمسلم لا يهان ولا يستضعف ولا يستخف به حيا أو ميتا  ، كبيرا أو صغيرا ، رجلا كان أو امرأة ، فهاؤم الصحابةُ والسلف ُالكرام قدموا العزّ لنا  تاجاً مرصّعاً بالشرف والكرامة ، نفتخر به ونعلو على الأمم ما جعلناه فوق رؤوسنا عِلْما وعَملا ، سطروا العز كتباً ودواويناً يشهد به القاصي والداني ، يقول عمر رضي الله عنه ("إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ، وَأَقَلَّ النَّاسِ، وَأَحْقَرَ النَّاسِ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللَّهُ ) ، في زمن العزة يدخل ربعي بن عامر إلى إيوان كسرى، معتمداً على رمحه، مخرّقاً به السجاد والبسط، ويقف في عزة وشموخ قائلاً: (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جوْر الأديان إلى عدل الإسلام ). فالعزّة لا تكون فضيلة إلاّ إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه، أمّا عزّة الكفّار والمنافقين فهي في الحقيقة ذلة وهوان قال تعالى (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً)، فكانت النتيجة؟ (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً) أي ستكون عليهم الذل والهوان، فكلّ عِزة تقوم على غير الإيمان بالله عزةٌ واهية، باطلة، فانية، وإن أي رفعة ومنعةٍ تكون بغير الله، فهي زائلة عما قليل تحول وتزول وتنتهي، قال تعالى (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَاد).  أخوة الإيمان : إن ما نراه من ضعف وخور في معظم البلاد الإسلامية هذا الزمان ، حتى أصبحت دولها في صفوف أذل وأضعف الأمم ، مع انتشار الدم والدمار والخلاف وذهاب الأمن في كثير من أراضي المسلمين مما أجبره المسلمين العيش في بلاد الكافرين ، وكلنا رأى وسمع بل وبمشاهدة العالم أجمع ، علجاً كافراً نصراني خبيث يدخل برشاشه مسجداً تلو مسجد بدولة نيوزيلاندا فيقتل خمسين مصليا ويصيب ما يقارب السبعين فأصبح منهم المعاق وذي العاهة والجريح ، لم يرحم شيخا هرما ولا طفلا ولا امرأة ، كم يتم من طفل ورمل من امرأة ، وكأن القتلى ليسوا بشرا ، عليه من الله ما يستحق ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبعد هذا الإجرام والقتل الشنيع ، سمعنا بمحاولات أخرى في دول أخرى ، بل ومن رؤوس دول الكفر وطواغيت الأرض من يرفض حتى تسميته بإرهابي نصراني ، ولا حسيب ، دمهم ذهب هدر ، ضاعوا مثل أمس من اليوم ، ولو كانوا كفارا لقامت الدنيا ولم تقعد ... (أسأل الله تعالى أن يكتب أمواتهم في الشهداء ويشفي مرضاهم ويتولى بفضله اليُتّم والأرامل والمصابين ما يقضي حوائجهم ويفرج همومهم )

أخوة الإيمان: فلماذا هذا الخور؟  أين ذهبت عزة أهل الإسلام، لماذا لا يستطيعون رفع الضيم عن أنفسهم؟ أتعلمون لماذا؟ لأنهم فقدوا العزّة ، ذهبت عزتهم لما ضعُف إيمانهم ، هانوا على الله فأهانهم  فوكَلَهم إلى أنفسهم ، ولو توكّلوا على الله حقيقة لكان لهم الله جل جلاله نعم المولى ونعم النصير ،  لقد هجر المسلمون كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكموا بغير شرع الله في معظم بلاد المسلمين واستبدلوها بالقوانين الوضْعية الوضِيعة ، وظهر الخلاف والشقاق لما ظهرت الفرق والأحزاب ، كل حزب بما لديهم فرحون ، فشى الدم ، اختلف الناس مع حكامهم ، ذهب الأمن وحل الخوف والرعب والدمار ، وهجروا كتاب الله المنقذ، وسنة النبي الهادي، واعتزوا بغير الله، وافتخروا بالولاء للشرق والغرب، يتذللون ويخضعون لأعدائهم اليهود والنصارى والمشركين والشيوعيين يطلبونهم الرضا والأمان ، فضرب الله عليهم الذل والصغار والهوان ، فكان أن صاروا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن: قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) .  قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) ، وارتكاب الآثام والتلطخ بالمعاصي هو سبيل الذل والإهانة ومزلقة إلى خزي الفرد والجماعة، فإنما تذل الناسَ شهواتهُم ورغباتهم ومخاوفهم ومطامعهم ( وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليما كثيرا ، قال تعالى (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمين )

أيها المسلمون: الله جل جلاله بين لنا كيف تنال العزة وهدانا سبلها ، فهل من عوْدا كريماً ، ننال فيه العزّ في الدنيا والآخرة ، فعودا إلى عبادة الله ، عودا حميدا إلى تحكيم شرع الله ، عودا حميدا إلى نبذ الخلاف والتفرق والأحزاب ، لنتوحّد على ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واعلموا أن شعلة النار التي أحرقت وأشعلت النار والدمار في الشعوب المسلمة هو المظاهرات والمسيرات التي تدعو إلى شق العصى ومنابذة الحكام وتأجيج الخلاف الذي نهى الله ورسوله عنه ، الكرامة في التقوى، والسمو في العبادة، والعزة في طاعة الله، وإن من واجب الآباء والمربين أن ينشئوا الأجيال على التخلق بعزة المسلم وربطهم بسيرة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي يمثل العزة الحقيقية بأجلي وأسمى صورها، لنربي النشء على قصص السابقين واللاحقين ممن رسموا العزة بأقوالهم وأفعالهم، وتعليم أبنائنا  البطولات والمواقف الخالدة في سماء العز والشرف ،

عباد الله لا تشبهوا بأعداء الله في طرائقهم وتقاليدهم فمن تشبه بقوم فهو منهم .

اللهم احفظ على بلادنا بلاد الحرمين الشريفين أمنها وإيمانها، ووفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم أهدنا واهد ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح ديننا ودنيانا، اللهم اجمع كلمتنا على الحق المبين، واكبت عدونا من الرافضة وأذنابهم الحوثيين ومن شايعهم من اليهود والنصارى والشيوعيين والمشركين يارب العالمين ، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم ونجعلك في نحورهم ياقوي ياعزيز ، اللهم اشمل بهذا الدعاء الكريم جميع بلاد المسلمين ، رُدّهم إلى دينهم ردّا جميلا وفق بين الراعي والرعية واجمع كلمتهم على خيارهم يارب العالمين ...

 

المشاهدات 705 | التعليقات 0