عَرَفةُ وَالْأَضَاحِي

د صالح بن مقبل العصيمي
1442/12/02 - 2021/07/12 22:42PM

عَرَفةُ وَالْأَضَاحِي
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ...
عِبَادَ اللهِ، لَا نَزَالُ نَتَقَلَّبُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ المُبَارَكَةِ، الَّتِي عَظَّمَ اللهُ شَأْنَهَا، وَرَفَعَ مَكَانَتَهَا؛ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ تِلْكَ الْأَيَّامُ الفَاضِلَةُ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ»، يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ أَحْـمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وَقَدْ مَضَى بَعْضُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَمَنْ كَانَ فِيهَا مُحْسِنًا؛ فَلْيَزْدَدْ مِنَ الِإِحْسَانِ وَلْيَسْأَلِ اللهَ الْقَبُولَ، وَمَنْ كَانَ فِيهَا مُقَصِّرًا وَمُفَرِّطًا؛ فَلْيَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِنْهَا، فَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَفْضَلُ أَيَّامِها، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ تَعَالَى، يَوْمُ عَرَفَةَ، ذَلِكَ الْيَوْمُ الْعَظِيمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ فِيهِ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا بِهِ النِّعْمَةَ؛ حَيْثُ نَزَلَ فِيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا). يَوْمُ عَرَفَةَ.
وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَة، لِمَا في ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ، فعِنْدَمَا سُئِلَ ﷺ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَة؛ قال: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالصِّيَامُ أَجْرُهُ عَظِيمٌ، قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»؛ فَكَيْفَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟
وَيُسْتَحَبُّ فِيْهِ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ، وَقَوْلُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ"، قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَيَشْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ، الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ أَذْكَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، فَيُكَبِّرُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِهِ، وَمِنْ صِيَغِهِ أَنْ يَقُولَ:
(اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ)، وَلَهُ أَنْ يُكَرِّرَهَا مَا شَاءَ، وَهُنَاكَ مَنْ زَادَ عَلَيْهَا بِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.

وَثَبَتَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَى وَأَجَلُّ).
وَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَجَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
وَبَعْضُهُمْ يَقُول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
عِبَادَ اللهِ، كَذَلِكَ بَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ يَوْمُ النَّحْرِ؛ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ، وَأَعْلَى ذِكْرَهُ، وَأَقْسَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، قَالَ تَعَالَى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ تَعَالىَ: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)، وَقَفَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَرَاتِ فِي الحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا، وَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَبِهِ يَنْتَظِمُ عِقْدُ الْحَجِيجِ عَلَى صَعِيدِ مِنَى، َوَيَفْرَحُ الْمُسْلِمُونَ بِهِ فِي شَتَّىْ بِقَاعِ الْأَرْضِ.
فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بِذَبْحِ ضَحَايَاهُمْ؛ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ الْخَلِيلَيْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَالْأَضَاحِي -عِبَادَ اللهِ- شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَسُنَّةٌ قَوِيمَةٌ؛ قَدْ وَرَدَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ لِمَنْ أَدَّاهَا.
وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ لِلْأَضَاحِي شُرُوطًا وَأَحْكَامًا لَا بُدَّ أَنْ تَسْتَكْمِلَهَا؛ حَتَّى تَكُونَ مَقْبُولَةً تَامَّةً، فَمِنْ شُرُوطِ الْأَضَاحِي: أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا، فَمِنَ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سَنَوَاتٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ مَاَ تَّم لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنَ الْمَعْزِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ كَامِلَةُ، وَمِنَ الضَّأَنِ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ شُرُوْطِ الْأَضَاحِي: أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ الَّتِيْ تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَقَدْ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِ: «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ، الَّتِي لَا تُنْقِي»، رَوَاهُ ابْنُ مَاْجَه بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. وَمَعْنَى الْكَسِيرَةِ الَّتِي لَا تُنْقِي؛ أَيْ: الَّتِي لَا تَقُومُ وَلَا تَنْهَضُ مِنَ الْهُزَالِ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْعُيُوبِ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا، أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا، مِثْلَ مَقْطُوعَةُ الرِّجْلِ، وَالْعَمْيَاءِ.
وَمِنْ شُرُوطِ الْأَضَاحِي: أَنْ تُذْبَحَ الْأُضْحِيَةُ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ شَرْعًا، وَيَبْدَأُ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَةِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ، لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَيَمْتَدُّ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَةِ إِلَى ِغِيَابِ الشَّمْسِ مِنْ ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ الْعِيدِ، وَثَلَاثَةُ أَيّامٍ بَعْدَهُ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُذْبَحَ نَهَارًا، وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا لَيْلًا، وَتُجْزِئُ الشَّاةُ فِي الْأُضْحِيَةِ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَتُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةِ أَشْخَاصٍ. وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَـخْتَارَ الْأَكْمَلَ مِنَ الْأَضَاحِي فِي جَـمِيعِ صِفَاتِـهَا، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ مَالٍ طَيِّبٍ، فَإِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّــبًا.
وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِـي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَهَا عِنْدَ ذَبْحِ أُضْحِيَتِهِ: التَّسْمِيَةُ وَالتَّكْبِيـرُ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَإِحْسَانُ الذَّبْحِ بِـحَدِّ الشَّفْرَةِ، وَإِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ، وَالرِّفْقُ بِـهَا، وَإِضْجَاعُهَا عَلَى جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ مُتَّجِهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ. وَالأَفْضَلُ فِي تَوْزِيعِ الأَضَاحِي أَنْ تَكُونَ أَثْلَاثًا: يَأْكُلُ ثُلُثًا، وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثٍ، وَيُهْدِي ثُلُثًا. فَلَا تَـحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ ثَوَابَ اللهِ وَأَجْرَهُ فِي هَذِهِ الأَيَّاِم الْـمُبَارَكَةِ، فَاِسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّاعَاتِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِـحَاتِ، وَسَلُوا اللهَ الْقَبُولَ وَالتَّمَامَ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
**********
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:—————
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللَّهِ، قَدْ أَظَلَّنَا عِيدُ الْأَضْحَى الْمُبَارَكُ، جَعَلَهُ اللهُ يَوْمَ نَصْرٍ وَعِزٍّ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْعِيدِ آدَابًا وَأَحْكَامًا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَهَا، وَيَتَأَدَّبَ بـِهَا، مِنْهَا: الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلاَةِ الْعِيدِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْخُرُوجِ إِلَيْهَا، وَدَاوَمَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهَا، وَلَمْ يَتْرُكْهَا فِي عِيدٍ مِنَ الْأَعْيَادِ، حَتَّى إِنَّهُ أَمَرَ بِخُرُوجِ النِّسَاءِ، وَالْعَوَاتِقِ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَالْـحُيَّضِ، وَأَمَرَ الْـحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَـيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيهَا هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَلَا يُفَرِّطَ فِيهَا، فَيَشْهَدَ الصَّلاَةَ، وَالْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ آدَابِ الْعِيدِ: أَنْ يَخْرُجَ إِلَى صَلاَةِ الْعِيدِ عَلَى أَحْسَنِ هَيْـئَةٍ، مُتَطَـيِّــبًا، لَابِسًا أَحْسَنَ الثِّيابِ؛ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا النِّسَاءُ فَيَخْرُجْنَ إِلَى صَلاَةِ الْعِيدِ بِغَيْرِ زِينَةٍ، وَلَا طِيبٍ.
وَمِنْ آدَابِ الْعِيدِ: أَنْ يَخْرُجَ إِلَى صَلاَةِ الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ يُخْرُجَ مِنْ طَرِيقٍ، وَيَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ.
وَمِنْ آدَابِ الْعِيدِ: أَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّكْبِيرِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، قَالَ الْإِمَامُ الزُّهْرِيُّ -رَحِـمَهُ اللَّهُ-: كَانَ النَّاسُ يُكْبِّـرُونَ في ِالْعِيدِ حِينَ يَـخْرُجُونَ مِنْ مَنَازِلِـهِمْ حَتَّى يَأْتُوا إِلَى الْمُصَلَّى، وَحَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ سَكَتُوا، فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرُوا.
وَمِنْ آدَابِ عِيدِ الْأَضْحَى خَاصَّةً: أَلَّا يَأْكُلَ شَيْئًا حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.

 

 

المرفقات

1626129755_خُطبة الجمعة بعنوان عرفة والأضاحي.docx

1626142962_خُطبة الجمعة بعنوان عرفة والأضاحي.pdf

المشاهدات 1503 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا