عرفات مواقف وعبرات
محمد بن مصطفى بن الحسن كركدان
1437/12/04 - 2016/09/05 12:15PM
[align=justify]عرفات مواقف وعبرات
اقترب يوم المباهاة والكرم، اقترب يوم الأعطيات والنعم، اقترب يوم الجود والمنن، وهاهم حجاج بيت الله الحرام ينتظرون يوم مغفرة الذنوب، والعتق من عَلَّام الغيوب، ها هم الحجاج يتأهبون ليوم عرفة، وما أدراكم ما يوم عرفة، فـ(الحج عرفة)، إنه يوم عظيم من أيام الله، يوم تتجلى فيه الرحمات، وتتدلى فيه الأعطيات، ولا يُعْرَفُ يومٌ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، ولا يوم عند الله أفضل من يوم عرفة، فهنيئًا لأهل الموقف ما سيقدمون بعد يومين، والله أرجو أن لا يحرمنا فضل ذلك اليوم العظيم، روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحه بسنده عن أُمِّ المؤمنين عَائِشَةَ أنَّها قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) ، فأي فضل يتنزل على عباده في ذلك اليوم! وأي جود يشملهم! إنها رحمة أرحم الرحماء، جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) ، وروى جابر رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ"، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عبادي شُعْثًا غُبْرًا ضاحين جاؤوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا من النار من يوم عرفة" ، وعنه رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْت لَهُمْ) .
فهنيئًا لهم المغفرة في عرفات، ومحو الذنوب عنهم والتبعات، فهذا خير الله قد كثر وطاب، جاء في الحديث عن أنس بن مالك قال: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمسُ أن تؤوبَ فقال: (يا بلال أَنْصِتْ لي الناسَ)، فقام بلالٌ فقال: أَنْصِتُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَنْصَتَ النَّاسُ، فقال: (معاشرَ النَّاسِ، أتاني جبرائيل عليه السلام آنفًا فأقرأني من ربي السلامَ، وقال: إنَّ الله عز وجل غَفَرَ لأهلِ عرفاتٍ، وأهل المشعرِ، وضَمِنَ عنهم التبعات)، فقامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: (هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة)، فقال عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه: كَثُرَ خيرُ اللهِ وطَابَ .
هذه رحمة الله بعباده في يوم عرفة، وهذا كرمه، وهذا عفوه، فأين المذنبون من هذا الفضل؟ وأين المقصرون من هذه الأعطيات؟ وأين المسرفون الذي أسرفوا على أنفسهم؟ ها هي رحمة رب العالمين تنزل بهم، وترفع شأنهم؟ اللهم نشكو إليك ذنوبنا، ونشكو إليك تقصيرنا، فارحم حالنا يا رب العالمين.
إنْ كنتَ تغدو في الذنوبِ جليدا .. وتخافُ في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاكَ من المهيمِنِ عَفْوُهُ .. وأفاضَ من نِعَمٍ عليك مَزِيدا
لا تيأسنَّ من لُطْفِ ربِّكَ في الحشا .. في بَطْنِ أمك مُضْغَةً ووليدا
لو شاءَ أنْ تَصْلَى جهنَّمَ خالدا .. ما كان ألهمَ قلبك التوحيدا
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعي الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، وقد أفلح المستغفرون.
الخطبة الثانية:
أما بعد: إنَّ للصادقين في يوم عرفةَ عبراتٌ وعظاتٌ، فأخبارهم متعددة، وأحوالهم متنوعة، فمنهم من كان يغلب عليه الخوف، ومنهم من كان يغلبه الرجاء، ومنهم من كان يغلبه الحياء، وهاكم عرض لتلك الصفحات المشرقة البهية، والشذرات الطيبة الزكية، فهاهو الصحابي الجليل المتعفف عن سؤال النَّاس: حكيم بن حزام الذي لم يقبل عطاءً من أحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفَّاه الله تعالى، فرضي الله عنه وأرضاه، فما شأنه؟ وما حاله في يوم عرفة؟ روت كتب السير أنَّ حكيمًا حضر"يوم عرفة ومعه مائةُ رقبةٍ، ومائةُ بَدَنَةٍ، ومائةُ بقرةٍ، ومائةُ شاةٍ، فقال: الكلُّ لله" . الله أكبر، يعتق عبيدَهُ، ويهدي الأضاحيَ، ويرجو عتق ربه بعد أن كبر ورقَّ عظمه، كيف وهو من عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام .
إنَّ الملوكَ إذا شابتْ عبيدُهُمُ .. في رقِّهم عتقوهم عتقَ أبرارِ
وأنت يا خالقي أولى بذا كرمًا .. قد شِبْتُ في الرقِّ فأعتقني من النارِ
وهذا الإمام القدوة الواعظ الحجة بكر الـمُزَني أحد أعلام هذه الأمة المباركة "كان واقفًا بعرفة، فَرَقَّ، فقال: لولا أَنِّي فيهم، لقلت: قد غُفِرَ لهم" . هكذا كان خوفه رحمه الله غير أن رجاءَهُ برحمة ربه وعفوه وطلب أمانه أعظم.
وإني من خوفكم والرجا .. أرى الموت والعيش فيكم عيانا
فمُنُّوا على تاب خائف .. أتاكم ينادي الأمانَ الأمانَ
ولا شك يا عباد الله أنَّ العبدَ إذا سأل ربَّهُ بصدقٍ وإخلاصٍ أنْ يَغْفَرَ له، ويَعْفُوَ عنه، فإنَّ الكريمَ يُجيبه، ويُعطيه، ومن أكرم من الله، ومن أرحم من الله، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وإنِّي لأدعو اللهَ أسألُ عفوَهُ .. وأعلمُ أنَّ الله يعفو ويغفرُ
لئن أعظمَ الناسُ الذنوبَ فإنها .. وإنْ عَظُمَتْ في رحمة الله تَضْغُرُ
فيا لله، كم في يوم عرفة من عَبْدٍ منكسر! وضارع لله بدمع منهمر! كم فيه من بادر ربه بالتوبة فبادره بالغُفْران! وخَطَّ بدموعه كتاب رجوعه فَحُطَّ عنه الوزر والعصيان! كم ينصرف من هذا الموقف من أناسٍ ما عليهم من الأوزار مثقال ذره! ينصرفون وقد امتلأت قلوبهم بالأفراح، وزالت عنهم الهموم والأتراح.
رفعوا الأكفَّ وأرسلوا الدعواتِ .. وتجردوا لله في عرفاتِ
شُعْثًا تُجَلِّلُهم سحائبُ رحمةٍ .. غُبْرًا يفيضُ النورُ في القسماتِ
فها هم الحجاج قد استدبروا دنياهم في إخبات، وطمعوا في العفو والجود في عرفات، فاللهم تقبل من حجاج بيتك حجهم، وأرفع درجتهم، وبارك سعيهم، وأكرم عبادك الذين حبسهم العذر عن حج هذا العام بالحج في العام القادم. اللهم آمين.
هؤلاء ضيوفك يا إلهي تبتغي .. عَفْوًا وترجو سابغَ البركاتِ
تركوا وراء ظهورهم دنيا الورى .. وأتوكَ في شوقٍ وفي إخباتِ
وفدوا إلى أبواب جُودكَ خُشَّعًا .. وتزاحموا في مهبط الرحماتِ
فاقبل إلهَ العرشِ كل ضراعةٍ .. وامح الذنوب وكَفِّرِ الزَّلَّاتِ
عباد الله: صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عزَّ من قائل: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب:56]. [/align][align=justify][/align]
اقترب يوم المباهاة والكرم، اقترب يوم الأعطيات والنعم، اقترب يوم الجود والمنن، وهاهم حجاج بيت الله الحرام ينتظرون يوم مغفرة الذنوب، والعتق من عَلَّام الغيوب، ها هم الحجاج يتأهبون ليوم عرفة، وما أدراكم ما يوم عرفة، فـ(الحج عرفة)، إنه يوم عظيم من أيام الله، يوم تتجلى فيه الرحمات، وتتدلى فيه الأعطيات، ولا يُعْرَفُ يومٌ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، ولا يوم عند الله أفضل من يوم عرفة، فهنيئًا لأهل الموقف ما سيقدمون بعد يومين، والله أرجو أن لا يحرمنا فضل ذلك اليوم العظيم، روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحه بسنده عن أُمِّ المؤمنين عَائِشَةَ أنَّها قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) ، فأي فضل يتنزل على عباده في ذلك اليوم! وأي جود يشملهم! إنها رحمة أرحم الرحماء، جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) ، وروى جابر رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ"، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عبادي شُعْثًا غُبْرًا ضاحين جاؤوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا من النار من يوم عرفة" ، وعنه رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْت لَهُمْ) .
فهنيئًا لهم المغفرة في عرفات، ومحو الذنوب عنهم والتبعات، فهذا خير الله قد كثر وطاب، جاء في الحديث عن أنس بن مالك قال: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمسُ أن تؤوبَ فقال: (يا بلال أَنْصِتْ لي الناسَ)، فقام بلالٌ فقال: أَنْصِتُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَنْصَتَ النَّاسُ، فقال: (معاشرَ النَّاسِ، أتاني جبرائيل عليه السلام آنفًا فأقرأني من ربي السلامَ، وقال: إنَّ الله عز وجل غَفَرَ لأهلِ عرفاتٍ، وأهل المشعرِ، وضَمِنَ عنهم التبعات)، فقامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: (هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة)، فقال عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه: كَثُرَ خيرُ اللهِ وطَابَ .
هذه رحمة الله بعباده في يوم عرفة، وهذا كرمه، وهذا عفوه، فأين المذنبون من هذا الفضل؟ وأين المقصرون من هذه الأعطيات؟ وأين المسرفون الذي أسرفوا على أنفسهم؟ ها هي رحمة رب العالمين تنزل بهم، وترفع شأنهم؟ اللهم نشكو إليك ذنوبنا، ونشكو إليك تقصيرنا، فارحم حالنا يا رب العالمين.
إنْ كنتَ تغدو في الذنوبِ جليدا .. وتخافُ في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاكَ من المهيمِنِ عَفْوُهُ .. وأفاضَ من نِعَمٍ عليك مَزِيدا
لا تيأسنَّ من لُطْفِ ربِّكَ في الحشا .. في بَطْنِ أمك مُضْغَةً ووليدا
لو شاءَ أنْ تَصْلَى جهنَّمَ خالدا .. ما كان ألهمَ قلبك التوحيدا
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعي الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، وقد أفلح المستغفرون.
الخطبة الثانية:
أما بعد: إنَّ للصادقين في يوم عرفةَ عبراتٌ وعظاتٌ، فأخبارهم متعددة، وأحوالهم متنوعة، فمنهم من كان يغلب عليه الخوف، ومنهم من كان يغلبه الرجاء، ومنهم من كان يغلبه الحياء، وهاكم عرض لتلك الصفحات المشرقة البهية، والشذرات الطيبة الزكية، فهاهو الصحابي الجليل المتعفف عن سؤال النَّاس: حكيم بن حزام الذي لم يقبل عطاءً من أحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفَّاه الله تعالى، فرضي الله عنه وأرضاه، فما شأنه؟ وما حاله في يوم عرفة؟ روت كتب السير أنَّ حكيمًا حضر"يوم عرفة ومعه مائةُ رقبةٍ، ومائةُ بَدَنَةٍ، ومائةُ بقرةٍ، ومائةُ شاةٍ، فقال: الكلُّ لله" . الله أكبر، يعتق عبيدَهُ، ويهدي الأضاحيَ، ويرجو عتق ربه بعد أن كبر ورقَّ عظمه، كيف وهو من عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام .
إنَّ الملوكَ إذا شابتْ عبيدُهُمُ .. في رقِّهم عتقوهم عتقَ أبرارِ
وأنت يا خالقي أولى بذا كرمًا .. قد شِبْتُ في الرقِّ فأعتقني من النارِ
وهذا الإمام القدوة الواعظ الحجة بكر الـمُزَني أحد أعلام هذه الأمة المباركة "كان واقفًا بعرفة، فَرَقَّ، فقال: لولا أَنِّي فيهم، لقلت: قد غُفِرَ لهم" . هكذا كان خوفه رحمه الله غير أن رجاءَهُ برحمة ربه وعفوه وطلب أمانه أعظم.
وإني من خوفكم والرجا .. أرى الموت والعيش فيكم عيانا
فمُنُّوا على تاب خائف .. أتاكم ينادي الأمانَ الأمانَ
ولا شك يا عباد الله أنَّ العبدَ إذا سأل ربَّهُ بصدقٍ وإخلاصٍ أنْ يَغْفَرَ له، ويَعْفُوَ عنه، فإنَّ الكريمَ يُجيبه، ويُعطيه، ومن أكرم من الله، ومن أرحم من الله، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وإنِّي لأدعو اللهَ أسألُ عفوَهُ .. وأعلمُ أنَّ الله يعفو ويغفرُ
لئن أعظمَ الناسُ الذنوبَ فإنها .. وإنْ عَظُمَتْ في رحمة الله تَضْغُرُ
فيا لله، كم في يوم عرفة من عَبْدٍ منكسر! وضارع لله بدمع منهمر! كم فيه من بادر ربه بالتوبة فبادره بالغُفْران! وخَطَّ بدموعه كتاب رجوعه فَحُطَّ عنه الوزر والعصيان! كم ينصرف من هذا الموقف من أناسٍ ما عليهم من الأوزار مثقال ذره! ينصرفون وقد امتلأت قلوبهم بالأفراح، وزالت عنهم الهموم والأتراح.
رفعوا الأكفَّ وأرسلوا الدعواتِ .. وتجردوا لله في عرفاتِ
شُعْثًا تُجَلِّلُهم سحائبُ رحمةٍ .. غُبْرًا يفيضُ النورُ في القسماتِ
فها هم الحجاج قد استدبروا دنياهم في إخبات، وطمعوا في العفو والجود في عرفات، فاللهم تقبل من حجاج بيتك حجهم، وأرفع درجتهم، وبارك سعيهم، وأكرم عبادك الذين حبسهم العذر عن حج هذا العام بالحج في العام القادم. اللهم آمين.
هؤلاء ضيوفك يا إلهي تبتغي .. عَفْوًا وترجو سابغَ البركاتِ
تركوا وراء ظهورهم دنيا الورى .. وأتوكَ في شوقٍ وفي إخباتِ
وفدوا إلى أبواب جُودكَ خُشَّعًا .. وتزاحموا في مهبط الرحماتِ
فاقبل إلهَ العرشِ كل ضراعةٍ .. وامح الذنوب وكَفِّرِ الزَّلَّاتِ
عباد الله: صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عزَّ من قائل: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب:56]. [/align][align=justify][/align]
المرفقات
عرفات مواقف وعبرات.docx
عرفات مواقف وعبرات.docx