عَجَائِبُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُفُولَتِه 30 شَوَّال

محمد بن مبارك الشرافي
1434/10/28 - 2013/09/04 17:55PM
عَجَائِبُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُفُولَتِه 30 شَوَّال 1434 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُون، وَلا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّون، وَلا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُون، الْمَعْرُوفُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة، الْخَالِقُ بِلا حَاجَة، الْمُمِيتُ بِلا مَخَافَة، الْبَاعِثُ بِلا مَشَقَّة، فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِه، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِه، مُبْدِئُ الْخَلْقِ وَوَارِثُه، وَإِلَهُ الْخَلْقِ وَرَازِقُه، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارَ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير. وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ وَالسِّرَاجُ الْمُنِير، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ وَاتَّبَعَ نَهْجَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ , وَاعْلَمُوا أَنَّ مَعْرِفَةَ أَخْبَارِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَزِيدُ الإِيمَانَ وَيُبَيِّنُ عَظِيمَ مِنَّةِ الرَّحْمَنِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ وَعِنَايَتَهُ بِرَسُولِهَا وَتَرْبِيَتَهُ لَهَا !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وُلِدَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَوْمَ الاثْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ أَوْ فِي التَّاسِعِ مِنْهُ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ , وَذَلِكَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ .
وَوَضْعَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ ، وَاضِعَاً يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ، رَافِعَاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، مَخْتُونَاً ، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قَذِرِ الْوِلادَةِ . وَرُوِيَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ التِي يَعْبُدُونَهَا ، وَارْتَجَسَ إِيُوانُ كِسْرَى ، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً , وَتَنَكَّسَتْ جَمِيعُ الأَصْنَامِ فِي جَمِيعِ الآفَاقِ , وَسَقَطَ عَرْشُ إِبْلِيسَ , وُرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالشُّهُبِ ، فَمُنِعَتْ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْع .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَأَمَّا أَوَّلُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ ثُوَيْبَةُ مَوْلاةُ عَمِّهِ أَبِي لَهَبْ . قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللهُ : وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ , كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا , فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ :لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْراً غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَخُفِّفَ الْعَذَابُ عَنْهُ كَرَامَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لا لِأَجْلِ الْعِتْقِ , لِأَنَّ عَمَلَهُ حَابِطٌ بِسَبَبِ الشِّرْكِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يُرْسِلُونَ أَبْنَاءَهُمْ إِلَى الْبَادِيَةِ مُنْذُ صِغَرِهِمْ وَيَسْتَرْضِعُونَ لَهُمُ الْمُرْضِعَاتِ لِيَبْتَعِدُوا مِنْ وَخَمِ الْحَاضِرَةِ وَيَتَعَلَّمُوا اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ , فَاسْتُرْضِعَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ السَّعْدِيَّةِ , وَقَدْ كَانَ لِذَلِكَ خَبَرٌ عَجِيبٌ وَقِصَّةٌ ذَاتُ عِبْرَة .
تَقُولُ حَلِيمَة : قَدِمْتُ مَكَّةَ فِي نِسْوَةٍ عَشْرٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ نَلْتَمِسُ بِهَا الرُّضَعَاءَ فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ , فَقَدِمْتُ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ كَانَتْ أَذَمَّتْ بِالرَّكْبِ[أَيْ أَعْيَتْ وَتَخَلَّفَ الرَّكْبُ بِسَبَبِهَا وَلَمْ تَسْتَطِعْ اللِّحَاقَ بِهِ] وَمَعِي صَبِيٌ , وَشَارَفَ [نَاقَةً] لَنَا , وَاللهِ مَا تَبُضُّ بِقَطْرَةٍ , وَمَا نَنَامُ لَيْلَتَنَا أَجْمَعُ مَعَ صَبِيِّنَا ذَاكَ , مَا نَجِدُ فِي ثَدْيِي مَا يُغْنِيهِ وَلا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَذِّيه , وَلَكِنَّنَا كُنَّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ !
فَقَدِمْنَا مَكَّةَ , فَوَاللهِ مَا عَلِمَتْ مِنَّا امْرَأَةً إِلَّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ فَتَأْبَاهُ , إِذَا قِيلَ : إِنَّهُ يَتِيمُ ، تَرَكْنَاهُ ! قُلْنَا : مَاذَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ إِلَيْنَا أُمُّهُ ؟ إِنَّمَا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الْوَلَد ، فَوَاللهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَوَاحِبِي امْرَأَةٌ إِلَّا أَخَذَتْ رَضِيعَاً غَيْرِي . فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ غَيْرَهُ وَأَجْمَعْنَا الانْطِلَاقَ قُلْتُ لِزَوْجِي الْحَارِثِ : وَاللهِ إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي لَيْسَ مَعِي رَضِيعٌ , لأَنْطَلِقَنَّ إِلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ ! فَقَالَ : لا عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلِي , فَعَسَى أَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً ! فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ , فَوَاللهِ مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَخَذْتُهُ فِجِئْتُ بِهِ رَحْلِي فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ , فَشَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَشَرِبَ أَخُوهُ حَتَّى رَوِي ! وَقَامَ صَاحِبِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ فَإِذَا إِنَّهَا لَحَافِلٌ ، فَحَلَبَ مَا شَرِبَ وَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِينَا . فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ ! فَقَالَ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا : يَا حَلِيمَةُ ! وَاللهِ إِنِّي لَأَرَاكِ قَدْ أَخَذْتِ نِسْمَةً مُبَارَكَةً . أَلَمْ تَرِيْ مَا بِتْنَا بِهِ اللَّيْلَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ حِينَ أَخَذْنَاهُ !
ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى بِلادِنَا فَوَاللهِ لَقَطَعَتْ أَتَانِي بِالرَّكْبِ حَتَّى مَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حِمَارٌ , حَتَّى إِنَّ صَوَاحِبِي لَيَقُلْنَ : وَيْلَكِ يَا بِنْتَ أَبِي ذُؤَيْبٍ هَذِهِ أَتَانُكِ التِي خَرَجْتِ عَلَيْهَا مَعَنَا ؟ فَأَقُولُ : نَعَمْ وَاللهِ إِنَّهَا لَهِيَ ! فَقُلْنَ : وَاللهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنَاً ؟
حَتَّى قَدِمْنَا أَرْضَ بَنِي سَعْدٍ , وَمَا أَعْلَمُ أَرْضَاً مِنْ أَرْضِ اللهِ أَجْدَبَ مِنْهَا , فَإِنْ كَانَتْ غَنَمِي لَتَسْرَحُ ثُمَّ تَرُوحُ شِبَاعَاً فَنَحْلِبُ مَا شِئْنَا مِنْ لَبَنِهَا , وَمَا حَوَالَيْنَا أَحَدٌ تَبُضُّ لَهُ شَاةٌ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ وَإِنَّ أَغْنَامَهُمْ لَتَرْجِعُ جِيَاعَاً , حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ : وَيْحَكُمْ انْظُرُوا حَيْثُ تَسْرَحُ غَنَمُ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَاسْرَحُوا مَعَهُمْ ! فَيَسْرَحُونَ مَعَ غَنَمِي حَيْثُ تَسْرَحُ , فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعَاً مَا فِيهَا قَطْرَةُ لَبَنٍ وَتَرُوحُ أَغْنَامِي شِبَاعَاً لَبَنَاً نَحْلِبُ مَا شِئْنَا !

فَلَمْ يَزِلِ اللهُ يُرِينَا الْبَرَكَةَ نَتَعَرَّفُهَا حَتَّى بَلَغَ سَنَتَيْنِ , فَكَانَ يَشُبُّ شَبَابَاً لا تَشُبُّهُ الْغِلْمَانُ ! فَوَاللهِ مَا بَلَغَ السَّنَتَيْنِ حَتَّى كَانَ غُلامَاً جَفْرَاً (أَيْ :أي غَلِيظٌ شَدِيدٌ ) فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمِّهِ وَنَحْنُ أَضَنُّ شَيْءٌ بِهِ مِمَّا رَأَيْنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ !
فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ , قُلْتُ لَهَا : دَعِينَا نَرْجِعُ بِابْنِنَا هَذِهِ السَّنَةَ الأُخْرَى فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْهِ وَبَاءَ مَكَّةَ ! فَوَاللهِ مَا زِلْنَا بِهَا , حَتَّى قَالَتْ : نَعَمْ . فَسَرَّحَتْهُ مَعَنَا فَأَقَمْنَا بِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَة !

فَبَيْنَمَا هُوَ خَلْفَ بُيُوتِنَا مَعَ أَخٍ لَهُ مِنَ الرِّضَاعَةِ فِي بَهَمٍ لَنَا جَاءَ أَخُوهُ ذَلِكَ يَشْتَدُّ , فَقَالَ : إِنَّ أَخِي الْقُرَشِيَّ جَاءَهُ رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَاهُ فَشَقَّا بَطْنَهُ !!! فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُوهُ نَشْتَدُّ نَحْوَهُ فَوَجْدَنَاهُ قَائِمَاً مُنْتَقِعَاً لَوْنُهُ ! فَاعْتَنَقَهُ أَبُوهُ , وَقَالَ : يَا بُنَيَّ مَا شَأْنُكَ ؟ قَالَ : جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ شَيْئَاً فَطَرَحَاهُ ثُمَّ رَدَّاهُ كَمَا كَانَ !
فَقَالَ : أَبُوهُ يَا حَلِيمَةُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ابْنِي قَدْ أُصِيبَ ! فَانْطَلِقِي بِنَا نَرُدُّهُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بِهِ مَا نَتَخَوَّفُ . قَالَتْ حَلِيمَةُ : فَاحْتَمَلْنَاهُ فَلَمْ تُرَعْ أُمُّهُ إِلَّا بِهِ ! فَقَالَتْ : مَا رَدَّكُمَا بِهِ ؟ فَقَدْ كُنْتُمَا عَلَيْهِ حَرِيصِينَ ؟ فَقَالا : لا وَاللهِ إِلَّا أَنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنَّا ، وَقَضَيْنَا الذِي عَلَيْنَا، وَقُلْنَا : نَخْشَى الإِتْلافَ وَالأَحْدَاثَ , فَنَرُدُّهُ إِلَى أَهْلِهِ ! فَقَالَتْ : مَا ذَاكَ بِكُمَا ! فَاصْدُقَانِي شَأْنَكُمَا ؟ فَلَمْ تَدَعْنَا حَتَّى أَخْبَرْنَاهَا خَبَرَهُ ، فَقَالَتْ : أَخَشِيتُمَا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ، كَلَّا وَاللهِ مَا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيل ! وَاللهِ إِنَّهُ لَكَائِنٌ لابْنِي هَذَا شَأْنٌ ! أَلَا أُخْبِرُكُمَا خَبَرَهُ ؟ قُلْنَا : بَلَى ! قَالَتْ : حَمَلْتُ بِهِ فَمَا حَمَلْتُ حَمْلاً قَطُّ أَخْفَّ عَلَيَّ مِنْهُ , فَأُرِيتُ فِي النَّوْمِ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ , ثُمَّ وَقَعَ حِينَ وَلَدْتُهُ وُقُوعَاً مَا يَقَعُهُ الْمَوْلُودُ ، مُعْتِمَدَاً عَلَى يَدَيْهِ رَافِعَاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَدَعَاهُ عَنْكُمَا . (1)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : هَكَذَا بَدَأَتْ حَيَاةُ هَذَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَكَذَا كَانَتْ بَرَكَتُهُ عَلَى مَنْ خَالَطَهُ , فَكَيْفَ بِمَنْ آمَنَ بِهِ بَعْدَ ذَلَكَ وَاتَّبَعَه ؟
وَلَكِنْ نُذَكِّرُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا عَمَلُ شَيْءٍ مِنَ العِبَادَاتِ أَوِ الاحْتِفَالَاتِ فِي ذِكْرَى مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ , حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِه , وَلَمْ يَفْعَلْهَا صَحَابَتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بَعْدَ وَفَاتِه , وَهُمْ أَعْلَمُ مِنَّا بِالشَّرْعِ , وَيُحِبُّونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنَّا وَأَصْدَق .
أَقُولُ قَوْلي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين .
أَمَّا بَعْدُ : فَبَعْدَمَا رَدَّتْ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ الصَّبِيَّ إِلَى أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ , بَقِيَ مَعَهَا وَمَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي كَلاءَةِ اللهِ وَحِفْظِهِ ، يُنْبِتُهُ اللهُ نَبَاتَاً حَسَنَاً لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ , فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنينَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ , بَالأَبْوَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، وَكَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ تُزِيرُهُ إِيَّاهُمْ , فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إِلَى مَكَّةَ .
فَكَفَلَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ آمِنَةَ , فَكَانَ يُحِبُّهُ وَيَحُوطُهُ , حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ ، وَلا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالاً لَهُ . وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي وَهُوَ غُلامٌ ، حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ لِيُؤَخِرُّوهُ عَنْهُ , فَيَقُولُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : دَعُوا ابْنِي فَوَاللهِ إِنَّ لَهُ لَشَأْنَاً ، ثُمَّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى فِرَاشِهِ وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ وَيَسَرُّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ . وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لا يَأْكُلُ طَعَامَاً إِلَّا يَقُولُ : عَلَيَّ بِابْنِي ! فَيُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ . وَبَقِيَ مَعَهُ هَكَذَا فِي رِعَايَةٍ وَإِكْرَامٍ حَتَّى تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَعُمُرُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانُ سِنِين .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي خُطْبَةٍ قَادِمَةٍ (2) بِإِذْنِ اللهِ نُكْمِلُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ هَذِهِ السِّيرَةِ الْعَطِرَةِ , فَاللَّهُمَّ صَلَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدَينَا وَأَهَالِينَا وَجِميعِ الْمُسْلِمِينَ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا , وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ , اللَّهُمَّ كُنْ لإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الشَّامِ , اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ تُغْنِيهِمْ بِهَا عَمَّنْ سِوَاكَ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ آذَاهُمْ وَعَذَّبَهُمْ , اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ , اللَّهُمَّ أَشْغِلْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَاجْعَلْ بَأَسَهَمْ بَيْنَهُمْ , اللَّهُمَّ أَهْلِكِ الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ وَأَخْرَجِ الْمُسْلِمِيَن مِنْ بَيْنِهِمْ سَالِمِينَ ! اللَّهُمَّ أَنْقِذْ إِخْوَانَنَا فِي مِصْرَ مِمَّنْ يُرِيدُ بِهِمْ سُوءَاً , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَهُمْ , وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ يَا قَدِيرُ يَا حَكِيمُ , و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا الحديث قد روي من طرق عدة , وهو من الاحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي .
(2) أيها الخطيب الموفق : بإذن الله ستكون في الجمعة القادمة , لكن تحسبا للطوارئ جعلنا الأمر مفتوحا . سدد الله خطاك ونفع بي بك .
المرفقات

عَجَائِبُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُفُولَتِه 30 شَوَّال 1434 هـ.doc

عَجَائِبُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطُفُولَتِه 30 شَوَّال 1434 هـ.doc

المشاهدات 3312 | التعليقات 3

شكر الله لك وبارك فيك يا شيخ.


جزاك الله كل خير شيخنا الشيخ محمد ونفع بعلمك
السيرة لا يمل أحد من قراءتها ولا استماعها نسأل الله أن يرزقنا شفاعته والشرب من حوضه والدخول في زمرته


كما ذكرت شيخنا أن الحديث عن النبي الخاتم في أي مرحلة من مراحلة عمره وحياته ودعوته وموته وما تبعها لا يمل لأنك تتحدث عن سيرة من ملئت القلوب بحبه وأشربت بتقديره وجرى الدم بجلاله وتعزيره عليه الصلاة والسلام صاحب الفضل وعظيم القدر.

شكر الله لك شيخ محمد إثراءك الموضوع وكل الإخوة المشاركين