عبودية غض البصر ووسائل البث الحديثة
عبدالرحمن اللهيبي
هذه خطبة تم جمعها من عدة خطب وأكثرها من خطب للشيخ إبراهيم الحقيل نفع الله بها وجعلها خالصة لوجهه الكريم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ، وَنَشْكُرُهُ فَلَا أَحَدَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالشُّكْرِ; خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا وَهَدَانَا ، وَمِنَ الْخَيْرِ أَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، دِينُهُ خَيْرُ دِينٍ، وَكِتَابُهُ أَحْسَنُ كِتَابٍ، وَشَرِيعَتُهُ أَكْمَلُ شَرِيعَةٍ، وَلَا رَشَادَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا فَوْزَ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالتَّمَسُّكِ بِهَا (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، حَذَّرَنَا مِنْ كل شر وفساد وفتنة، فما ترك من خير إلا ودل أمته عليه ولا شرا إلا وحذرها منه, من اتبعه أفلح ونجى ومن عصاه هلك وغوى, صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ وَالْمُهْلِكَاتِ وما أكثرها في هذا الزمان وَأَكْبَرُهَا الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ، وَالْمُجَاهَرَةُ بِالْمُنْكَرَاتِ، وَالرِّضَا بِهَا، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهَا، ومجادلة الناس فيها قناعة بها; فذَلِكَ مُؤْذِنٌ على المرء بالعقوبة والهلاك (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). فاحذر يا عبدالله أن تجادل عن معصية أو تدافع عن منكر مهما كانت منزلة القائل به فالله ورسوله أحب إليك من سواهما فإياك أن تقدم بين يديهما قول أحد كائنا من كان ((هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا))
أَيُّهَا النَّاسُ، لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ، ابْتَلَاهُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ; فدَلَّهُمْ عَلَى مَا يُرْضِيهِ، وَحَذَّرَهُمْ مِمَّا يُسْخِطُهُ، وَرَزَقَهُمْ أَدَوَاتِ الْعِلْمِ وَالْإِدْرَاكِ، وَمَعْرِفَةَ الْخَيْرِ مِنَ الشَّرِّ، وَتَمْيِيزَ النَّفْعِ مِنَ الضُّرِّ، وَمِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ الشَّيْطَانَ وَجَنَّدَهُ فِتْنَةً لَهُمْ، يَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْهِدَايَةِ، وَيُزَيِّنُونَ لَهُمُ الْغَوَايَةَ: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ، وَالْغَوَايَةُ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ اللِّسَانُ وَالسَّمْعُ، وَتَكُونُ بِالْفِعْلِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ الْبَصَرُ وَالْجَوَارِحُ، وَالْقَلْبُ يَفْسُدُ بِغَوَايَةِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ; وَلِذَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُ بِحِفْظِ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى; لِيَسْلَمَ لَهُ قَلْبُهُ: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي أسماعهم وأبصارهم: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). لذا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَضِّ الْأَبْصَارِ عن المحارم والآثام: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ" رَوَاهُ البخاري ومسلم. وَخُطُورَةُ الْبَصَرِ عَلَى الْعِبَادِ كَبِيرَةٌ، وَعَلَاقَتُهُ بِالزِّنَا وَثِيقَةٌ;
قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَجُلٌ تَابَ، وَقَالَ: لَوْ ضُرِبَ ظَهْرِي بِالسِّيَاطِ مَا دَخَلْتُ فِي مَعْصِيَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدَعُ النَّظَرَ. قَالَ: أَيُّ تَوْبَةٍ هَذِهِ؟!". وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَالنَّظَرُ دَاعِيَةٌ إِلَى فَسَادِ الْقَلْبِ، كُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ وَالْآثَارِ تَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فِتْنَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ، وَأَنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَقَعُونَ فِي الْكَبَائِرِ بِسَبَبِهِمَا، ولقد كَانَ الرَّجُلُ قديما لا يَرَى الْمَرْأَةَ الأجنبية عنه إلا نادرا، لقلة خروج النساء من بيوتهن وإذا خرجن خرجن محتشمات ، لقد كان هَذَا قَدِيمًا، قبل اخْتِرَاعِ الوَسَائِلِ الحديثة في نقل صور النساء عبر الشاشات من شبكات التلفزة والفضائيات والانترنت والجوالات ومَا عُرِفَ بِدُورِ السِّينَمَا ، حيث ازْدَادَتْ نِسْبَةُ النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ ، فقد اقتحمت عَلَى النَّاسِ في بُيُوتهمْ عبر التلفاز الفضائيات، وظهرت إليهم عبر جوالاتهم وهي في أيديهم, ثم خرجوا إليها في دور مخصصة لعرضها عليهم، حيث صَارَ النَّظَرُ إِلَى النِّسَاءِ - وَهُنَّ بِأَبْهَى حُلَّةٍ - أَمْرًا مَأْلُوفًا عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ. بل لم يعد الأمر منكرا عند كثير منهم وهكذا إذا كثر عرض المنكرات على القلوب تنكت كلُ واحدةٍ منها فيه نكتةً سوداء على يطغى على قلبه الران فلا يعرف بعدها معروفا ولا منكرا وقد تنعكس مفاهيمه وتتبدل موازينه فيصبح الخير عنده شرا والشرُ خيرا
لقد أُقْحِمَتِ النِّسَاءُ الانتاج الإعلامي في وسائل العرض ودورها من الشاشات والفضائيات ودور السينما وإن أغلب ما تقوم عليه هذه المنتجات هو الْحُبّ وَالْغَرَامِ، وَنَشْر ثَقَافَةِ التَّمَرُّدِ وَالتَّحَرُّرِ وَاللَّذّة الحرام،
لتَصُوغُ الْعُقُولَ، وَتَفْرِضُ الْأَفْكَارَ المنحرفة، وَتَسْطُو عَلَى الْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ، وهي إنما يعود صناعتها في الأصل على يد الشركات العالمية المحترفة في مجال الانتاج، وَيُمَوِّلُهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَيَرْسُمُونَ سِيَاسَتَهَا; وَلِذَا فَإِنَّهَا كُرِّسَتْ لِإِفْسَادِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، فغزت عُقُولَهم بِالْأَفْكَارِ الْغَرْبِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ الْمُتَحَلِّلَةِ مِنَ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ.
وإِنَّ تَأْثِيرَ الأفلام المعروضة في الفضائيات وفي الدور السينمائية وغيرها عَلَى الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْأَخْلَاقِ، وَصِيَاغَتَهَا لِلْعُقُولِ وَالسُّلُوكِ وَالْأَفْكَارِ لَا يَنْفِيهِ صَانِعُوهَا، وَالْمَالِكُونَ لِأَكْبَرِ الشركات المنتجة لها ، فَهَذَا الْمُخْتَرِعُ الْمَشْهُورُ تُومَاسْ أَدِيسُونْ - وَهُوَ مِمَّنْ طَوَّرُوا آلِيَّاتِ السِّينَمَا - يَقُولُ: مَنْ يُسَيْطِرُ عَلَى السِّينَمَا يُسَيْطِرُ عَلَى أَقْوَى وَسِيلَةٍ لِلتَّأْثِيرِ فِي الشَّعْبِ.
وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُؤَرِّخِينَ لِلْفُنُونِ الْأَمْرِيكِيَّةِ: إِنَّ السِّينَمَا سَوَاءٌ أَحْبَبْنَا أَمْ لَمْ نُحِبَّ هِيَ الْقُوَّةُ الَّتِي تَصُوغُ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ قُوَّةٍ أُخْرَى، الْآرَاءَ وَالْأَذْوَاقَ وَالزِّيَّ وَالسُّلُوكَ.
وَيَقُولُ مُفَكِّرٌ أَمْرِيكِيٌّ آخَرُ: لَيْسَتْ وَظِيفَةُ السِّينَمَا أَنْ تُزَوِّدَنَا بِمَعْرِفَةٍ لِلْعَالَمِ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا تَخْلُقُ أَيْضًا الْقِيَمَ الَّتِي نَعِيشُ بِهَا.
لذا فهي في حقيقتها لَيْسَتْ أَدَاةً مُحَايِدَةً لِلتَّرْفِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَزْرَعَةٌ لِاسْتِنْبَاتِ الْأَفْكَارِ الْغَرْبِيَّةِ الْمُنْحَرِفَةِ فِي الْبِيئَةِ الشَّرْقِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ. لَقَدْ دَرَسَ نَاقِدٌ فَرَنْسِيٌّ إِنْتَاجَ السِّينَمَا الْعَرَبِيَّةِ، وَحَلَّلَ وَاقِعَهَا خِلَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا; لِيُثْبِتَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي دِرَاسَتِهِ اسْتِئْثَارَ شَرِكَاتِ الْإِنْتَاجِ وَالتَّوْزِيعِ الْأَمْرِيكِيَّةِ بِهَا. وإنَّ هذه المنتجات لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى رُكْنَيْنِ: هُمَا الْجِنْسُ وَالْعُنْفُ وأخبر أَنَّهَا لَعِبَتْ دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَخْرِيبِ الْكَثِيرِ مِنَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَفِي تَشْوِيهِ الْعَقْلِ الْعَرَبِيِّ الْخَامِ، وَدَفْعِهِ فِي اتِّجَاهِ الْبَحْثِ عَنْ قِيَمٍ غَرْبِيَّةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ تَقَالِيدِهِ وَقِيَمِهِ.
فيَا لَلْعَجَبِ من مجتمعات تصيح في هذا الزمن المعاصر مِنَ تفشي التَّحَرُّشِ الْجِنْسِيِّ بِالْمَرْأَةِ وَابْتِزَازِهَا، وفِي الْوَقْتِ نفسه يغفلون عن أكبر أَدَاةٍ للْإِغْرَاءِ الْجِنْسِيِّ الَّتِي تُهَيِّجُ الْغَرَائِزَ، وَتُسَعِّرُ الشَّهَوَاتِ، وَتَدْعُو إِلَى الْفَوَاحِشِ، فَإِذَا انْضَمَّ لَهَا مَشَاهِدُ عُنْفٍ كَانَ ذَلِكَ تَرْبِيَةً عَلَى الِاغْتِصَابِ وَالِابْتِزَازِ; فَأَيُّ تَنَاقُضٍ هَذَا؟!
وإنه ليستحيل عقلا وواقعا أن تكون هذه المنتجات السينمائية التي هيمن عليها الغرب صناعة وصياغة لفكرتها وتأسيسا لمقوماتها أن تكون متوافقة مَعَ خُصُوصِيَّاتِ الْمُجْتَمَعِ المحافظ المسلم، ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَجَاحَ لِلسِّينَمَا ماديا إِلَّا بِمَشَاهِدَ الْإِغْرَاءِ وَالْعُنْفِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَشَاهِدُ أَكْثَرَ إثارة وإغراء كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِنَجَاحِ مَا يُعْرَضُ ماديا; وَلِذَا لَا يَخْلُو فِيلْمٌ مِنِ امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ تُبْدِي مَفَاتِنَهَا، وَتُمَارِسُ مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا مَعَ بَطَلِ الْفِيلْمِ.
ولا عجب من كل ذلك فالصهاينة لإفساد المسلمين يخططون ، والمجوس الرافضة بنا يتربصون، وَأُمَّةُ الْعَرَبِ في اللهو غارقون، وإنه لَا تَقَعُ الْكَوَارِثُ بِالْأُمَمِ إِلَّا حِينَ تَغِيبُ عَنِ الْوَعْيِ، وَتَعْمَى عَنِ الْحَقَائِقِ، وَتُسْكِرُهَا الشَّهَوَاتُ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا يُعَذِّبَنَا بِذُنُوبِنَا ، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رُشْدًا; إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - وَاسْتَسْلِمُوا لِدِينِهِ، وَاخْضَعُوا لِأَمْرِهِ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ، وَلَا يَغْلِبَنَّكُمْ عَلَى ذَلِكَ شهوات أنفسكم
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ القناعة بمُنْكَرٍ جَدِيدٍ، أَوِ الْمُشَارَكَةَ فِيهِ، أَوِ الرِّضَا بِهِ، أَوِ المجادلة عنه لمن الآثام العظيمة ، وَالْعَاقِلُ تَكْفِيهِ ذُنُوبُهُ ولا يضيف لها استباحته لها فالاستباحة لما حرم الله أعظم إثما وأشد جرما من ارتكاب الذنب نفسه.
ولقد أخبرنا من لا ينطق عن الهوى وهو أصدق عندنا من كتاب الصحف وأهل الأهواء بأن فتنة الرجل بالنساء أعظم من فتنته بأي شيء آخر، كما في حديث أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ على الرِّجَالِ من النِّسَاءِ» متفق عليه.
وإن ابتلاء المؤمنين بذلك شديدة في هذا العصر؛ إذ إن من أكبر سمات هذا العصر: كثرة النساء السافرات المتبرجات، وتفشي وسائل العرض لهن عبر الفضائيات والشاشات والجوالات ودور السينما ولو قيل: إن أكثر معصية يقع فيها الناس في هذا الزمن هي إطلاق البصر في المحرمات لما كان ذلك بعيداً؛ فالمحرمات تحاصر الناس في كل مكان، فالأسواق تعج بالمتبرجات ، والمستشفيات فيها من سفور النساء واختلاطهن بالرجال ما لا يخفى على أحد، وفي المطارات والطائرات ما هو أكثر من ذلك، ومن سافر خارج البلاد فلا تكاد عينه تقع إلا على حرام،
واشتد البلاء بالمؤمنين حين تقحمت هذه المحرمات على الناس بيوتهم، حتى أضحت صناعة الفتنة بالمرأة بضاعة رائجة ؛ لإفساد قلوب الناس، وزيادة آثامهم، والإمعان في إضلالهم، وكم من قلب سليم معافى راح ضحية لهذه الصور والأفلام؟! ففسد بعد الصلاح، وانتكس بعد الرشاد، فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، ولا عصمة إلا به سبحانه أمام هذا البلاء الذي عمَّ في هذا العصر، وأضحى كبح جماح النفس في ذلك عسيراً، وغض البصر ثقيلاً؛ فإن كثرة المساس أذهبت إحساس كثير من الناس، والواجب على العباد مجاهدة نفوسهم على غض الأبصار، ومجانبة ما يُظَنُّ فيه كثرة الحرام قدر المستطاع، مع دوام التوبة والاستغفار، وعدم اليأس والاستسلام للشيطان؛
عباد الله إن الله سائلنا يوم القيامة عن أسماعنا وأبصارنا وعن أقوالنا فهل فكرنا يوما بم سنجيب ربنا حين يسألنا , يا إخوة الإيمان إن الحياة قصيرة حتى أننا سنراها يوم القيامة كيوم أو بعض يوم ومع ذلك نسعى جاهدين أن نرفه أنفسنا في كل لحظة منها بشتى أنواع المطعومات والسفرات والمشاهدات فماذا تركنا من الوقت لربنا.. ونحن نظن في غفلة أن السعادة وراحة البال في شغل كل الوقت بوسائل الترفيه وليس الأمر كذلك فانشراح الصدر وطمأنينة القلب إنما تكون في عبودية الله وذكره
وإن أهل العبودية الصادقة هم أكثر الناس فرحا وسرورا وسعادة وليس هناك مانع من الترفيه البريء والترويح عن النفس ولكن لا يكون ذلك بما حرم الله فما جعل الله النفس لتسعد بمعصية خالقها
نعوذ بالله تعالى من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونسأله العصمة لنا وللمسلمين أجمعين..
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.