عِبَرٌ مِنْ سُورَةِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 6 رَجَب 1445هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1445/08/05 - 2024/02/15 05:10AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا, قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا, الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ القُرْآنَ نُورًا وَبُرْهَانًا, وَجَعَلَ أَخْبَارَهُ صَادِقَةً وَأَحْكَامَهُ عَادِلَةً وَقَصَصَهُ نَافِعَةً, أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمًا كثَيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْرِفُوا لِكِتَابِ رَبِّكُمْ حَقَّهُ, فَهُوَ الْكِتَابُ الذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ, مَنَ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَن أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَازَ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِالْقُرْآنِ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ لا يَزِيدُ عَلَيْهِ, كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ خَطَبَ بِسُورَةِ (ق), يَوْمِ الْجُمْعَةِ, وَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا أَخَذْتُ (ق وَالْقُرْآنِ اَلْمَجِيدِ) إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى اَلْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ اَلنَّاسَ.

وَسَبَبُ اخْتِيَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذِهِ السُّورَةِ هُوَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوَاعِظَ الشَّدِيدَةِ وَالزَّوَاجِرِ الأَكِيدَةِ وَالآيَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ, وَذِكْرِ إِحْصَاءِ مَا يَلْفِظُ بِهِ الإِنْسَانُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ, وَمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ, وَذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهَا نَحْنُ فِي خُطْبَةِ هَذَا الْيَوْمِ بِإِذْنِ اللهِ نُطَبِّقُ هَذِهِ السُّنَّةِ فَنَخْطُبُ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَنُعَلِّقُ عَلَيْهَا يَسِيرًا لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُلِينَ نُفُوسَنَا, وَيُرَقِّقَ قُلُوبَنَا.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم, ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}.

هَذَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ قَسَمٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ, الذِي فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالنُّورُ وَالْخَيْرُ الدِّينِيُّ وَالدُّنْيَوِيُّ, بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَقًّا وَنَبِيُّ اللهِ صِدْقَاً, وَمَعَ هَذَا كَذَّبَهُ الْكُفَّارُ, وَتَعَجَّبُوا مِنْ أَنَّهُمْ سُيُبْعَثُونَ, فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ومَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ, فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيَّنَ لَهُمْ قُدْرَتَهُ عَلَى إِحْصِائِهِمْ وَحُسَابِهِمْ.

ثُمَّ لَفَتَ أَنْظَارَهُمْ إِلَى مَا حَوْلَهُمْ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَجِيبَةِ فِي الأَرْضِ وَفِي السَّمَاءِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}.

فَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَجِيبَةَ عَرَفَ قُدْرَةَ اللهِ وَعَظَمَتَهُ وَأَنَّهُ الذِي خَلَقَ مِنَ الْعَدَمِ وَتَفَضَّلَ بِالنِّعَمِ, وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الأُمَمَ السَّابِقَةَ التِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ وَأَنَّهُ أَخَذَهُمْ وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ, فَاحْذَرُوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَيَا كُفَّارَ الْعَرَبِ أَنْ تُكَذِّبُوا مُحَمَّدَاً فَيَحِلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِهِمْ, فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)}.

فَهَكَذَا عَاقَبَهُمُ اللهُ بِعُقُوبَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ, فَأَغْرَقَ قَوْمَ نُوحٍ بِالطُّوفَانِ وَأَهْلَكَ أَصْحَابَ الْبِئْرِ (الرَّسِّ) بِمَا يَسْتَحِقُّونَ, وَأَرْسَلَ عَلَى ثَمُودَ الصَّيْحَةَ فَقَطَّعَتْ قُلُوبَهُمْ, وَأَرْسَلَ علَى عَادٍ رِيحًا صَرْصَرًا أَبَادَتْهُمْ أَجْمَعِين, وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَأَهْلَكَ الأُمَمَ بَعْدَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ وَعِيدُ اللهِ.

ثُمِّ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حُجَّةً عَقْلِيَّةً وَبُرْهَانًا وَاضِحًا لِمَنْ تَفَكَّرَ, فِي قُدْرَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِحْيَاءِ الْعِظَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ رَمِيمًا, فَقَالَ

{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.

ثُمَّ تَأَمَّلْ يَا مُسْلِمْ وَانْظُرْ فِي مَصِيرِكَ وَاسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ رَبِّكَ وَاحْذَرِ الْغَفْلَةَ فِي الدُّنْيَا وَشَهَواتِهَا وَمَلَذَّاتِهَا, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}.

فَأَيْنَ مَنْ غَفَلَ؟ وَأَيْنَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَيَاةَ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَسَهَرٌ وَطَرَبٌ؟ أَيْنَ مَنْ غَفَلَ عَنْ مَصِيرِهِ؟ أَيْنَ مَنْ تَلَهَّى عَنِ الآخِرَةِ؟ لَقَدِ اقْتَرَبَ حِسَابُهُ وَدَنَا عَذَابُهُ, وَعَظُمَتْ خَسَارَتُهُ وَقَلَّ رِبْحُهُ!

قَالَ سُبْحَانَهُ {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}.

لا إِلَهَ إِلَّا الله! لا إِلَهَ إِلَّا الله! لا إِلَهَ إِلَّا الله! إِنَّهَا النَّارُ! إِنَّهَا لَظَى! إِنَّهَا السَّعِيرُ, إِنَّهَا التِي يُؤْتَى بِهَا فِي الْعَرَصَاتِ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا, إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظَاً وَزَفِيرًا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الْفَّرَارَ الْفَرَارَ مِنَ النَّار, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ, حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ, وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَيَا لَهَا مِنْ مَخْلُوقٍ فَظِيعٍ! وَيَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِي جَنْبِ اللهِ! إِنَّ طَعَامَ أَهْلِهَا الزَّقُّوم, وَشَرَابَهُمُ الْمَاءُ الْحَمِيم ... {وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ}, قَالَ سُبْحَانَهُ {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}.

هَذَا بَعْضُ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْعَجِيبَةِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْعِبَرِ, أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ, وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, وَتَأَمَّلُوا فِي كِتَابِ اللهِ فَفِيهِ الْفَلاحُ وَالنَّجَاحُ وَإِنَّهُ أَعْظَمُ وَاعِظٍ وَأَكْبَرُ زَاجِرٍ عَنِ الْمَعَاصِي.

أَيُّهَا الْمُسِلِمُونَ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اللهُ النَّارَ وَخَوَّفَ مِنْهَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى الْجَنَّةَ وَرَغَّبَ فِيهَا, فَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)}.

نَسْأَلُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ, إِنَّهَا الْجَنَّةُ! إِنَّهَا دَارُ الْخُلْدِ بِجِوَارِ الرَّحْمَنِ, مَعَ رُسُلِ اللهِ الْكِرَامِ وَأَوْلِيَائِهِ الْعِظَامِ, إِنَّهَا مُعَدَّةٌ لِكُلِّ مَنْ يَخَافُ اللهَ بِالْغَيْبِ حِينَ يَكُونُ خَالِيَاً فَيُرَاقِبُ رَبَّهُ وَيَتَّقِي مَوْلاهُ وَلا يُرَائِي النَّاسَ وَيَعْمَلُ لَهُمْ. إِنَّهَا الجَنَّةُ! فِيهَا كُلُّ مَا تَلَذُّ نَفْسُكَ وَيَشْتَهِي قَلْبُكَ, ثُمَّ الْمَزِيدُ الْمَزِيدُ الذِي هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ, وَهُوَ غَايَةُ النَّعِيمِ فِي الْجَنَّةِ أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِوَالِدِينَا مِنْ فَضْلِهِ.

ثُمَّ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ, مَوْعِظَةُ رَبِّنَا وَكَلَامُهُ, وَقَوْلُهُ وَخِطَابُهُ, بِهِ نَتَّعِظُ فِي أَنْفُسِنَا وَبِهِ نَعِظُ غَيْرِنَا.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَجَلاءَ أَحْزَانِنَا وَذَهَابَ هُمُومِنَا وَغُمُومِنَا, اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا, اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدًا لَنَا لا شَاهِدًا عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ أَسْكِنَّا بِهِ الظُّلَل وَاكْسِنَا بِهِ الْحُلَلَ, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَحَلَّ حَلالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ وَعَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ, اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى تَدَبُّرِهِ وَارْزُقْنَا فَهْمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ, اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ, والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1707963027_عِبَرٌ مِنْ سُورَةِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 6 رَجَب 1445هـ.doc

المشاهدات 1280 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا