عِبَرٌ من التاريخ (عزم على تحرير القدس ثم مات فيرجى له أجر ما نوى!) أ.رجب صابر
الفريق العلمي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد نقلت لنا كتب التاريخ بذل المجاهدين وصدق الصادقين في نصرة هذا الدين.
وممَن له ذكر حسن فيما يتعلق بشأن "القدس"، الملك "نور الدين محمود زنكي"؛ فقد "عزم على فتح بيت المقدس فوافته المنية" (المنتظم لابن الجوزي 18/ 209).
وقد ذكر ابن الأثير الجزري: "أن نور الدِّين قد شرع بتجهيز المسير إلى مصر لأخذها مِن صلاح الدين، فإنه رأى منه فتورًا في غزو الفرنج مِن ناحيته، فأرسل إلى الموصل، وديار الجزيرة، وديار بكر، يطلب العساكر ليتركها في الشام تمنعه مِن الفرنج ليسير هو بعساكره إلى مصر، وكان نور الدين لا يرى إلا الجد في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأى إخلال صلاح الدين بالغزو، وعلم غرضه؛ تجهز للمسير إليه، فأتاه أمر الله الذي لا يُرد" (التاريخ الباهر، ص 161).
وذكره نحوه سبط ابن الجوزي: "وما كان يرى نور الدين إلا خلاص القُدْس منهم، واستئصالهم مِن السواحل، فمضى إلى دمشق، وأقام يتجهَّز؛ فأدركه أجله وهو على هذه النية" (مرآة الزمان،21/218).
وقال أبو شامة: "ولو علم نور الدين ماذا ذخر الله -تعالى- للإسلام مِن الفتوح الجليلة على يدي صلاح الدين مِن بعده؛ لقرَّتْ عَينه، فإنه بَنَى على ما أسَّسه نور الدين مِن جهاد المشركين، وقام بذلك على أكمل الوجوه وأتمها -رحمهما الله تعالى-" (كتاب الروضتين 2/ 310-311).
ومما يدل على صدق عزم نور الدين -رحمه الله-: "أمره بإعداد منبر يكون في المسجد الأقصى، وقد أُحضر هذا المنبر مِن حلب بعد فتح القدس في عهد صلاح الدين، وتحقق مراد نور الدين" (انظر مختصر سنا البرق الشامي، للبنداري، ص 314-315).
فتأمل كيف كان عزم هذا الملك على فتح بيت المقدس؟! وانظر إلى حسن ظنه وتفاؤله بالنصر، وعدم يأسه أو قنوطه!.
وتنبَّه إلى أنه مع ذلك كله لم يعش ليدرك لحظة الانتصار، لكنه مهَّد الطريق لمَن بعده؛ فالمهم أن يؤدي كل واحد منا ما عليه، وليس عليه حصول النتائج.
واستشعر فضل الله على عباده بأن يكتب لهم أجر ما نووه مِن الخير وما عزموا عليه، وإن لم يفعلوه أو يدركوه؛ فإنا نرجو له أن يكون قد كَتب الله له أجر تحرير بيت المقدس.
وكم نحن بحاجة في هذه الأيام إلى بذل العمل بما نستطيع، مع حسن ظن وصدق عزم، وصدق الله في قوله: (فَأَوْلَى لَهُمْ. طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (محمد:20-21).
وكم في التاريخ مِن عِبَرٍ؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
المصدر: الفتح